يوم السبت الماضي، ومع بدء عملية "طوفان الأقصى" خاطب الأكاديمي والمعالج النفسي الكندي جوردان بيترسون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر موقع إكس (تويتر سابقاً) طالباً منه أن يطلق عنان "الجحيم" على الفلسطينيين.
كتب بيترسون: "أعطهم الجحيم... لقد طفح الكيل"، تعليقاً على الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة "حماس" على أهداف إسرائيلية.
أثارت تغريدة بيترسون هجوماً وانتقادات واسعة، خصوصاً وسط الشبان العرب من جمهوره الذين يتبنّون طروحاته ولطالما اعتبروه رمزاً بطولياً لتوجهاتهم الفكرية.
"صوت الحرية": لماذا حصد الفيلم الذي نال إعجاب ترامب نجاحاً كبيراً؟
غير أن هذه الانتقادات لم تثنِ بيترسون، صاحب الشعبية المتنامية في السنوات الست الأخيرة، عن متابعة تدوين مواقفه الحادّة ضد الفلسطينيين.
وعاد وعلّق على تغريدة لحزب الإشتراكيين الفيكتوريين الأسترالي يتضامن فيها مع الفلسطينيين، واصفاً أعضاء الحزب بـ"الجرذان القتلة معادي السامية".
وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها بيترسون لانتقادات بسبب تعليقاته حول فلسطين وإسرائيل.
في ديسمبر/ كانون الأول 2022، واجه رد فعل عنيف أيضاً بعد إجراء مقابلة مع نتنياهو، بعدما أشار الكثيرون إلى أنه لم يجادل مزاعم رئيس الوزراء الإسرائيلي.
كذلك، أثار بيترسون إدانة واسعة النطاق بعد ظهور مقاطع فيديو له وهو يرافق مجموعات يهودية إلى المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة في أكتوبر / تشرين الأول 2022.
Give 'em hell@netanyahu
— Dr Jordan B Peterson (@jordanbpeterson) October 7, 2023
Enough is enough
من هو جوردان بيترسون؟
تعود جذور بيترسون إلى مقاطعة ألبيرتا في كندا، حيث عمل لسنوات طويلة كمعالج نفسي وأكاديمي وكاتب محدود الشعبية، قبل أن يبرز اسمه بشكل كبير عام 2016.
وأصبح كتابه الأشهر "12 قاعدة للحياة: ترياق للفوضى" الذي ينتمي إلى نوع كتب المساعدة الذاتية، الأكثر مبيعاً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفي كندا وأستراليا وغيرها، كما استطاع جمع أكثر من 4 ملايين متابع على منصة "إكس".
وسُلّط الضوء عليه بعد إطلاقه مواقف مثيرة للجدل متعلّقة بالعابرين جنسياً وبالنسوية وبالذكورة لا سيما عقب حراك "أنا أيضاً" لمكافحة التحرش، ليصبح في وقت قياسي أحد أبرز الأسماء المناهضة لـ"ثقافة اليقظة"، وهي التسمية التي باتت رائجة لوصف الأفراد والمجموعات المؤيدة للعدالة الاجتماعية.
في سبتمبر/ أيلول 2016، عبّر بيترسون الذي كان في حينه يدرّس علم النفس في جامعة تورونتو، عبر قناته على يوتيوب، عن قلقه من إقرار الحكومة الكندية قانون التجريم ضد التمييز على أساس الهوية الجندرية، زاعماً أن القانون يجرّم من لا يستخدم ضمائر محايدة جندرياً، معتبراً ذلك انتهاكاً لحرية التعبير.
علماً أن القانون المذكور الذي أُقرّ في ما بعد لم يكن يتضمن إطلاقاً تجريم استخدام الضمائر.
حظي هذا الفيديو برواج كبير، ما نقل بيترسون من ظلّ الوسط الأكاديمي إلى شعبية الإنترنت حيث أصبح أحد أعلام الاستقطاب الثقافي في الوقت الراهن.
"حارس النظام الأبوي"
يروّج بيترسون لضرورة الحفاظ على الذكورة التقليدية ضد ما يعتبره هجوماً من ثقافة اليقظة أو الصوابية السياسية على هذه الصورة وربطها بمفهوم "السمّية"، حيث أصبحت الذكورة مقترنة غالباً بنعت "السامّة".
يرى بيترسون أن الذكورة التقليدية لا تقترن بالعنف والعدوانية، بحسب ما هو سائد، لكنها تعني المسؤولية والكفاءة، وبالنسبة له، هناك من يحاول أن ينتزع المسؤولية من العالم اليوم لمصلحة نشر الفوضى.
تنبع معظم أفكاره من قلق شديد حول مفهوم الجندر، ويعتبر أن "الروح الذكورية تتعرض للهجوم".
كذلك، هو يرى أن المجتمع الذي يدار كنظام أبوي "أمر منطقي وينبع في الغالب من كفاءة الرجال"، أما "فكرة الامتياز الأبيض" فهي في نظره مجرد "مهزلة".
نجحت هذه الأفكار في حجز مكان متقدم لبيترسون وسط الشبّان في مختلف أنحاء العالم، بما فيها العالم العربي والإسلامي، الذين يعتبرون أن الأفكار النسوية المنقلبة على هذا النمط من الذكورة تهدد مواقعهم وامتيازاتهم.
حتى بات يعرف، بحسب لقب أطلقته عليه صحيفة نيو يورك تايمز عام 2018 باسم "حارس النظام الأبوي".
"الماركسية الثقافية"
يرى منتقدو بيترسون أنه غالباً ما يستند إلى نظريات غير متحقق منها وإلى أنصاف حقائق تتّسم بالارتياب. مثلاً هو يرى أن اعتبار الجندر "تركيباً اجتماعياً" لا حقيقة بيولوجية "أمر سيّئ مثل ادّعاء أن الأرض مسطحة".
وعُرف أيضاً بتشكيكه بالعلوم التي خلُصت إلى حقيقة التغير المناخي حين قال في إحدى مقابلاته: "معظم مزاعم الاحتباس الحراري هي قناع لمُعادي الرأسمالية، لتكون لديهم حجة ضد البطريركية الغربية. أرى أن التغير المناخي هو قضية خلافية، لكونك لا يمكنك أن تثق باللاعبين (الذي يعملون على هذه القضية). يمكنك فقط أن تثق بالمعلومات، لأن هناك الكثير من الأيديولوجيا المتدخلة في هذا الموضوع".
كذلك، يصرّ على ربط الحركات المرتبطة بالنسوية وبمجتمع المثليين والعابرين جنسياً بما يسمّيه "الماركسية الثقافية" وبعزمها على "تدمير الغرب". استخدام ضمائر جندرية محايدة، حراك مكافحة التحرش، كل ذلك بالنسبة إلى بيترسون، له جذور تمتد إلى "ما بعد الحداثة" التي يراها "ماركسيّة مقنعة" وأيديولوجيا "قاتلة".
وتعود جذور "تهمة" الماركسية الثقافية إلى فلاسفة "مدرسة فرانكفورت" الذين اتُهموا بنية "تدمير الغرب" و"القضاء على قيمه". رواج أفكار فلاسفتها مثل هربرت ماركوز وثيودور أدورنو وغيرهما في ستينيات القرن الماضي، بلغ ذروته مع وصولهم إلى مراكز مهمة في مؤسسات ثقافية وجامعات أميركية.
ويزعم البعض أنهم من تلك المراكز، "روّجوا لأفكار أرادوا عبرها تدمير القيم المسيحية التقليدية مثل النسوية، التعددية الثقافية، حقوق المثليين والإلحاد"، وهذا برأيهم ما أنجب "الصوابية السياسية" ثم "اليقظة" في ما بعد.
لكنّ مصطلح "الماركسية الثقافية" لم ينل شهرته الحالية إلا بعد ظهوره في سياق جديد للمرة الأولى، حين استخدمه منفذ هجمات النروج الدامية سنة 2011، أندريس بريفيك. القاتل الجماعي الذي أردى 77 شخصاً في حينه، أرسل مانيفستو طويلاً تضمّن شكراً للكتّاب الذين ألقوا الضوء على الماركسية الثقافية.
وأوردت الوثيقة المؤلفة من ألف صفحة، إشارات إلى الماركسية الثقافية والماركسيين الثقافيين نحو 650 مرة، وأظهرت عداء بريفيك للتعددية الثقافية وتبنيه آراء عنصرية وكارهة للنساء.
ما هي علاقة بيترسون بحركة الإنسلز؟
قبل نحو عام، وصفت مخرجة الأفلام الأمريكية أوليفيا وايلد بيترسون بأنه "بطل لمجتمع الإنسلز" أو جماعة "العزوبية غير الطوعية".
ونشأت هذه الجماعة قبل أكثر من عشرين عاماً، لكن شهرتها تنامت خلال العقد الأخير حين تبنّى أشخاص ينتمون إليها جرائم وقعت في كاليفورنيا عام 2014، وفي كندا عام 2018 وفي بوسطن عام 2020.
ووُصفت هذه الجرائم بكونها تنتمي إلى "الإرهاب ضد النساء"، بحسب المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي.
تعبّر الجماعة عن كراهية صريحة للنساء والرجال الناشطين جنسياً، الأمر الذي يعتبر أفرادها أنهم حرموا منه، إذ أنهم يفشلون في إقامة علاقات عاطفية أو جنسية مع الجنس الآخر.
منفذ هجوم 2018 في تورونتو كتب على فايسبوك قبل تنفيذ جريمته "تمرد الإنسلز قد بدأ. سوف نسقط كل (تشاد) و(ستايسي)". وتشاد وستايسي، هما لقبان يستخدمهما الإنسلز للرجال والنساء الجذابين، النشطين جنسياً، ما يجعلهم أعداءً وأهدافاً لهم.
وقالت وايلد إن شخصية في فيلمها "دونت ووري دارلينغ"، لعبها الممثل كريس باين، "كانت مبنية على هذا الرجل المجنون، جوردان بيترسون، المثقف المزيّف الذي يعد بطلاً لجتمع الإنسلز".
وعلّق بيترسون على كلام وايلد بالقول: "اعتقدت أنه كان من المفترض أن يكون للمهمشين صوت".
وأضاف في مقطع انتشر بشكل كبير على الإنترنت في حينه وأثار الجدل: "هؤلاء الرجال، لا يعرفون كيف يجعلون أنفسهم جذابين للنساء اللواتي يصعب إرضاؤهن (...) كل هؤلاء الرجال الذين يشعرون بالاغتراب، يبدو الأمر كما لو أنهم وحيدون ولا يعرفون ماذا يفعلون والجميع يراكمون الإساءة إليهم".