: آخر تحديث

أفلام أم أحلام عصر؟!

35
33
38

في 3 يناير من العام الجاري، بدأت هيئة الأفلام السعودية دورتها الرابعة من برنامج صناع الأفلام، الذي يستهدف تدريب أربعة آلاف شخص في كل مناطق المملكة، ومعه برنامج جديد اسمه (كادر)، وهو يهتم بإعطاء دورات مهنية تقدمها شركات إنتاج عالمية، لقرابة 50 صانع وصانعة أفلام، وبما يعزز من وجودهم على الخارطة السينمائية، ويدعم فرص مشاركتهم في مشروعات السينما العالمية، وإيرادات السينما السعودية حققت أرقاماً مهمة في 2023، وصلت إلى نحو 236 مليون دولار، مقارنة بسبعة ملايين وستمائة وعشرين ألف دولار في 2018، وعرضت 174 فيلماً عربياً وأميركياً وآسيوياً، والسوق السينمائي السعودي، ورغم أن عمره لم يتجاوز الخمسة أعوام، يعتبر الأضخم على مستوى الشرق الأوسط والمنطقة العربية، في الوقت الحالي، وتقدر حصته بنحو 46 % من إجمالي الإيرادات.

بخلاف أن فيلم (الهامور) السعودي دخل في قائمة الأفضل عالمياً على منصة نيتفلكس، خلال أسبوعه الأول، وبواقع مليون وخمسمائة وسبعين ألف ساعة مشاهدة، وفيلم (سطار) سجل مبيعات فلكية في شباك التذاكر، بلغت عشرة ملايين دولار، وهو ما وضعه بين الخمسة الكبار في المحيط الإقليمي، ولعل السبب الأبرز في نجاحها يتمثل في انحيازها إلى المحلية لتحقيق الوصول الناجح، وفي الفكرة البسيطة والسياق المتماسك نسبياً، وما سبق لا ينطبق على فيلم (ناقة) الذي نجح في تحقيق شهرة سلبية، وصادق على صورة العربي الهوليودية، في تركيزه على العالم السفلي وحياة الليل وانحرافاتها.

زيادة على ما تقدم، أسجل من جانبي تحفظاً آخر،، فالقائمين على فيلم (ناقة) لم يدرسوا الثقافة المحلية كما يجب، والدليــــل أنهم اختاروا تسمية مبهمة للفيلم، بافتراض أنهم أخذوها من شخصيته الرئيسة، أو الناقة التي قتل ابنها أمامها، ولم يحملوه إحالات أبعد، وهذا النوع من النوق يسمونه (الخلوج) ولو استخدم الاسم التراثي المعروف كعنوان للفيلم، لانسجم مع واقعه المحلي وكان أكثر جذباً، والمشترك في الأعمال الثلاثة التواضع في الأداء وفي التصوير وفي الكتابة، ويتفوق فيلم (ناقة) على البقية في أنه بلا فكرة أو سياق مفهوم وفي كونه أشبه بـ(حلوم العصر)، وقــد يناسب المهرجانات والنقاد المتفذلكين، ولكنه لن يجد قبولاً جماهيرياً بالتأكيد، ونماذجه موجودة في الأفلام الأوروبية والأميركية.

العروض السينمائية ليست جديدة على المملكة، فقد دخلت إليها في 1938، وتحديداً في المجمعات السكنية لموظفي أرامكو في الظهــــران ورأس تنورة وأبقيق، وعوملت كأنشطة خاصة، ولم يسمح للعرب بدخولها، وفي ستينــات وسبعينــــات القرن العشرين، فتــــح ناديا الهلال والنصر أحواش سينما لجماهيرهما، ولكنها لم تعرض إلا الأفلام المصرية وحدها، ومن ثم ظهرت أحواش السينما التي عرضت الأفلام على اختلافها في بعض المدن السعودية، ومن بينها، حي المربع في الرياض، والذي كانـــوا يسمونه بـ(زقاق السينما) لكثرة الأحــــــواش السينمائية فيه، وسينما (باب شريف) و(أبو صفية) في جدة، ووصلت أسعار التذاكر فيها إلى 3 دولارات، ويعتبر عبدالله المحيسن أول مخرج سعودي مارس الإخراج والتصوير السينمائي في 1975، ولعله يستحق التكريم في تسمية شارع أو ميدان باسمه، لولا أن هذا كله توقف بعد حـادثة الحرم المكي في 1979، ولم يحضر مجدداً، إلا مع صاحب الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 2018، وإعادته للوسطية السعودية المنفتحة على العالم.

توجد حزمة من صناديق الدعم الحكومية لصناع الأفلام، وتمويلها لا يتوقف عند السعوديين ويمتد ليشمل العرب والأفارقة، والمشكلة فيما يخص السعوديين، أنهم يعانون من غياب النص الجيد والفكرة المبتكرة، ونقاد الأفلام الصادقون لا يرغبون في الاصطدام بهم أو بمن يمولهم، وهذا خطأ، بجانب وجود أعمال تناقش قضايا لا تخاطب اهتمام غالبية الناس في المجتمــع، وفيها إمتــــــاع وواقعية محلية لا تشبه إلا نفسها، وتوصل إلى العالمية من أوسع أبوابها، وذلك لصالح الاهتمام بهموم شريحة صغيرة فيه، علاوة على أنها لا تهتم بمحـاكاة الفترة الزمنية التي تتكلم عنها، وبالأخص في الأزياء والإكسسوارات والسيارات، رغم أهميتها، ولا تخرج من أجواء اليوتيوب في مسألة الانشغال بالصور و(الفريمات) عن السرديات الدرامية.

الأفلام السعودية فــــي شكلها الحاضر، لا تخاطب واقعها، وتحاول سعودة أفكار مجربة وبعيدة عن مجتمعها، ربما لأنها كانت ناجحـــــة أو متميزة في مجتمعاتها، وقد قامت أميــــركا بذلك في فتـــــرة سابقة، واستنسخت فيلم (أولد بوي) الكوري الجنوبي، وفيلم (ذا سيكرت إن ذير ايز) الأرجنتيني، إلا أنها فشلت بامتياز، مع ملاحظة أن هوليود نجحــــــت في استقطاب مخرجين بارزين من المكسيــــك وكوريا الجنوبية، واستعــــانت بهم في إخراج أفــــلام حصلت على جـوائز في مهرجانات عالمية، وعلى الأوسكار والغولدن غلوب الأميركية، ولمن يرغب في معرفة نوعية الأفلام المناسبة للجوائز العالميــــة والجمهور، عليه أن يراجع تفضيـــلات (آي إم دي بي) التي تحتوي 250 فيلماً، ومعظم هذه الأفلام ليست أميركية وجماهيريتها عالية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد