يستمر الوضع على طول الجبهة اللبنانية - الإسرائيلية في التصاعد يوميًا، لكن مصالح واشنطن وحزب الله تتقاطع جديًا، في حصر التوتر بالساحة الفلسطينية، وعدم الانجرار إلى صراع إقليمي أوسع
إيلاف من بيروت: على الرغم من التصعيد، فإن استراتيجية حزب الله تبدو ثابتة، بحسب الكاتب السياسي علي رزق، "وهي إجبار إسرائيل على تحويل قوات عسكرية كبيرة من هجومها على غزة ضد حماس من دون إثارة حرب شاملة مع الدولة اليهودية. على هذه الخلفية، يبدو من المفارقة أن موقف حزب الله يتماشى مع هدف إدارة بايدن المتمثل في منع نشوب صراع أوسع، بينما تواصل إسرائيل حملتها ضد الحركة الفلسطينية في غزة".
تصعيد جديد
بحسب رزق، وصل التوتر بين حزب الله وإسرائيل إلى ذروته بعد غارة جوية إسرائيلية استهدفت سيارة مدنية في جنوب لبنان في 5 نوفمبر، أدى إلى مقتل امرأة وأحفادها الثلاثة، ما دفع بحزب الله إلى قتل مدني إسرائيلي قرب كريات شمونة. وكانت هذه الحادثة المرة الأولى التي يبدو فيها أن حزب الله يستهدف المدنيين الإسرائيليين عمدًا. تصاعد الوضع بشكل حاد منذ ذلك الحين، حيث قصفت إسرائيل مستشفى في بلدة ميس الجبل بجنوب لبنان، ما أدى إلى إصابة شخص واحد. في الوقت نفسه، نفذ حزب الله هجوماً صاروخياً على الحدود أدى إلى إصابة أكثر من 20 شخصاً، بينهم سبعة جنود إسرائيليين.
في الوقت نفسه، أعلن حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، تعزيز وتيرة العمليات عبر الحدود. يقول رزق: "في خطابه الثاني منذ بداية الحرب على غزة، أعلن نصر الله أن حزبه رفع مستوى عمله العسكري من حيث عدد العمليات والأهداف ونوع الأسلحة، وشمل ذلك أول استخدام لصواريخ ’بركان‘ ذات التأثير الانفجاري العالي، إضافة إلى الطائرات بدون طيار الانتحارية".
لا حرب معلنة
الأهم من ذلك كله، بحسب رزق، أن زعيم حزب الله لم يعلن عن تغيير في استراتيجية حزبه منذ بداية الصراع في غزة، والتي تهدف - كما أوضحها نصر الله نفسه في خطابه الأول - إلى إرهاق الجيش الإسرائيلي بإرغامه على تحويل موارده العسكرية نحو الجبهة اللبنانية، وبالتالي منع إسرائيل من استخدام قوتها العسكرية الكاملة لتدمير حماس. وفي حديثه عن الوضع العام على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، قال: "هذه الجبهة ستبقى فاعلة".
يضيف رزق: "إحجام نصر الله الواضح عن فتح جبهة جديدة كبرى مع إسرائيل ينسجم مع استراتيجيته المتمثلة في عدم إثارة الصراع. وفي أعقاب حرب يوليو 2006، قال في عبارته الشهيرة إنه لم يكن ليأذن بأسر جنديين إسرائيليين، وهو ما أدى إلى اندلاع الصراع، لو كان يعلم أن ذلك سيؤدي إلى حرب على لبنان نفسه".
تؤكد مصادر مقربة من حزب الله أن منع حرب إسرائيلية جديدة على لبنان يشكل عاملاً رئيسياً في مقاربته للصراع الحالي في غزة. ونسب رزق إلى مصدر مقرب من حزب الله، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله إن الحزب لن يجر لبنان إلى حرب مدمرة "ما لم تفرض إسرائيل هذه الحرب". ووفقاً لمصدر ثانٍ يتمتع أيضاً بعلاقات وثيقة مع قيادة حزب الله، يثبت موقف الحزب أنه يعطي المصالح الوطنية اللبنانية أولوية عالية، في حجة يستخدمها نصرالله كي ينفي مقولة "حزب الله وكيل إيران في هذا الصراع".
يقول رزق: "ألمح حزب الله إلى أن هزيمة حماس خط أحمر، من شأنه أن يؤدي إلى نهج أكثر عدوانية ضد إسرائيل، لكن يبدو أن نصر الله يعلق آماله على الضغوط الدولية المتزايدة لمنع مثل هذا السيناريو، غامزًا من قناة الاحتجاجات الحاشدة ضد إسرائيل في واشنطن ونيويورك ولندن وباريس، ومن تراجع دعم الحكومات الغربية للحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة".
ويدرك الحزب الشيعي أيضًا خطر جر إسرائيل للولايات المتحدة إلى صراع إقليمي أوسع. يقول رزق: "وفقاً للمصدر الأول، فإن حزب الله لن يشارك في أي أعمال يمكن فهمها بأنها إعلان حرب، ربما يسمح لإسرائيل بتحقيق حلمها الدائم وهو إجبار الولايات المتحدة على خوض حرب أكبر ضد أعداء إسرائيل الإقليميين، علمًا أن وجود حاملات طائرات أميركية في شرق المتوسط يزيد من خطر انجرار الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية".
تصعيد إسرائيلي ممنهج
يهدد مسؤولون إسرائيليون كبار لبنان بسيناريو تدميري يشبه سيناريو غزة. فوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت رد على خطاب نصر الله الثاني بالتحذير من ممارسة لعبة خطيرة يمكن أن تؤدي إلى ردة فعل مدمرة. وأكد غالانت خلال جولة في الجبهة الشمالية الإسرائيلية: "ما يمكننا القيام به في غزة، يمكننا القيام به أيضًا في بيروت".
أثارت هذه التصريحات، إضافة إلى تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية على الجبهة اللبنانية، مخاوف جدية في واشنطن. فقد أعرب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن عن مخاوفه بشأن التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان خلال محادثة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي. وتعكس هذا المخاوف سياسة الإدارة الأميركية الرامية إلى منع توسيع الصراع في غزة إلى لبنان وأماكن أخرى في المنطقة، خصوصًا أن القواعد الأميركية في العراق وسوريا تتعرض لهجمات تنفذها ميليشيات شيعية في العراق.
وبحسب رزق، كان نصر الله نفسه قد لمّح إلى ذلك، مشيراً إلى أن العمليات التي تستهدف الأميركيين والتي تنطلق من العراق واليمن، ستتوقف إذا ضغطت واشنطن على إسرائيل لوقف هجومها في غزة. وأعلن قائلاً: "إذا كنتم أيها الأميركيون تريدون وقف هذه العمليات، عليكم أن توقفوا الحرب في غزة". وكان نصر الله قد أرسل رسالة إلى واشنطن يعرض فيها كبح جماح حلفائه في اليمن والعراق إذا فعلت إدارة بايدن الشيء نفسه مع حليفتها الإسرائيلية.
يقول جوشوا لانديس، رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما والزميل غير المقيم في معهد كوينسي، إن المخاوف من التصعيد على الجبهة اللبنانية تنبع من مخاوف من احتمال سعي إسرائيل إلى إشعال الوضع هناك مع تزايد الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار. يضيف: "عرّض بايدن موقف الولايات المتحدة للخطر بدعمه الصريح لأهداف إسرائيل. فأوستن ومسؤولون كبار آخرين يشعرون بالقلق من أن إسرائيل ستعتبر هذا ضوءًا أخضر لتوسيع الصراع الذي قد يؤدي إلى تفاقم الوضع ما يعرض القوات الأميركية للخطر".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبها علي رزق ونشرها موقع " ريسبونسيبل ستايتكرافت"