عملية التصويت على ميثاق العمل الوطني، الذي تحل ذكراه في يوم الاثنين من الأسبوع القادم الموافق 14 فبراير، واحدة من المناسبات الوطنية التي نستذكرها بما يناسبها من الفخر والاعتزاز؛ إذ إن هذه المناسبة جرت في ما يمكننا أن نطلق عليه بثقة تامة أفضل مزاج وطني عام مر على المجتمع البحريني على الإطلاق؛ فوقتها انصهرت إرادة الحكم مع إرادات كل المكونات الاجتماعية؛ لتشكل معا رافعة تنموية سارت بالبحرين في سبيل الرفاه والأمن والأمان، ولتتجلى مُعينا مجتمعيا ينهض بالبلاد ويفتح أمامها الأبواب على مصاريعها للدخول في العهد الديمقراطي، ولتقول بصوت واحد وبنسبة تصويت غير مسبوقة بلغت أكثر من 98%، نعم للميثاق، نعم للملك حمد بن عيسى ومشروعه الإصلاحي الذي سيبحر بالبلاد والعباد إلى شواطئ الأمن والرفاه.
ونزعم أن الحنين للعودة إلى الحياة البرلمانية، التي توقفت بفعل عوامل موضوعية ظرفية، كان أحد أهم المحفزات التي أجمع عليها المجتمع البحريني وشكلت دافعا للبحث في المسار الديمقراطي عما يرتقي بالحياة المدنية ويسهم في تعزيز مقومات المواطنة وتكريس مفهومها في ممارسات المواطنين. وهكذا فقد باشر المجتمع مذّاك بالمشاركة في العملية الانتخابية باعتبارها واحدة من المظاهر الديمقراطية، ولكنه حتى الآن؛ لأسباب متنوعة يرتبط أهمها بدرجة الوعي المدني والحس المواطني ودرجة تمثل قيم الديمقراطية وما تقتضيه من عقلانية في سلوك المواطن عندما يمارس حقه بل واجبه الانتخابي، لم يوفق في اختيار ممثلين حقيقيين ينهضون به ويساعدون في تحسين الأداء الحكومي على حد سواء، أو لنقل لم يوفق في اختيار مجلس متكامل جامع بين خيرة الخبرات وأهم الكفاءات الوطنية، أسوة بالكفاءات الوطنية الموجودة في مجلس الشورى.
ثم إنّ هناك حقيقة في الممارسة الديمقراطية ينبغي إدراكها، وهي ألا يظن أحد أن مشاركة المواطنين في الانتخابات هي هدف في حدّ ذاتها، وإنما هي، أي الانتخابات، آلية لتحقيق أهداف أكبر وأسمى أزعم أن تحسين مستوى المعيشة والبحث عن أسباب سعادة المواطنين وتعزيز حرياتهم فضلاً عن أهداف أخرى يريد المواطن حل مشكلاتها ومقاصد يتوق إلى بلوغها مكتملة على أحسن وجه. وأزعم أننا لو سألنا، وبشكل عشوائي، مواطنين بحرينيين حول رأيهم في الحياة الديمقراطية والبرلمانية فإن الإجابة ستكون مبنية على مفارقة بين مبادرات تشريعية حكومية رائدة تحظى بالقبول والرضا التامين كقانون العقوبات البديلة والسجون المفتوحة على سبيل المثال، وأداء نيابي يكاد يجمع المواطنون على أنه مخيب للآمال ولم يبلغ أبدا الحدود المشجعة على استمرار الحياة النيابية. ولهذا شهدنا قبل فترة أصواتا تتعالى من هنا وهناك تنادي «بتجميد الحياة النيابية» لفترة محددة، حتى يصار إلى فهم ما يجري!
ولهذا فإن الحديث عن أداء النواب، منذ أول انتخابات تشريعية في عام 2002 وحتى آخرها التي أعطت تشكيلة المجلس الحالية ليبدو حديثا ذا شجون، ولا نعتقد أن الوقت قد حان أو أزف لكي نضع نقطة النهاية حول الحديث عن أداء النواب؛ إذ مع كل تشكيلة جديدة لمجلس النواب نعاود ندب حظنا بما آلت إليه نتائج الانتخابات، لا من خلال الأسماء التي وصلت إلى المجلس فكلهم على قدر واحد من التقدير والاحترام، فأمر الأسماء هنا لا يهم إن وصل عمر أو زيد، وإنما الذي يهم هو أداء هؤلاء الأشخاص تحت قبة البرلمان.
السبب الرئيس لمعاودتنا ندب حظّنا هذا في كل مرة هو الفشل المتوطن في عدم قدرة هؤلاء النواب على أن يكونوا ممثلين حقيقيين للشعب من جهة وفشلنا نحن كناخبين في الفرز بين المرشحين الذين يُفترض أن يكونوا عنوانا لنخبة المجتمع البحريني في سائر مجالات الأنشطة الاجتماعية سياسية كانت أم اقتصادية أم أكاديمية... ويُفترض أن ينخلهم الناخب مرة أخرى ليستخلص منهم نخبة النخبة التي يُقدر أنها ما رشحت نفسها - وهذا أمر منطقي - إلا لأنها ترى في نفسها الكفاءة والأهلية والقدرة على أن تكون ممثلاً حقيقيًا للشعب يتبنى قضايا المواطنين الحياتية، ويفعل الأدوات الرقابية المتاحة لتسليط الضوء على أوجه الخلل في العمل الحكومي إن وجدت.
تحسين مستوى المعيشة عنوان كبير حقًّا ويقع تحت مظلة هذا العنوان عمل متنوع، اقتصادي، صحي، تربوي، اجتماعي، سياسي، حقوقي، ثقافي.. فالمسألة ليست متعلّقة برفع الأجور والرواتب فحسب، وإن كان ذلك أمرا مهما. وأقصد بإثارة هذه النقطة أنه لا ينبغي علينا كمواطنين أن نُخدع وننخدع بمن يرفع شعار تحسين مستوى المعيشة من دون أن يفقه كنه هذا المصطلح ويوضح للناخبين بتفصيلٍ ما يعتزم تفعيله من آليات عقلانية بعيدة عن الشعبوية تراعي توازنات الدولة المالية، وما يقترحه من خطط عمل وتشريعات عملية تبلغ به وبالمواطن الناخب هذا المطلب بعيدا عن لغة ملؤها شعارات جوفاء توهم الأنفس بما ليس له لا صلة بالواقع وسياقاته وتحدياته. ولذلك أعتقد أن مهمة الاختيار لتحقيق الطموحات ليست مهمة بسيطة، مثلما أعتقد أنه لا ينبغي على المترشح أن يستبسط مهمة تمثيله للمواطنين؛ إذ عليه، وقبل أن يقدم على الترشح وعينه على الامتيازات، أن يحكّم ضميره ويتأكد من قدراته على تحقيق وعوده الانتخابية وحججه المنطقية المسنودة بمستوى تعليمي مناسب.
هذا ملخص وجهة نظرنا في مجالس النواب المنتخبة بما فيها المجلس الحالي نسوقه بمناسبة الذكرى الـ21 للتصويت على الميثاق. وأظنها مناسبة نجمع فيها بين الروح الاحتفالية وما يتولد عنها من أشكال تعبيرية تعكس مشاعر الفرح والاعتزاز بهذه المناسبة، والعقلية الاستشرافية التي تتطلع دائما إلى الأفضل وتطلب تحسين مخرجات العملية الانتخابية؛ حتى تكون شهادة على أن للناخب البحريني معايير موضوعية وعقلانية يختار بها ممثليه، وأن معيار الكفاءة يأتي على رأس هذه المعايير، بل إنه المعيار الحاسم في ترجيح كفة الاختيار لصالح مرشَّح أو مرشّحة دون أخرى.

