يبدو إعلان شركة زيبلين "Zipline" كالتالي: "الأم والأب وطفلاهما في المطبخ، يدرك الأب أن أحد مكونات الطبخ قد نفد، فتطلب الأم بسرعة حزمة جديدة على هاتفها المحمول، بعد ذلك، يقوم مشغلو الطائرات بدون طيار بإعداد الطرد، ثم تطير الطائرة معه بعيدًا، وتلتقط الأم الطرد الذي سقط في الحديقة الأمامية، وتعود إلى المطبخ لتنضم إلى الأب والطفلين".
الرسالة من شركة التوصيل من خلال الطائرات المسيرة هذه واضحة، فبفضل خدمتهم، لن ينقطع وقت الترابط العائلي.
ويقول الدكتور بول مارسدن، عالم النفس المتخصص في سلوك المستهلك وعضو الجمعية النفسية البريطانية (بي بي إس): "تعد الراحة إحدى أكبر نقاط البيع في مجال التكنولوجيا، وتشير بعض تقارير الصناعة إلى أن الأشخاص سيدفعون 10 في المئة أو أكثر مقابل تجربة سهلة”.
فهل يمكن لحبنا للسهولة أن يجعل هذه الخدمة هي قطاع النمو القادم؟
بداية بطيئة
لقد كان انطلاق هذه التكنولوجيا بطيئًا منذ أن لفت جيف بيزوس انتباه العالم إلى الفكرة لأول مرة في عام 2013.
وكشف مؤسس أمازون ورئيسها التنفيذي في ذلك الوقت عن الطائرة أوكتوكوبتر في المقر العالمي للشركة خلال مقابلة تلفزيونية.
وتصور أن تصبح عمليات تسليم المشتريات من خلال الطائرات المُسيرة واسعة النطاق في غضون "4 أو 5 سنوات".
وبعد مرور عقد من الزمان، أصبحت هذه الخدمة حقيقة واقعة، ولكنها بعيدة عن أن تكون منتشرة على نطاق واسع.
وتقول شركة الاستشارات الإدارية ماكنزي آند كومباني إن هناك أكثر من 10 مشغلين رئيسيين لطائرات التسوق المُسيرة في جميع أنحاء العالم، وأنه تم تسليم حوالي 874000 طرد تجاريًا في عام 2022.
وقد مثل ذلك ذلك حوالي 2395 عملية تسليم يوميًا على مستوى العالم. وبالمقارنة، تم إرسال حوالي 273 مليون طرد برا كل يوم في عام 2020.
وقد ساهمت عدة عوامل في بطء التقدم في هذا المجال.
أولاً، من المكلف تطوير الأنظمة الآلية التي يمكنها الطيران بالطائرات بدون طيار بكفاءة وأمان.
ثانيا، هناك عقبة رئيسية أخرى تتمثل في الامتثال للقواعد واللوائح الصارمة التي وضعتها سلطات الطيران.
ويلعب القبول العام أيضًا دورًا مهمًا حيث دفعت المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن إلى شن حملات ضد استخدام الطائرات بدون طيار. كما أظهرت الأبحاث أيضًا أن الأشخاص الذين لا يتسوقون عبر الإنترنت يميلون إلى رفض استخدامها أكثر.
ويقول الدكتور مارسدن: "إنه جزء من الطبيعة البشرية أن تكون متشككًا بشأن الأفكار الجديدة. ففي العصر الفيكتوري، كان هناك ذعر أخلاقي وطبي من ركوب الدراجات، حيث أنها قد تصيبك بالمرض وتجعل النساء غير قادرات على الإنجاب، وعندما تم صنع المرايا الأولى، قال الناس أنه سيكون هناك زيادة في النرجسية. والآن لديك وسائل التواصل الاجتماعي تكرر تأثير المرآة".
وهو يعتقد أن أكبر ما يقلق الناس هو أن يؤدي تسليم المشتريات من خلال الطائرات بدون طيار، إلى المزيد من الاعتماد على الآلات، مما يعني المزيد من الوظائف التي ستضيع بسبب الآلات.
ومضى يقول:"يتم إدخال الطائرات بدون طيار في وقت هناك رد فعل عنيف ضد الإفراط في استخدام التكنولوجيا في حياتنا، وخاصة بين مجموعات معينة".
تهديد للحياة البرية؟
لكن بعض تلك المخاوف قد تكون صحيحة.
ويوضح الدكتور مارسدن: "على سبيل المثال، على الرغم من أن الطائرات بدون طيار قد لا تكون أعلى صوتًا من حركة المرور العادية، إلا أن الدراسة تشير إلى أن تكرار ضجيج الطائرات بدون طيار مزعج بشكل فريد".
ومضى يقول: "إذا كان طنين بعوضة واحدة يمكن أن يبقيك مستيقظًا طوال الليل، فتخيل ما يمكن أن يفعله جيش من الطائرات بدون طيار أثناء نومك".
ويعمل جميع المشغلين الرئيسيين على تقليل مستوى ضوضاء الأجهزة.
وفي حين ثبت أن الطائرات بدون طيار توفر من استخدام الكربون مقارنة بتوصيل الشاحنات على الطرق، إلا أن تأثيرها على الحياة البرية لم يتم بحثه إلا قليلاً.
وقبل عامين، علقت شركة وينغ، وهي شركة تابعة لشركة ألفابت الشركة الأم لشركة غوغل، عمليات التسليم إلى إحدى ضواحي كانبرا العاصمة الأسترالية.
وقدم خبير الطيور الذي استأجرته الشركة هذه التوصية بعد أن انقض غراب على طائرة بدون طيار كانت تقوم بتوصيل قهوة.
تسليم الطرود المنقذة للحياة
ومع ذلك، فإن هذا الابتكار لا يتعلق فقط بالتسوق.
فوفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، طورت 18 دولة خدمة التوصيل بطائرات بدون طيار لأغراض النقل خلال وباء كوفيد-19. وتم نقل طرود من العينات الطبية والأدوية والإمدادات اليومية جواً إلى المستشفيات والمناطق السكنية أثناء الإغلاق.
وفي عام 2019، تم استخدام طائرة بدون طيار لأول مرة لجلب كلية تم التبرع بها لمريض في الولايات المتحدة.
وكانت رواندا، بلد الألف تلة والطرق البطيئة والمتعرجة، أول دولة في العالم تتبنى خدمة التوصيل التجارية بالطائرات بدون طيار عندما بدأت شركة زيبلين بنقل منتجات الدم إلى هناك في عام 2016.
وأعلنت الشركة العام الماضي أن طائراتها بدون طيار ستعمل على توصيل الطعام إلى المناطق النائية والريفية في غانا حيث توفر إمكانية الوصول إلى الأماكن التي تواجه فيها خدمات التوصيل التقليدية تحديات.
ناسا والطائرات بدون طيار
تظهر بيانات ماكنزي أن عمليات تسليم المشتروات من خلال الطائرات بدون طيار التجارية مستمرة في النمو.
وتتوقع أنه بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول، سيتم تسليم أكثر من مليون طرد بطائرات بدون طيار هذا العام، وهو ما سيكون عامًا قياسيًا آخر.
ويعود هذا الارتفاع إلى "مجموعة من التطبيقات الجديدة التي تتيح توصيل الطعام والأدوية والسلع إلى المستهلكين في جميع أنحاء العالم".
أعلنت أمازون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أنها ستطلق خدمة التوصيل بطائرات بدون طيار في إيطاليا وبريطانيا وموقع ثالث في الولايات المتحدة (بعد كاليفورنيا وتكساس) في نهاية عام 2024.
وتخطط شركة زيبلين للارتقاء بالقطاع خطوة أخرى إلى الأمام من خلال تشغيل طائرات بدون طيار بدون مراقبين بصريين على الأرض على طول طريق التسليم.
وفي الوقت نفسه، تتعاون وكالة ناسا مع شركتين، هما إلروي إير وريليابل روبوتيكس، لتطوير ما يسمونه بالنماذج الأولية لتسليم البضائع الخاصة من خلال النقل الجوي المتقدم.
ويهدف المشروع إلى أن تعمل الطائرات بدون طيار الصغيرة لتوصيل الطرود وطائرات الشحن الكبيرة معًا لتوفير طرق "أسرع وأكثر نظافة" لنقل الطرود.
تعرف على عمليات التوصيل بالطائرات المُسيرة
فماذا علينا أن نفعل للاستعداد لمزيد من عمليات التسليم بطائرات بدون طيار؟
يقترح الدكتور مارسدن أن نثقف أنفسنا.
وأوضح قائلا: "أعتقد أنه من المهم أن نزيل الضجيج والتلفيق، ونتعلم أن نكون أكثر معرفة بالتكنولوجيا للسماح لنا باتخاذ قرار قائم على الأدلة، سواء استخدمناها أم لا، وعندما تتسوق، فإنك تتفاعل مع أشخاص آخرين، وقد ثبت أن ذلك أمر بالغ الأهمية في تخفيف الشعور بالوحدة والحفاظ على صحة نفسية جيدة".
وأضاف قائلا:”إن البحث في المتجر أو تجربة الأشياء في المتاجر الكبرى هو أمر علاجي، فهو يخرجك من الروتين ويجعلك تركز على نفسك، ولكن عندما تستخدم طائرة بدون طيار لتوصيل ما تشتريه، فإن هذا التأثير النفسي للتسوق يتلاشى".
ومضى يقول: "ومع ذلك، فإن الوجه الآخر للعملة هو الوقت الذي توفره في التنقل إلى الأسواق والذي يمكن استخدامه لأصدقائك وعائلتك أو لممارسة هواية، وعندما تساعد التكنولوجيا في تقليل الوقت والجهد اللازمين للحصول على ما نريد، يمكننا بسهولة أن ننجذب إليها مرة أخرى، هذه هي الطبيعة البشرية".