: آخر تحديث

لعبة الدب

17
23
24
مواضيع ذات صلة

ليست تسمية الدب الروسي وليدة اليوم، ولا هذا العقد، ولا الحقبة «البوتينية» الحالية، ولا حتى الحقبة السوفييتية، وإنما تعود إلى قرون، إلى القرن التاسع عشر على الأقل، يوم كان القياصرة هم من يحكمون روسيا، فيما يرى آخرون أن الدب ظهر في الغرب كرمزٍ لروسيا في القرن الثامن عشر، واستخدم بمدلول سلبي بطبيعة الحال، فكون الدب هناك هو سيد الغابة، أو أحد سادتها، ورمز القوة، أطلق الغربيون على روسيا صفة الدب، كون الدببة تعيش في أجواء روسيا الثلجية، رغبة منهم في تصويرها ب«العدوانية»، وبأنها أدنى مرتبة من غربهم «المتحضر».

بالنسبة للروس فلا غضاضة لديهم بأن يقرنوا باسم الدب، بل إنهم يعدون الدب رمزاً من رموزهم، وبعض الأحزاب القومية الروسية اتخذت منه شعاراً لها، وهو بطل الحكايات الشعبية ورسوم الكاريكاتير وحكايات الأطفال، ولا يكترث الروس كثيراً بالصورة التي كوّنها الغرب عنهم بتشبيههم بالدببة، مع أن البعض في الغرب، في مراحل تاريخية سابقة، نظر إلى التسمية كتعبير عن الإمبراطورية الروسية العظمى، لكنه بقي في الغالب رمزاً لروسيا «المتخلفة» و«الجاهلة».

وحسب تقرير منشور على موقع «آر تي»، كتبه حبيب فوعاني، فإن صورة الدب في الثقافة الروسية متفاوتة، حيث كان يظهر عادة في القصص الشعبية، التي جمعها في منتصف القرن التاسع عشر، الأديب الكلاسيكي الفولكلوري الروسي ألكسندر أفاناسيف، في دور جشع ودنيء وغبي، بينما كان الدب السوفييتي في كتب الأطفال وأفلام الكرتون بليداً طيب القلب، ما وجد انعكاساً، على سبيل المثال، في اختيار الدب الروسي الصغير اللطيف «ميشكا» رمزاً للألعاب الأولمبية في الاتحاد السوفيتي عام 1980.

اليوم يكثر استخدام تعبير الدب الروسي حين يجري الحديث عن سياسة الرئيس فلاديمير بوتين الصارمة تجاه سياسات الغرب الموجهة نحو روسيا، والتي يعتبرها مساساً بأمن بلاده القومي، الذي لن يسمح بأي تفريط فيه، واختار تقرير لمحطة «فرانس 24» عبارة «لعبة الدب» عنواناً له، وهو يغطي زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لموسكو ولقاءه بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي «كان في اللقاء أقل مرحاً من المعتاد» حسب وصف ماكرون.

في ظرف مثل هذا لا مجال للمرح، فالدب الروسي، في شخص بوتين، لا يلعب، فهو، وعلى خلفية ما يجري في أوكرانيا وعلى حدودها مع روسيا، يصعّد مع الغرب إلى أقصى ما يستطيع لإجبار هذا الغرب على التفاوض وإبرام اتفاقات يلزمه بها بعدم تخطي ما يعدّه خطوطاً حمراً لأمن روسيا، وماكرون أتى لالتماس مرونة من جانب بوتين كي يصار إلى تهدئة، ولكن المرونة المنشودة عصيّة ما لم يعد الغرب الحساب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد