: آخر تحديث

التحويلات للدول الفقيرة بالميزان

16
14
16
مواضيع ذات صلة

لم يكن أمام الدول الدائنة خلال أزمة جائحة كورونا، سوى النظر في الوضعية المالية لبعض الدول الناشئة والدول التي توصف بالأشد فقرا. فهذه الأزمة أثرت حتى في الدول المتقدمة والثرية، فكيف الحال بالنسبة إلى هذه الدول التي ترزح تحت وطأة ضغوط اقتصادية واجتماعية لا تنتهي، رغم نجاح البرامج الإنمائية التي أطلقتها الأمم المتحدة في بداية الألفية الحالية.

كانت المملكة ترأس دورة 2020 لـ"مجموعة العشرين" عندما طرحت مشروع تخفيف حدة الديون على الدول الفقيرة، بتجميدها أو إعادة جدولتها. ونجحت في ذلك، ما خفف الأعباء حقا عن هذه الدول، في وقت كانت تحتاج فيه إلى أي قوة دفع، خصوصا إذا ما عرفنا، أن هذا العام الذي اصطلح على تسميته "سنة الجائحة"، شهد بسببها تراجعا مخيفا في معدلات التحويلات الخارجية الفردية للدول الفقيرة، التي تستند أساسا إليها كمورد أساس للدخل المحلي.

والسبب كان معروفا منذ البداية، وهو توقف الأعمال، واضطرار بعض جهات التشغيل حول العالم لتسريح موظفين، "بعضها سرح كل الموظفين"، فضلا عن خروج عدد كبير من الوافدين لجميع الدول من سوق العمل. فعندما لا يكون هناك حراك اقتصادي لا تكون هناك أعمال. أثر بالطبع ذلك في مستوى التحويلات للدول الفقيرة. خفت حدة هذه المشكلة في 2021، رغم الاضطراب الذي شهده العالم من جراء الإغلاقات المتكررة، حتى بعض الفوضى لدى كثير من الدول في مسألة الدعم المالي للشركات والمؤسسات والأفراد، وعدم النجاح السريع في الجهود التي بذلت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المؤسسات.

وعلى مدى 2020 وبعض من 2021 كانت الأمور مضطربة، باعتراف مسؤولين في الدول المتقدمة. فكيف الحال بالأوضاع في الدول الفقيرة، بما فيها تلك التي نجحت حقا في الأعوام الماضية في اكتساب توصيف الناشئة.

وإذا كان وضع التحويلات قد تحسن في 2021، وهو أمر عده مراقبون غريبا، إلا أن مشكلات واجهته في العام الجاري من جهة حجمها، الذي من المفترض أن يكون أكبر. فوفق البنك الدولي، زادت هذه التحويلات فعلا إلى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، بـ5 في المائة في العام الجاري، لتصل إلى 626 مليار دولار، لكن الحقيقة أن هذه الزيادة كانت أقل من تلك التي سجلت العام الماضي عند 10.2 في المائة.

ويرى بعض المختصين في المؤسسات الاقتصادية الدولية، أن ارتفاع التحويلات سيكون أقل العام المقبل، ما يعيد طرح وضعية شريان أساس لاقتصادات الدول الفقيرة عموما. فالتحويلات تمثل رافدا أساسيا لهذه الاقتصادات التي تعاني مشكلات متعددة، رغم أنها حققت قفزات نوعية في الأعوام التي سبقت جائحة كورونا، مستندة إلى تسهيلات تجارية كشكل من أشكال الدعم الدولي لها.

وإذا كانت الإغلاقات ومعها الإفلاس والصعوبات وراء تراجع التحويلات بسبب الجائحة، فإن النمو الطفيف لها في العام الجاري يعود أساسا إلى المصاعب الاقتصادية العالمية التي شملت كل شرائح الدول من متقدمة إلى ناشئة، من فقر إلى أشد فقرا. فالموجة التضخمية الراهنة "أكلت" النمو في دول تعد مصدرا رئيسا لهذه التحويلات، التي لا تقتصر بالطبع فقط على الأموال التي يرسلها العاملون إلى دولهم الأصلية، بل تشمل بصورة أساسية تلك الناتجة عن الحراك التجاري بينها وبين الدول المستوردة لمنتجاتها المتنوعة.

وانخفضت التدفقات المسجلة رسميا، مع تحولها إلى قنوات بديلة تقدم أسعارا أفضل. وهذا يبدو طبيعيا في ظل ضغوط الأسعار التي ترتفع، ما وضع بعض التسهيلات التجارية المعهودة للدول الفقيرة خارج نطاق الأفضلية. وهنا يأتي السؤال الأهم بشأن مساعدة الدول منخفضة الدخل تجاريا: إلى أي مدى سيستمر الوضع معها على هذا المنوال؟ مع العلم أننا هنا لا نتحدث عن انخفاض التحويلات، بل عن نقص مستوى نموها.

لا توجد إجابة محددة، بسبب وضع اقتصادي عالمي يتصدره تضخم نادر منذ عقود من حيث التأثير في الحياة الاجتماعية في كل مكان. فالبحث عن مصادر للتجارة أقل تكلفة سيبقى مستمرا، لأن الضغوط لا تزال قوية، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان سياسات التشديد المالي الراهنة التي أنهت نموا متوسطا مقبولا دام أعواما عديدة.

ستبقى التحويلات الآتية من العمال المهاجرين المحور الرئيس الأكثر استدامة، على الرغم من أنهم هم أيضا يتعرضون لضغوط السوق. لكن هناك جانبا مشرقا حقيقيا، وهو أن المهاجرين يساعدون حقا على التخفيف مما تعانيه أسواق العمل في الدول التي يعملون فيها. أي إن اليد العاملة الأجنبية باتت مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، في كل القطاعات، ما قد يضمن نموا في ساحة تشغيل هؤلاء في المستقبل.

لا بد من الاستدامة هنا لتأمين تدفق التحويلات للدول الفقيرة، فضلا عن ضرورة قيام الدول المتقدمة بإعادة صياغة اتفاقات تجارية تسهم في تخفيف التقلبات الاقتصادية العنيفة في دول منخفضة الدخل عانت خلال أقل من ثلاثة أعوام أزمتين خانقتين، تلك التي جلبتها جائحة كورونا، وهذه التي أتى بها التضخم في كل مكان تقريبا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد