انتقد فريق من خبراء الاقتصاد العراقيين، رئيسَ الوزراء محمد شياع السوداني، لإقدامه في بداية عهده، في أكتوبر الماضي، على إلغاء تعيين 400 من كبار المسؤولين، خصوصاً الأمنيين منهم، الذين عيَّنهم سلفُه مصطفى الكاظمي. وشدد الخبراء على ضرورة أن تخضع المناصب التي يجري تغييرها لإدارات مهنية، وأن تكون التعيينات الجديدة لمن يستحقها ومؤهل لتوليها.
ونصح هؤلاء الخبراء بعدم اتخاذ أي إجراء بإلغاء الاتفاقات التي أبرمها الكاظمي مع عدد من الدول، خصوصاً الدول الخليجية، كونها وُقِّعتْ بناءً على بعد استراتيجي مهم للجانب العراقي، وتحديداً في علاقاته العربية التي كانت «شبه معدومة»، وقالوا إن أي إجراء قد يتخذ لإنهاء العلاقات الاستراتيجية ذات البعد السياسي والاقتصادي، سيفسر على أنه تنفيذ لأجندة خارجية، مما سيعيد العراقَ إلى العزلة العربية والدولية.
لكن بعد أقل من شهر ونصف الشهر من عهد حكومة السوداني، شارك العراق للمرة الثانية مع الكويت في مناورات بحرية أجراها الأسطول الأميركي الخامس في الخليج (المرة الأولى جرت في 25 أغسطس الماضي)، وتهدف إلى تعزيز الأمن البحري الإقليمي.
وإذا كان ذلك يعني أن اتفاق التحالف الاستراتيجي والشراكة الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية بين العراق وواشنطن، لا تزال فاعلة وتلعب دوراً أساسياً في تمتين العلاقات المتعددة على المستويات كافة، فإنه أيضاً يعبّر عن رسالة واضحة مفادها أن واشنطن لن تتخلى عن العراق كحليف استراتيجي يشكل مجالاً محورياً جيوسياسياً للأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والخليج العربي، والمصالح الحيوية الاستراتيجية للولايات المتحدة، ولعل أهمها الاستثمارات النفطية التي تشارك فيها الشركات الأميركية.
ومع تصاعد احتجاج بعض العراقيين ضد قرار البنك الفيديرالي الأميركي بإخضاع حركة «الدولار العراقي» لرقابته، وفرض عقوبات على عدد من المصارف بزعم ممارستها عمليات تهريب وغسل أموال، مما أدى إلى خفض سعر صرف الدينار، الأمر الذي دفع إلى قيام وفد برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية فؤاد حسين لزيارة واشنطن وإجراء مباحثات مع المسؤولين الأميركيين.
وقد أعرب عن تفاؤله بـ «انحسار أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار»، مؤكداً أن «العراق ماضٍ بإجراءات الحد من التهريب من خلال المنصة التي أُنشئت في البنك المركزي على أساس التفاهم مع وزارة الخزانة الأميركية، وأن تدفق الدولار إلى العراق زاد من 2.5 مليار دولار إلى 3 مليارات كل ثلاثة أشهر». ولم تتوقف أبعاد زيارة الوفد العراقي التي استمرت أسبوعاً (من 9 إلى 16 فبراير الحالي) عند أزمة «الدولار العراقي»، بل شملت مختلف العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة، وذلك ضمن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بينهما عام 2008.
ووفق البيان المشترك الذي وصف بأنه «رسم خريطة طريق» لمستقبل العلاقات بين البلدين، فقد جرى التركيز على التعاون الاقتصادي وتنمية قطاع الطاقة، وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأميركي في مشاريع النفط والغاز. وكانت باكورة هذه الاستثمارات التوقيعَ على مذكرة تفاهم بين وزارة الكهرباء العراقية وشركة «جنرال إلكتريك» لتطوير قطاع الكهرباء، مع العلم أن الوفد الأميركي أشاد بالتزام العراق بمشاريع الربط الكهربائي الإقليمي مع الأردن والسعودية ودول الخليج.
وتعمل حالياً في العراق نحو 17 شركة استثمارية عالمية من جنسيات مختلفة لتطوير الحقول النفطية المنتجة والمستكشفة، وبينها شركات أميركية مثل شركة «شيفرون» التي حُظيت باتفاق يشمل إنتاج النفط والغاز في محافظة ذي قار، وشركة «هانيويل» التي تسهم بشكل كبير في تطوير البنية التحتية، وشركة «بيكاريوس»المتخصصة في الخدمات النفطية.
وتبقى الإشارة إلى أن ما يقلق الأميركيين هو «الهجمة الاستثمارية الصينية» على قطاع الطاقة، والتي تكثفت منذ أكتوبر 2019، عندما وقّعت الصينُ مع العراق اتفاقيةَ برنامج «النفط مقابل إعادة الإعمار»، وتعهدت بموجبها عشراتُ الشركات الصينية بالعمل في البنى التحتية العراقية، مقابل تلقي بكين 100 ألف برميل نفط يومياً. وبذلك أصبحت الصينُ أكبر مستثمر في العراق، وعروض شركاتها تنافس عروض الشركات الأميركية والأوروبية، وحتى الروسية. ووصل الأمر إلى شكوى المسؤولين العراقيين وقلقهم من خطورة احتمال انسحاب عدد من الشركات الغربية، وبيع حصصها لشركات صينية. مع العلم أن شركة روسيةً حاولت بيع حصصها الاستثمارية إلى شركة صينية، لكن وزارة النفط العراقية أحبطت المحاولة.
*كاتب لبناني متخصص في القضايا الاقتصادية
العراق والتنافس الاستثماري الدولي
مواضيع ذات صلة

