تقف البشرية اليوم أمام عالم جديد يتشكل، حيث لا يعلم أحد، أو يتوقع، متى تتوقف الحرب الأوكرانية الروسية، ولا يجزم أحد بالإحاطة بكل نتائجها على المستوى القريب، أو البعيد.
لقد بدأ العالم يتفكك كهوية سياسية، ما جعل البشرية ترتد على أدبارها ارتداداً يقودها نحو البدائية، حيث تتحرك بحكم الخوف، وتُلقي قيادها للغريزة لا للعقل، من دون إدراك أو رعاية للقانون الأخلاقي، حيث أصبح القانون معادلاً لحالة حرب عامة. وهنا تتحول الدول إلى غابة تحكمها غريزة الحرب والدمار أمام انتهاج سياسة عسكرية تدميرية، لا تعير اهتماماً لأي مبدأ من مبادئ الفضيلة، في مسيرة متوحشة وفارقة. ونتيجة هذا الصراع تعود جزر فوكلاند لتصبح في قلب الأحداث، وهي عبارة عن أرخبيل من الجزر التي تقع في جنوبي قارة أمريكا، وعلى بعد نحو 1300 كيلومتراً، من القارة القطبية الجنوبية، وتتألف من جزيرتين كبريين، هما: فوكلاند الشرقية وفوكلاند الغربية، ومن مجموعة أخرى صغيرة من الجزر التي تبلغ 776 جزيرة.
هذه الجزر تتبع التاج البريطاني فيما وراء البحار، وتتمتع بالحكم الذاتي الداخلي، لكن المملكة المتحدة تتولى مسؤولية الدفاع عنها. وتعتبر دولة الأرجنتين القريبة، تلك الجزر جزءاً من ترابها الوطني، ومؤخراً أعلن الرئيس الأرجنتيني المنتخب خافيير ميلي، عن نيته إعادة هذه الجزر إلى الأرجنتين. وقد ردّ الممثل الرسمي لرئيس الوزراء البريطاني على كلام ميلي بالقول:«تم حل هذه قضية منذ فترة طويلة، ولا توجد خطط للعودة إليها». وقد تم تكثيف الاستيطان البريطاني هناك حتى أصبحت أغلبية السكان من أصول أنجلوسكسونية.
ويبدو أن الأمور مقبلة على الانفجار في هذه القارة، حيث دعا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، لتسوية النزاع الإقليمي طويل الأمد مع غيانا من خلال المفاوضات المباشرة، حيث تطالب فنزويلا بكل شيء غرب نهر إيسيكويبو- نحو ثلثي ما تعتبره غيانا أراضيها التي منحتها لجنة تحكيم دولية بريطانيا عام 1899، لكن فنزويلا لم تقر بذلك، وقالت إن القرار باطل. ومنذ ذلك الحين تطالب دورياً بتسلم المنطقة، خاصة، كما يقول مادورو «اليوم، تحاول الإمبراطورية الأمريكية، بدعم من الحكومة البريطانية وشركة إكسون موبيل الاستيلاء على ثروة غيانا»، ويبدو أن الصراع سيشتد خاصة بعد اكتشاف ثروات طبيعية من الذهب والألماس والغاز وحقول النفط في المناطق الواقعة غرب نهر إيسيكويبو.
ولم تتوقف النزاعات في القارة، حيث لجأت البيرو إلى محكمة العدل الدولية، للمطالبة بالسيادة على منطقة بحرية تبلغ مساحتها 95 ألف كلم مربع، غنية بالثروة السمكية، تسيطر عليها تشيلي. وبينما تقول بيرو إن هذه الحدود البحرية لم ترسم أبداً، تؤكد سانتياغو أن معاهدتي 1952 و1954 رسمتا الحدود الحالية، وقد ورث البلدان هذه الحدود من حرب المحيط الهادئ 1879 التي تسمى أيضاً «حرب الملح الصخري»، التي خرجت منها تشيلي منتصرة، وخسرت بيرو خلالها 25 في المئة من أراضيها، فيما حرمت بيرو من منفذها على البحر. فيما هددت بوليفيا التي تريد استعادة 400 كيلومتر من أراضيها على الشريط الساحلي خسرتها في نزاعها مع تشيلي، وباتت «العودة إلى البحر» منذ نحو قرن، رهاناً أساسياً أدرج في الدستور الرسمي لجمهورية بوليفيا، ومطلباً دائماً لكل القادة والزعماء البوليفيين. وقد أعلن الرئيس البوليفي السابق، ايفو موراليس، أن ما حفزه على القيام بمسعاه، برفع قضية النزاع إلى محكمة العدل الدولية، محاولات الحوار غير المجدية التي استمرت عشر سنوات مع نظرائه، وصرح بأن بلاده ستدافع «بكل قوة عن الوحدة الوطنية والتاريخ والحقيقة، عن أرضها وبحرها وسمائها، وسيادتها أيضاً».
إن هذه القضايا الشائكة قد تفجر الصراع داخل القارة، التي تُعد الحديقة الخلقية للولايات المتحدة، وفي ظل تغيّر موازين القوى في العالم، وظهور أقطاب دولية جديدة، وتعمق النزعة الاستقلالية في دول كثيرة في أمريكا الجنوبية، وعلى رأسها البرازيل، التي رفضت تسليم جاسوس روسي مطلوب في قضية تجسس داخل الولايات المتحدة، في تحدٍ صارخ لواشنطن، وأعلنت أنها ستسلمه لروسيا التي طالبت به لمحاكمته في قضايا داخلية.