: آخر تحديث
"أشعر بالسعادة عندما يعاقبون بسبب بلاغاتي"

روسيون يتخذون من "الوشاية" بالآخرين مصدراً للرزق ووسيلة للانتقام

63
61
65
مواضيع ذات صلة

أماليا زاتاري: كانت الوشاية أو الإبلاغ عن الجيران والزملاء وحتى الغرباء للسلطات، أمرًا شائعا في الحقبة السوفيتية في روسيا. والآن، في وقت تمارس فيه الحكومة الروسية القمع ضد معارضي الحرب الأوكرانية، بدأ من يحملون ضغائن شخصية لبعضهم البعض أو يتبنون فكرا سياسيا مختلفا يكررون ما كان يحدث في تلك الحقبة.

وقالت آنا كوروبكوفا، التي فضلت أن نطلق علها هذا الاسم: "لقد تعلمت كيفية الوشاية على يد جدي الذي كان هو نفسه واشياً". وأخبرتنا أيضا أنها تعيش في مدينة روسية كبيرة، لكنها رفضت ذكر اسمها لنا.

وأضافت أن جدها كان مخبراً غير معلن للشرطة السرية السوفييتية خلال عهد ستالين عندما كان الإبلاغ عن الناس واتهامهم بجرائم جزءا من الحياة اليومية، وأنها تسير على خطاه، مؤكدة أنها تبلغ السلطات عن أي شخص تعتقد أنه معارض للحرب في أوكرانيا.

تدعي كوروبكوفا أنها كتبت 1397 بلاغا تتضمن وشاية بآخرين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، مؤكدة أن من كتبت في حقهم تلك الوشايات تعرضوا لغرامات مالية والفصل من العمل كما وصموا بأنهم عملاء أجانب بسبب المعلومات التي سلمتها للسلطات.

وقالت: "لا أشعر بالأسف تجاههم، بل أشعر بالسعادة عندما يعاقبون بسبب وشايتي".

وسنت روسيا قوانين رقابة جديدة بعد وقت قصير من الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022. ومنذ ذلك الحين، تمضي كوروبكوفا معظم وقت فراغها على الإنترنت، غالباً ما يكون ذلك للإبلاغ عن أشخاص بتهمة "تشويه سمعة الجيش الروسي" - وهي جريمة يعاقب عليها بغرامة تصل إلى 50 ألف روبل (560 دولار) أو السجن لحوالي خمس سنوات إذا أدين بها الشخص أكثر من مرتين.

وتتحلى كوروبكوفا بالحذر الشديد أثناء التحدث معي ولا تتواصل إلا عبر البريد الإلكتروني. كما لا تظهر وجهها وترفض تقديم أي إثبات لهويتها. وتقول إن السبب في ذلك هو أنها تتلقى تهديدات بالقتل بشكل متكرر وتخشى من تعرض معلوماتها للاختراق أو السرقة.

ويبدو أن لديها دافعيْن للوشاية بمواطنيها. الدافع الأول هو أنها ترى أنها تساعد روسيا على هزيمة أوكرانيا، أما الهدف الثاني فهو أنها تعتقد أن ذلك سيساعد في تحقيق استقرارها المالي.

تعيش كوروبكوفا بمفردها وتعمل بدوام جزئي كأستاذة في العلوم الإنسانية، وتعتمد بشكل كبير على مدخراتها. لكنها تخشى أن ينتهي الأمر بروسيا إلى دفع تعويضات إذا انتصرت أوكرانيا، وقد يؤثر ذلك على الموارد المالية للبلاد بأكملها وكل من يعيش هناك.

وتابعت، قائلة: "كل أولئك الذين يعارضون العملية العسكرية الخاصة يعملون ضد مصلحتي الشخصية". وتوقعت أن يكون فوز أوكرانيا بمثابة خسارة لها، مؤكدة: "قد أخسر كل مدخراتي ومن ثم سأضطر إلى الحصول على وظيفة بدوام كامل".

ومنذ صدور قوانين الرقابة الجديدة، فُتح أكثر من 8000 قضية ضد متهمين بتشويه سمعة الجيش الروسي، وفقًا لجماعة حقوق الإنسان الروسية المستقلة "OVD-Info".

الأهداف

غالبا ما تستهدف كوروبكوفا الذين يتحدثون لوسائل الإعلام، خاصة من يتحدثون إلى وسائل إعلام دولية مثل بي بي سي. وكانت ألكسندرا أرخيبوفا، المتخصصة في علم الإنسان، من بين أهداف كوروبكوفا.

وقالت ألكسندرا: "لقد أبلغت (كوروبكوفا ) عني سبع مرات. فكتابة البلاغات هي طريقتها في التفاعل مع السلطات، وهو ما تعتبره مهمتها".

وأضافت أرخيبوفا، التي تعيش الآن في المنفى وتعتقد أن تصرفات كوروبكوفا وراء تصنيفها كعميل أجنبي من قبل الدولة الروسية في مايو/أيار الماضي: "لقد وصلت إلى مكانها المناسب. كما نجحت البلاغات التي تكتبها في إسكات الخبراء بشكل فعال للغاية".

واستمرت: "أصدقائي الذين أبلغت عنهم يرفضون الآن الإدلاء بأي تصريحات لوسائل الإعلام. لذلك، يمكنك القول إنها كانت ناجحة. لقد اكتملت المهمة".

وكان من بين أهداف الواشية الروسية معلمة في موسكو تُدعى تاتيانا تشيرفينكو.

فعندما بدأت روسيا تدريس "الوطنية"، فضلت تشيرفينكو تدريس الرياضيات بدلا من هذه المادة الجديدة، وهو ما صرحت به لقناة "راين" الروسية، آخر تلفزيون روسي مستقل أغلقته السلطات بينما يتخذ مقرا له في هولندا في الوقت الراهن.

نتيجة لتلك التصريحات، بدأت كوروبكوفا تقديم البلاغات للسلطات ضد المعلمة الروسية، وإرسال شكاوى للمدرسة التي تعمل بها تاتيانا، وإدارة موسكو التعليمية، والمفوضية الروسية للأطفال.

وبالفعل، فُصلت المعلمة تاتيانا تشيرفينكو من وظيفتها في ديسمبر/كانون الأول 2022.

ولا تشعر كوروبكوفا بأي ندم على ما فعلته، بل تحتفظ أيضا بكل فخر بقاعدة بيانات للأشخاص الذين أبلغت عنهم وما تعرضوا له نتيجة الوشاية.

وتزعم أنه نتيجة للوشايات التي مارستها، فُصل ستة أشخاص من وظائفهم ووجهت اتهامات إدارية لعدد آخر، علاوة على فرض غرامات على 15 شخصا آخرين.

"مسجون ومشتاق للحرية"

لا يُعرف الصياد ياروسلاف ليفتشينكو، من شبه جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرق روسيا، بالمناظر الطبيعية البركانية والحياة البرية غير العادية التي يظهر بينها فقط، بل بحضوره العسكري الطاغي أيضا. ويعيش الكثير من مؤيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه المنطقة، بمن فيهم زملاء ليفتشينكو.

وفي فبراير/شباط 2023، رست سفينة ليفتشينكو في ميناء كامتشاتكا بعد رحلة صيد استمرت لحوالي شهر. وقال إن أحد زملائه الصيادين عرض عليه مشروباً كحولياً، لكنه رفض. وأشار إلى أنه اعتقد أن الرجل الآخر كان يكن له ضغينة، وهو ما أدى إلى أن ينتهى بهما الأمر إلى شجار أصيب خلاله ليفتشينكو بزجاجة على رأسه واسترد وعيه بعد ذلك في المستشفى.

وقال ليفتشينكو إنه عندما خرج من المستشفى وذهب إلى مركز الشرطة للتقدم ببلاغ، لكنه شعر بالرعب عندما علم أنه هو الشخص المبلغ عنه - لا بتهمة الاعتداء ولكن بسبب آرائه المعارضة للحرب. وزعم أيضا أن الشرطة أخبرته أنه لا توجد أدلة كافية لتوجيه تهم جنائية ضد زميله.

وبالفعل ألقت السلطات القبض على ليفتشينكو في 13 يوليو/تموز الماضي. ووفقا لوثائق المحكمة التي اطلعت عليها بي بي سي، يواجه الرجل اتهامات بتبرير الإرهاب، وهو ما نفاه، وهو الآن محتجز في السجن في انتظار المحاكمة.

والطريقة الوحيدة التي يستطيع من خلالها أن يروي قصته لبي بي سي هي الرسائل التي يرسلها لنا محاميه. ويقول ليفتشينكو في إحدى هذه الرسائل: "يدعي المحققون أنني استخدمت القوة البدنية تجاه بحارة آخرين... للتعبير عن نيتي المشاركة في الأعمال العدائية ضد الاتحاد الروسي".

وأخبرني أصدقاء ليفتشينكو أنهم يعتقدون أن الوشاية به كانت تهدف إلى صرف انتباه الشرطة عن الاعتداء عليه وعن حقيقة تناول الكحول على متن سفينة، وهو أمر محظور.

وقال ليفتشينكو: "أريد فقط العودة إلى المنزل". وكتب في رسالة إلى صديق له اطلعت عليها بي بي سي: "لا أرى السماء إلا من زنزانتي عبر القضبان، وهذا أمر لا يطاق".

"اتهامات لا تنتهي"

اعترفت الشرطة الروسية بأنها تلقت سيلاً من البلاغات منذ بدء الحرب. وقال مسؤولون لبي بي سي، دون الكشف عن هويتهم، إنهم يقضون وقتا طويلا في التحقيق ومراجعة لا نهاية لها بشأن تشويه سمعة الجيش".

وقال ضابط شرطة متقاعد حديثاً لبي بي سي: "يبحث الناس دائماً عن أي مبرر لاتهام شخص ما بشأن ’العملية العسكرية الخاصة‘".

ومع دعوات الرئيس بوتين المتكررة إلى "معاقبة الخونة" وبينما لم تظهر في الأفق نهاية للحرب في أوكرانيا، فإن الواشيين المتسلسلين مثل كوروبكوفا لا يظهرون أي علامة على رغبتهم في التوقف عن الإبلاغ عن مواطنيهم.

وكتبت كوروبكوفا في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى بي بي سي: "سأواصل كتابة البلاغات"، مضيفة: "لدي الكثير من العمل الذي يتعين علي القيام به".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار