باريس: تهدف الضربات الروسية الكثيفة الأخيرة على مدن أوكرانية كبرى، وفقا للخبراء، إلى إنهاك السكان ومنظومات الدفاع الجوي في أوكرانيا التي طلبت مجددا أسلحة إضافية من حلفائها الغربيين.
وبحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أطلقت روسيا حوالى 300 صاروخ وأكثر من 200 طائرة مسيّرة من طراز شاهد الإيرانية الصنع، في هجومين منفصلين، الأول في 29 كانون الأول/ديسمبر والثاني ليل الاثنين الثلاثاء، ما أسفر عن مقتل نحو خمسين شخصا.
وبعد عام على القصف الجوي الكثيف الذي شنّته موسكو على البنى التحتية للطاقة في أوكرانيا، استهدفت الضربات الروسية الأخيرة منشآت مدنية أساسية وأحياء سكنية في خضم الشتاء، وفقا لكييف. وكعادتها، تؤكّد موسكو أنها لا تستهدف سوى أهداف عسكرية.
وقال ميك راين، الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) إن أحد الأهداف الأولى للكرملين هو "اختبار" منظومات الدفاع الجوي التي عُزّزت قوتها بفضل منظومة باتريوت الأميركية ومنظومة سامب/تي مامبا الفرنسية الإيطالية.
وكتب هذا الجنرال الأسترالي المتقاعد على منصة إكس إن موسكو تسعى إلى بدء سباق مع الوقت على أمل أن "تنفد الصواريخ الاعتراضية من أوكرانيا قبل نفاد الصواريخ والمسيّرات من روسيا".
وفي هذا الإطار، قال الجنرال سيرغي ناييف قائد القوات المشتركة الأوكرانية في مقابلة مع وكالة فرانس برس الأربعاء "على المدى القريب، في ما يتعلق بمنظومات الدفاع الجوي المتنقلة، فإن الذخيرة (...) كافية لمواجهة الهجمات القوية المقبلة".
وأضاف "لكن على المديَين المتوسط والطويل، نحتاج بالتأكيد إلى مساعدة الدول الغربية لتجديد مخزون الصواريخ".
صناعة الدفاع مستهدفة
انتقلت روسيا إلى اقتصاد الحرب، فيما يعاني الغرب من أجل توفير الكمية اللازمة من صواريخ أرض-جو المضادة للطائرات والتي يعد تصنيعها أكثر تعقيدا وكلفة من بعض المسيّرات المصنوعة جزئيا بمعدات مدنية.
واعتبرت وزارة الدفاع البريطانية أن الهدف الرئيسي من الضربات الروسية هو "صناعة الدفاع" التي تحاول كييف تعزيزها في مواجهة انخفاض شحنات الأسلحة الغربية.
وأوضح المحلل العسكري ميكولا بييلييسكوف لوكالة فرانس برس أن الروس "يحاولون الآن مهاجمة القطاع الصناعي العسكري وشركاته، وليس بنى تحتية للطاقة (بعكس الشتاء الماضي)، بل صناعة إنتاج الأسلحة".
وقال سيرغي زغوريتس، مدير مركز "ديفنس إكسبرس" الأوكراني للأبحاث لوكالة فرانس برس "بدأنا إنتاج أسلحة بكميات أكبر من قبل" متحدثً عن ذخائر ومسيّرات ومركبات مدرّعة ورادارات.
ومن أجل إصابة هذه الأهداف "تغيّر تنظيم وتنويع المقذوفات الروسية ليصير أكثر تعقيدا"، وفق ما شرح المستشار الفرنسي في المخاطر الدولية ستيفان أودران لوكالة فرانس برس.
وعدّد القائد الأعلى للجيش الأوكراني على تلغرام مجموعة المقذوفات التي استخدمها الروس خلال الهجوم الذي نفذوه ليل الاثنين الثلاثاء: مسيّرات وصواريخ كروز حديثة وصواريخ قديمة وصواريخ بالستية.
وتؤكد أوكرانيا أيضا أنها أسقطت 10 صواريخ كينجال التي تفوق سرعتها سرعة الصوت واستخدمت في ذلك الهجوم، رغم أن الكرملين يقدّمها على أنها "لا تقهر".
ضغط نفسي
وتهدف الضربات الروسية كذلك إلى تحطيم معنويات الأوكرانيين، كما يحصل منذ بداية الحرب في شباط/فبراير 2022.
وقالت تاتيانا كاستويفا-جان من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن "ما تعلنه روسيا من انتصارات في الميدان يتحقَّق بكلفة بشرية باهظة. لذلك يحاول (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين مجددا استخدام وسيلة الضغط الأخرى هذه ... ورسالته هي: لن أستسلم، أنا مستعد لكل شيء، ستعانون بشكل مستمر وتموتون إذا لم تمتثلوا لشروطي".
وأضافت لفرانس برس أن الرئيس الروسي يخاطب كذلك الغرب ليقول له إن "الدعم المقدم لأوكرانيا لا يؤدي إلا إلى إطالة معاناة السكان وجعل أوكرانيا عبئا ماليا حيث قد تقصف البنية التحتية المرتفعة الكلفة مجددا ومجددا".
واعتبرت تاتيانا ستانوفايا، مؤسسة مركز آر. بوليتيك المتخصص في تحليل السياسة الروسية، أن هذه الهجمات تتخذ بُعدا انتقاميا.
وأوضحت أنه بعد الضربات الأوكرانية على بيلغورود الروسية التي خلفت 25 قتيلا في 30 كانون الأول/ديسمبر، أرسل فلاديمير بوتين الرسالة الآتية "لا يمكن لأوكرانيا أن تهاجمنا دون تحمّل عواقب ذلك".
وفي مواجهة هذه الحملة الروسية، طلب وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا من الغرب تسريع تسليم بلاده "منظومات دفاع جوي إضافية، ومسيّرات" و"صواريخ يزيد مداها عن 300 كيلومتر".
وهي رسالة ردّدتها بولندا التي دعت الأربعاء إلى تزويد أوكرانيا صواريخ بعيدة المدى للرد على الهجمات الروسية.
وتنتظر كييف أيضا طائرات مقاتلة من طراز إف-16 وعدت بها العديد من الدول الأوروبية والتي يمكنها المشاركة في الدفاع الجوي عبر صواريخ جو-جو.
كذلك، أعلن حلف شمال الأطلسي (ناتو) الخميس أن ممثّلي التحالف العسكري وأوكرانيا سيعقدون اجتماعا خاصا الأسبوع المقبل للبحث في تسريع عمليات تسليم كييف منظومات دفاع جوية بعد تصاعد الضربات الروسية.