لم تكن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي حصلت مؤخراً إلى مصر واجتماعه مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي مفاجئة؛ فهي تأتي في نهاية سلسلة المصالحات التي بدأتها تركيا منذ العام 2021 وما تلاها.
ليس مستهجناً أن المصالحة مع دولة الإمارات العربية المتحدة كانت أولى المصالحات التركية الناجحة خصوصاً أن الإمارات كانت بصدد البدء بسياسات مصالحة مع كل الدول. وكانت المصالحة الثانية لتركيا مع المملكة العربية السعودية، وقد ضخ السعوديون المال في شرايين الليرة التركية، كما كانت المساهمات الإماراتية عاملاً مهماً في تعويم الليرة التركية ولا سيما عشية الانتخابات الرئاسية في تركيا الربيع الماضي.
ومن ثم بل قبلهما وبينهما كان التطبيع التركي مع إسرائيل عندما بدأت تركيا تتخذ موقفاً «حيادياً» بين إسرائيل والفلسطينيين ومن ثم زار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ أنقرة واستقبله أردوغان بحفاوة. وفي العشرين من أيلول/سبتمبر الماضي التقى أردوغان في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي كاد أن يشرع بزيارة لتركيا لولا عملية «طوفان الأقصى» التي حصلت في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وما تلاها من حرب دموية على غزة.
وقد تصافح أردوغان والسيسي للمرة الأولى على هامش مونديال قطر في خريف العام 2022 ومن ثم التقيا على هامش قمة العشرين في الهند في أيلول / سبتمبر الماضي. وكاد الرئيس السيسي أن يزور تركيا في تموز/ يوليو الماضي ولكن الزيارة تأجلت في اللحظة الأخيرة دون إبداء أي سبب. لذلك لم تصبح الزيارة يقينية إلا بعدما أصدرت رئاسة التواصل في القصر الرئاسي بأنقرة بياناً بذلك. ولعل أسئلة كثيرة طُرحت عن السبب في تأخر المصالحة بين تركيا ومصر.ولكن السؤال الأهم الآن: هل تمت المصالحة الآن فعلياً وبصورة متقدمة؟.
لا شك أن ملف العلاقات التركية - المصرية معقّد ومتعدد المشكلات والقضايا الخلافية.
1- المشكلة الأولى هي في الموقف الإيديولوجي المسبق لتركيا مما جرى في مصر منذ ثورة 25 يناير(كانون الثاني) 2011 والإطاحة بالرئيس السابق الراحل حسني مبارك. ومع أن «جماعة الإخوان المسلمين» أوصلوا إلى الرئاسة في العام 2012 ممثلهم محمد مرسي لكنه لم ينل في تلك الانتخابات أكثر من 25 في المئة. وشرع في سياسات عنوانها التفرد بحكم البلاد من جانب نخب «الإخوان المسلمين» وهو ما أثار اعتراضات قطاعات واسعة من المجتمع المصري فكانت ثورة يونيو(حزيران) 2013 التي أطاحت مرسي وجاءت بالرئيس عبد الفتاح السيسي. لكن تقديم العوامل الإيديولوجية على غيرها جعل أردوغان، وكان رئيساً للحكومة، يرفض الاعتراف بحكم السيسي ووصفه ب «الانقلابي» بل أدخل أردوغان عام 2019 السيسي طرفاً في الصراعات الداخلية التركية من خلال اعتبار مرشح حزب الشعب الجمهوري العلماني أكرم إمام أوغلو لرئاسة بلدية إسطنبول كما لو أنه مرشح السيسي، مخيراً الناس بين مرشح العدالة والتنمية بن علي يلديريم وبين «أوغلو» مرشح السيسي؟.
بعد أن خسر يلديريم. أدرك أردوغان أن سياساته الخارجية الإخوانية لم تجلب له سوى الخسارات؛ فقرر الاستدارة مع مصر من بعد تلك الانتخابات وثمن هذه الاستدارة سيكون حتماً تخلي أردوغان عن دعم الإخوان في مصر. ويفترض أن يكون هذا الثمن قد دفع أو قيد الدفع كي توافق القاهرة على استقبال أردوغان للمرة الأولى منذ العام 2012 وكان رئيساً للحكومة. وربما سحب الجنسية التركية من نائب مرشد الإخوان محمود حسين هو آخر المؤشرات على ذلك.
2- وكان الوضع في ليبيا إحدى أكبر المشكلات المتفجرة بين تركيا ومصر. وقد تدخلت تركيا في ليبيا إلى جانب الحكومات التي تشكلت غرب ليبيا في طرابلس ولا سيما في عهد حكومة فايز السراج الذي وقّع اتفاقيات اقتصادية وعسكرية مع الرئيس التركي أردوغان، وحوّل الجزء الغربي من ليبيا إلى محمية تركيا مقابل القسم الشرقي من ليبيا بزعامة اللواء خليفة حفتر. وكادت الحرب تنفجر بين القاهرة وأنقرة في ليبيا لولا إنذار الرئيس السيسي في حزيران/ يونيو 2020 باعتبار أي محاولة لاحتلال «سرت» و«الجفرا» من قبل قوات طرابلس المدعومة تركياً خطاً أحمر. والآن فإن تصريح وزير الخارجية التركي حاقان فيدان بافتتاح قنصلية تركية في بنغازي يعتبر مؤشراً مهمّاً على تقارب البلدين في المسألة الليبية.
3- تعتبر قضية التعاون في مجال الطاقة في شرق المتوسط معقدة إلى حد بعيد. فمصر دخلت في تعاون وثيق في «منتدى غاز شرق المتوسط» مع إسرائيل واليونان وقبرص وغيرها واستبعدت عنه تركيا. الآن لا يعرف أي مسار ستتخذه السياسية المصرية في هذا الإطار. وإلا فإن تباين هذه المسألة يمكن أن يؤثر سلباً في التقارب الثنائي بين تركيا ومصر.
4- ربما تعزيز التبادل التجاري ورفع حجم التجارة بين البلدين هو الأسهل في أجندة العلاقات بين البلدين.
وما عدا ذلك يمكن اعتبار التقارب التركي – المصري مهمّاً للسلام والاستقرار في شرق المتوسط مع الأمل بألا يُستغل من الجانب التركي تحديداً لحسابات إقليمية تجاه سوريا أو العراق أو داخلية إيديولوجية.