تظهر تعيينات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لأعضاء فريق إدارته بعضا من رؤيته فيما يتعلق بالشرق الأوسط والتي ترتكز على مزيد من الدعم لإسرائيل وربما الميل الواضح نحو توسعها على حساب أراضي فلسطينية، فضلا عن ممارسة مزيد من الضغط والتحجيم ضد إيران.
ولا يزال ترامب يعمل على تعيين شخصيات عدة لتولي مناصب معينة في إدارته القادمة.
شملت قائمة اختياراته مايك هاكابي سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، ورجل الأعمال اليهودي وقطب العقارات ستيف ويتكوف مبعوثاً للشرق الأوسط، وإليز ستيفانيك مبعوثةً لأميركا لدى الأمم المتحدة.
وثمة اعتقاد أن الثلاثة يملكون سجلاً حافلاً للخطاب المتشدد الداعم لإسرائيل.
ودفعت ترشيحات ترامب بشأن ملف الشرق الأوسط إلى اعتقاد خبراء في أن سياسته بدأت تتشكل، وتبعث إشارة صريحة على ميله الواضح لإسرائيل.
ومن بين من يرشحهم ترامب ولهم تداخل كبير في الشرق الأوسط وزير الخارجية مارك روبيو المعروف بمواقفه في مناوئة نفوذ الصين وإيران، وبيت هيغيث مقدم البرامج في شبكة "فوكس نيوز" المرشح وزيرا للدفاع، ومايكل والتز مستشارا للأمن القومي.
والسؤال هنا: ماذا تخبرنا مثل هذه التعيينات عن سياسات ترامب وخططه للشرق الأوسط؟ تحدثت بي بي سي مع مجموعة من الخبراء لمعرفة تحليلاتهم وآرائهم بشأن التأثير المباشر لأعضاء الفريق المعيّن مؤخراً، وكيف قد يتعاملون مع موقف الولايات المتحدة بشأن الصراعات المتداخلة في المنطقة خلال فترة ولاية ترامب الثانية.
يقول عزرائيل بيرمانت، الخبير في معهد العلاقات الدولية في براغ: "تعيين ترامب لروبيو، ووالتز، وهيغسيث، كلها متشددة للغاية وداعمة لإسرائيل"، وعلى الرغم من ذلك، يعتقد الخبير الإسرائيلي أن الأمر أشبه بسياسات ترامب وتعييناته خلال ولايته الأولى.
بيد أن أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، فواز جرجس، يختلف مع هذا الرأي، ويقول: "يجب أن نستعد للأسوأ".
لمحة عن "صقور" ترامب
هاكابي، مسؤول معمداني مؤيد بشدة لإسرائيل، وأعرب خلال لقاء تلفزيوني بعد قرار ترشحه رفضه فكرة حل الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ورحب الجناح اليميني في إسرائيل بتعيين الرئيس المنتخب لهكابي، واعتبر ذلك تنبؤا بفترة أخرى من السياسة الأميركية مواتية للغاية لأهدافهم القديمة المتمثلة في الاحتفاظ بالأراضي في الضفة الغربية وتوسيع المستوطنات.
كما جمع مبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط ستيفن ويتكوف تمويلاً لحملة ترامب، بما في ذلك من الناخبين اليهود بعد أن أوقفت إدارة بايدن مؤقتاً شحن بعض القنابل إلى إسرائيل.
وكانت المرشحة سفيرة لأميركا لدى الأمم المتحدة ستيفانيك قد انتقدت قرار بايدن بوقف شحنة تضم آلاف القنابل إلى إسرائيل، وقادت جهودا لمكافحة معاداة السامية في الجامعات الأميركية.
أما ماركو روبيو، قائد الدبلوماسية الأميركية القادم، فهو متشدد تجاه إيران والصين، ويعارض وقف إطلاق النار في غزة.
ترامب يحظى على تأجيل آخر في قضية "شراء الصمت"، هل سيُحكم عليه يوماً ما؟
وقال روبيو: "على العكس، أريد منهم، إسرائيل، أن يدمروا كل عنصر من عناصر حماس يمكنهم وضع أيديهم عليه. هؤلاء الناس حيوانات شرسة ارتكبوا جرائم مروعة".
بينما المعلق في قناة فوكس نيوز والمحارب المخضرم، بيت هيغسيث، اختاره ترامب ليكون وزير الدفاع الأميركي القادم، وليس لديه أي خبرة في الحكومة، بل كان مدافعاً عن إسرائيل في تغطيته، ودعا الولايات المتحدة إلى الوقوف إلى جانب حليفتها القوية إسرائيل.
هل سيضم الضفة الغربية؟
أعرب جرجس عن مخاوفه بشأن الفريق الأميركي الجديد، ووصفهم بأنهم "صقور ويتماشون تماماً مع حكومة نتنياهو الأكثر يمينية وخاصة هكابي"، وأضاف: "الصراع خلال العامين المقبلين لن يكون على إقامة دولة فلسطينية بل سيركز على ضم إسرائيل لما تبقى من الأراضي الفلسطينية".
جاءت بعض التعيينات الأميركية بعد 48 ساعة من كشف مسؤولين إسرائيليين بارزين عن خطة لضم الضفة الغربية عندما يتولى ترامب منصبه.
ونقل تقرير صحفي إسرائيلي عن هكابي، بعد الإعلان عن تعيينه سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، قوله لإذاعة الجيش الإسرائيلي إن "ضم الضفة الغربية محتمل بالطبع، في ولاية ترامب الثانية".
كان هكابي مؤيداً للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وفي عام 2017، قال هكابي لشبكة سي إن إن: "لا يوجد شيء مثل الضفة الغربية، إنها يهودا والسامرة، المصطلح التوراتي للضفة الغربية، لا يوجد شيء مثل المستوطنات".
واحتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية في حرب عام 1967، ومنذ ذلك الحين تبني مستوطنات في الضفة الغربية وتتوسع فيها بشكل متزايد، فيما تعتبر الأمم المتحدة الضفة الغربية أراض فلسطينية.
ويقول بريان كاتوليس، الزميل البارز في السياسة الخارجية الأميركية في معهد الشرق الأوسط: "ضم الأراضي أصبح الآن مرجحا أكثر من أي وقت مضى".
ولا تخجل إسرائيل من نواياها لتوسيع مشروعها الاستيطاني، وخاصة في الضفة الغربية، وأعلنت صراحة عن نيتها مضاعفة عدد المستوطنين إلى مليون، على الرغم من انتقادات عربية ودولية.
ويضغط أعضاء اليمين في الحكومة الإسرائيلية من أجل بسط السيادة على الضفة الغربية منذ فوز ترامب في الانتخابات الأميركية.
ويقول بيرمانت: "تشعر الحكومة الإسرائيلية بتشجيع جراء تصريحات فريق ترامب، إذا كان ترامب على استعداد للمضي قدما، فلا شيء يمكن أن يوقف إسرائيل، لكنني لست متأكدا مما يريده ترامب هذه المرة".
ويعرب الخبير الإسرائيلي عن شكوك بشأن خطط ترامب مضيفا أن ترامب "إذا كان يريد توسيع اتفاقيات إبراهيم لتشمل السعودية، فإن ضم الأراضي سيكون ضد هذه الخطط".
وكانت إدارة ترامب السابقة قد توسطت، في عام 2020، لإبرام اتفاقيات تطبيع تاريخية مع العديد من الدول العربية بما في ذلك الإمارات والبحرين، كما وافقت إسرائيل على تعليق خططها المثيرة للجدل لضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة، تحت مظلة ما يسمى "اتفاقيات إبراهيم".
"ضم الأراضي قد يمثل مكسباً"
يقول آرون ديفيد ميلر، زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ومستشار سابق لوزارة الخارجية الأميركية للمفاوضات العربية الإسرائيلية: "ضم الأراضي يحدث بالفعل في الضفة الغربية".
ويوضح: "هذا يرجع إلى عواقب سياسات الوزراء المتطرفين في إسرائيل".
ويضيف ميلر: "يمكن لترامب، للحفاظ على خياراته مفتوحة، أن يدعم سياسات نتنياهو في الضفة الغربية دون الحصول على الضوء الأخضر لضم الأراضي رسمياً".
ويعتقد الزميل البارز في مركز الأبحاث أن إدارة ترامب لديها نهج انتهازي وقد تستعين بخيار ضم الأراضي كـ"ورقة لتوسيع اتفاقيات ابراهيم من خلال الضغط على الدول العربية للتحرك لمنع ضم الأراضي، كما نجح الأمر مع الإماراتيين على الرغم من
أنه ليس مباشرا مع السعوديين".
"حل الدولتين قد يتلاشى"
تسعى إسرائيل إلى تطبيع العلاقات مع السعودية، التي أعلنت مراراً أنها لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلى أن يجري إنشاء دولة فلسطينية.
ويقول بريان كاتوليس، الزميل البارز في السياسة الخارجية الأميركية في معهد الشرق الأوسط: "قد يكون حل الدولتين ميتا، ما لم تتدخل دول عربية مثل مصر والأردن ودول الخليج وتعطي الأولوية لهذه القضية في خطوة دبلوماسية موحدة".
ويتفق جرجس على أن تلميحات واشنطن التي تشكل الإدارة تشير إلى أننا "ربما نشهد محاولة للقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية، وتشكيل شرق أوسط جديد"، كما أعرب الخبير عن مخاوفه من أن يكون لذلك عواقب وخيمة.
ويقول: "لا تتخذ أي خطوة لفرض حل الدولتين في الوقت الحالي، وبعد (هجمات) السابع من تشرين الأول (أكتوبر) لم يعد هناك مزاج في إسرائيل لحل الدولتين، ولن يدفع ترامب بهذا الحل لأن إدارته لديها أولويات أخرى مثل الصين وإنهاء الحرب في أوكرانيا".
كما تحدث السفير الأميركي الجديد في إسرائيل في مقطع فيديو، نشره موقع "باز فيد" سابقاً، عن آراء بشأن إمكانية إنشاء دولة فلسطينية على أراض من أراضي في مصر أو سوريا أو الأردن.
وأضاف: "ترامب ليس أيديولوجيا، وإن كانت بعض الأصوات من حوله كذلك"، ويعتقد ميلر أن خيارات ترامب لن تحدد السياسة الأميركية، بل إن خياراته تعمل على تضخيم أهداف إدارته و"دعم إسرائيل، والمزيد من العلاقات الاستراتيجية مع دول الخليج والسياسة الصارمة تجاه إيران".
غزة
كانت إدارة ترامب الأولى قد اتخذت موقفا مؤيدا لإسرائيل، ونقلت السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترفت بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
كما تعهد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الصراع الدائر في الشرق الأوسط، وحث إسرائيل على إنهاء الحرب في غزة بسرعة، بيد أن الأصوات في إدارته الحالية تعارض وقف إطلاق النار في غزة.
ويعتقد ميلر، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن "غزة ستستمر في التأثير على أي سياسة في المنطقة، وستستمر إسرائيل في العمل في غزة"، وأن إدارة ترامب لن تضغط على إسرائيل للانسحاب من غزة، نظراً "لغياب البنية الأمنية".
ويعتقد الخبير الإسرائيلي في العلاقات الدولية أن "إدارة ترامب لن تهتم مثل بايدن بكيفية خوض إسرائيل لهذه الحرب، أو مدى قوتها العسكرية".
ويضيف: "ستُفرض قيود أقل على بقاء القوات الإسرائيلية في غزة".
إيران
لا تعد إسرائيل في حالة حرب مع حماس في غزة فقط، منذ أكثر من عام، بل إنها تشن هجمات ضد مجموعات مدعومة من إيران مثل حزب الله في لبنان، وتتبادل الهجمات مع الحوثيين في اليمن وداعميهم في إيران.
وثمة اعتقاد بأن فريق عمل ترامب الجديد هم من الصقور المتشددين تجاه طهران.
ويصف الدبلوماسي الأميركي البارز ماركو روبيو إيران بأنها نظام "إرهابي"، وحث إسرائيل على الرد على إيران بقوة في أعقاب الهجمات التي شنتها في وقت سابق من هذا العام.
وقال الخبير الأميركي والمستشار السابق لوزارة الخارجية الأميركية ميلر في حديثه لبي بي سي إن إدارة ترامب من المرجح أن تفرض عقوبات أشد صرامة على إيران، مضيفا "إنه (ترامب) يريد تجنب التصعيد الإسرائيلي الإيراني الذي قد يجر الولايات المتحدة إلى حرب كبرى في الشرق الأوسط".
ويضيف جرجس أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن: "ستستهدف العقوبات الأشد صرامة حلفاء إيران أيضاً، حيث لا يهدف الصقور الأميركيون إلى عزل إيران فحسب، بل لتدمير برنامجها النووي".
ورغم المؤشرات والتفضيلات والسياسات الواضحة لترامب، يتفق الخبراء على أنه من الصعب محاولة التنبؤ بالقرارات التي سيتخذها ترامب عندما يعود إلى البيت الأبيض.