في سنوات شبابه انتسب الفرنسي باتريك بويسون المولود عام 1949 إلى اليمين المتطرف، ثم إلى اليمين المحافظ بعد أن تجاوز سنّ الثلاثين.
وهو صحفي، وكاتب، ومستشار سياسي. وفي عام2014، تمت مقاضاته بسبب تسجيله سريًا محادثات مع الرئيس السابق نيكولا ساركوزي.
وخلال العقد الأخير أصدر كتبًا تعكس أفكاره اليمينيه مثل :"نهاية العالم".
وفي كتابه الجديد "تدهور"، هو ينتقد انحطاط الأخلاق في المجتمعات الغربية الذي بدأ بحسب اعتقاده في السبعينات من القرن الماضي، والذي قاد الأجيال الجديدة إلى التفسخ والانحلال، وإلى انتشار أمراض نفسية وجسدية خطيرة، بل قاتلة. كما أفضى ذلك الانحطاط إلى ظهور مجتمعات تهيمن عليها الأنانية، ويغلب عليها التسطح، والاقبال الجنوني على الاستهلاك.
ويرى باتريك بويسون أن الانحطاط لا يعود إلى السبعينات فقط، بل إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي ظهر فيه فلاسفة ومفكرون اشتراكيون مثل ماركس وأنجلس. وقد شنّ هؤلاء هجومات عنيفة على البورجوازية باعتبارها طبقة تعيش من عرق العمال والكادحين، وتجمع ثرواتها بفضل استغلالها الفاحش للبلدان المستعمرة. وتحت تأثير أولئك الفلاسفة الذين نزعوا عن البورجوازية كل المبادئ الأخلاقية والإنسانية، ونعتوا الدين بـ"أفيون الشعوب"، نشأت حركات متعددة ترفع شعار الدفاع عن المهاجرين القادمين إلى البلدان الأوروبية من جميع أنحاء العالم، وتحرّض أنصارها على الخروج إلى الشارع كلما سعت الحكومات إلى اتخاذ إجراءات للحد من الهجرة، والتصدي للمخاطر الناجمة عنها.
والحال أن الهجرة بحسب باتريك بويسون هي السبب الأساسي في الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتخبط فيها جلّ البلدان الأوروبية راهنًا. كما أن الهجرة هي التي فتحت الباب واسعا أمام دعاة الإرهاب والتطرف الأصولي ليرتكبوا مجازر فظيعة ذهب ضحيتها عشرات من الأبرياء، مغذين بذلك ثقافة الكراهية والعنف.
ويستحضر باتريك بويسون تصريحًا أدلى به عام 1974رئيس الحكومة في عهد الجنرال ديغول، ميشال دوبريه. وفيه يُحذر الدول الأوروبية من الاعتماد على المهاجرين في الحركة الاقتصادية لأنه إذا ما تكاثر عددهم فإنهم سوف يشكلون قوة اجتماعية تغرق المجتمعات الأوروبية في نزاعات عرقية ودينية وثقافية مدمرة، قد تتحول في النهاية إلى تهديد مباشر للسلم الأهلي.
ويرى باتريك بويسون أن العالم يشهد تحولات هائلة منذ بداية الألفية الجديدة. وقد أثبت الواقع أن النظريات الاشتراكية والتقدمية التي تزعم أنها قادرة على انقاذ العالم من الكوارث التي تهدده، تهشمت جميعها منذ انهيار جدار برلين، مثبتة خواءها ومثاليتها الخرقاء، وانسانيتها الفضفاضة. لذا على النخب الأوروبية أن تعيد النظر في الكثير من أفكارها وأطروحاتها قبل الطوفان الكبير. وعلى الحكومات الأوروبية أيضا أن تسن قوانين تتطابق مع الواقع الجديد. فإن لم تفعل ذلك فإنها تكون قد مهدت بنفسها للخراب الشامل الذي يطل بشبحه القاتم بين وقت وآخر.
ويرى باتريك بويسون أن القبول بالأمر الواقع سوف يؤدي بالمجتمعات الأوروبية إلى فقدان البوصلة، لكي نصبح في النهاية مجتمعات عاجزة عن حماية نفسها، وجاهلة بمعنى وجودها أصلا.