: آخر تحديث

أجل نحنُ (الهلالُ) ونحنُ (المجدُ)

2
1
1

بادئ ذي بدء، أنا مدين باعتذار لورثة ومحبي أسطورتنا السعودية الخالدة الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصيبي رحمه الله، فعنوان مقالي هو اقتباس من رائعته الوطنية العظيمة التي شدا بها فنان العرب محمد عبده: (أجل نحن الحجاز ونحن نجد... هنا مجدٌ لنا وهناك مجدُ)، حيث كتبها القصيبي ردًا على نظام قطاع الطُرق الحاكم في بغداد آنذاك، عندما شرعت أبواقه الإعلامية تُقدّم عزف الأسطوانة المشروخة وتوجّه النداءات بأصواتها المنكرة للشعب السعودي لأجل التخلّي عن قيادته الشرعية والانفصال عنها ضمن مخطط السيطرة على الخليج، والذي ابتدأ بغزو الكويت الغادر في صيف عام 1990، لكن خابت تلك الآمال وخسرت وخسئت أمام تماسك أهالي نجد والحجاز وعسير والحدود الشمالية والشرقية وجميع المناطق في المملكة العربية السعودية، بعد أن أصبح تلاحمهم كالبنيان المرصوص الذي يشدّ بعضُه بعضًا مضرب المثل، وسيبقى كذلك بإذن الله.

لم يكن أكثر المتفائلين من أنصار نادي الهلال السعودي – وأنا أحدهم – أن يحقق الهلال ما حققه من مكتسبات خلال مشاركته في بطولة كأس العالم للأندية لكرة القدم، التي قُوّضت خيامها مؤخرًا بفوز فريق تشلسي الإنجليزي بكأس البطولة؛ ذلك أنها النسخة الأولى التي تجمع 32 ناديًا من أبطال قارات العالم على مدى أربع سنوات مضت، ليصبح نظامها شبيهًا إلى حدٍ ما من جهة العدد بنظام كأس العالم للمنتخبات، بخلاف البطولات السابقة لكأس العالم للأندية، حيث كانت مقتصرة على أبطال القارات من نفس العام الذي يُقام فيه مونديال الأندية، والتي حقق فيها الهلال أسبقية كأول بطل لآسيا يصل للنهائي بوصفه بطلًا للقارة، وليس كمستضيف، عندما واجه ريال مدريد في النسخة قبل الماضية التي فاز بها الأخير على أراضي المملكة المغربية الشقيقة.

ومن أسباب تخوّف المدرج الهلالي الكبير في بداية البطولة، إخفاق إدارة الهلال في تدعيم صفوف الفريق في المراكز الشاغرة شديدة الاحتياج، وذلك لمجابهة الفرق في المجموعة – مع ملاحظة أن قلة قليلة من المتابعين كانوا يتوقعون وصول الهلال للدور الثاني – وكذلك تهاوي عدد من نجوم الفريق في مأزق الإصابات المتنوعة مع توالي المباريات. إلا أن كلمة السر كانت لدى المدير الفني حديث العهد بالفرقة الزرقاء، الإيطالي الشهير السيد فيليبو إنزاغي، الذي استطاع بدهاء كبير توظيف إمكانيات المتاح من اللاعبين، على طريقة المثل السعودي الشعبي الشهير (الجود من الموجود)، فكانت أولى مؤشرات الإبهار المستوى الكبير الذي قدّمه الهلال أمام الملكي الإسباني ريال مدريد، وتمكن من خطف نقطة ثمينة منه، رغم المستوى غير المتوقع الذي قدّمه الهلال، لدرجة ندم البعض على عدم فوزه من واقع الفرص العديدة التي أتيحت له أمام مرمى ريال مدريد.

ثم كانت موقعة كامبنج وورلد في الأول من تموز (يوليو)، عندما تفوق كبير آسيا وزعيمها على نفسه، وسطّر التاريخ في 120 دقيقة ليحقق الإعجاز بكل المقاييس الكروية، وقاد ملحمة خالدة أقصى فيها من الدور ثمن النهائي أحد عمالقة كرة القدم العالمية وعلاماتها الفارقة، فريق مانشستر سيتي الإنجليزي بطل أوروبا وحامل لقب بطولة كأس العالم، والفريق الوحيد الذي حصل على تسع نقاط في دور المجموعات، كان أحدها فوزه الكبير على فريق يوفنتوس الإيطالي العريق بخماسية نظيفة. فبات الهلال برباعيته التاريخية في مرمى مانشستر سيتي، مالئ الدنيا وشاغل الناس، وضجّت الصحافة العالمية بصدى ذلك الفوز المدويّ، واقتطع معالي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جزءًا من وقت اجتماعه في موسكو مع نظيره السعودي، صاحب السمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ليقدّم لسموه التهنئة بفوز الهلال، مشيدًا بروح الفريق وحماسته. واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بذلك الحدث، الذي قلب موازين البطولة رأسًا على عقب، ليثبت الأزرق الهلالي على أرض الواقع نجاح المشروع السعودي، الذي يقوده سمو سيدي ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان حفظه الله ورعاه، إلى عنان السماء في شتى المجالات، ومن ضمنها المجال الرياضي.

لقد أثبت الهلاليون بأن المستحيل ليس سعوديًا متى ما حضرت الإرادة والعزيمة القوية؛ وما أكثر الذين تساءلوا: ماذا لو كان الهلال قد استعدّ بشكل أفضل؟ كيف ستكون الحال؟! بصريح العبارة، لا أستبعد أبدًا وصوله للنهائي. وفي كل الأحوال، أرجو أن تكون مشاركة الهلال المشرّفة للعالم العربي وللقارة الآسيوية قاطبة، مصدر إلهام لجميع الفرق السعودية في النسخ القادمة من البطولة، عسى أن يُعاد كتابة التاريخ مرة أخرى، امتدادًا لما صنعه الهلاليون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.