: آخر تحديث
تضاريس وعرة ودعم أميركي مستمر

رغم التفوق العسكري.. ثمن صيني باهظ لغزو تايوان

47
48
67

ماغونغ (تايوان): قرب شواطئ الرمال البيضاء وأسواق السمك المكتظة في جزر بسكادورز الصغيرة التابعة لتايوان، تقع قواعد صاروخية تعد شاهدا حيا على التوترات التي تعيشها الجزيرة مخافة هجوم صيني.

ورغم الفجوة الهائلة بين الطرفين من الناحية العسكرية، يعتقد العديد من المحللين أن موقع تايوان وتضاريسها الوعرة والدعم الأميركي لها تعني أن الصين ستجد صعوبة كبيرة في شن غزو واسع النطاق سيكون مكلفا للغاية على الأرجح.

وانفصلت الصين الشيوعية وتايوان نهاية الحرب الأهلية عام 1949 مع انسحاب قوات الحزب القومي الصيني إلى الجزيرة. لكن بكين تصر على أن تايوان التي يديرها نظام ديموقراطي هي جزء من أراضيها وستستعيدها يوما ما، بالقوة إذا لزم الأمر.

وعزز التوغل القياسي للمقاتلات الصينية مؤخرا في "منطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي" التابعة لتايوان والخطاب الأكثر عدائية في عهد الرئيس شي جينبينغ المخاوف من إمكانية أن تفكّر الصين بالتحرّك بناء على هذا التعهّد قريبا.

وأعلنت وزارة الدفاع الصينية الأسبوع الماضي أنها "لن تتردد في بدء حرب" لمنع استقلال تايوان.

وتوقع أميرال أميركي أن الهجوم قد يقع بحلول العام 2027 في الذكرى المئوية لتأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني.

وقال الأميرال المتقاعد لي هسي-مين الذي قاد القوات المسلحة التايوانية حتى العام 2019 لفرانس برس "إذا دخلنا في مواجهة عسكرية، فلا نملك أي فرصة" للنجاة.

لكن فشل روسيا في السيطرة سريعا على أوكرانيا يمثّل تحذيرا لبكين، بينما يقدّم لتايبيه مخططات تكتيكية وأفكارا بشأن كيفية التصدي لعدو أكبر بكثير.

وقال عالم التاريخ المتخصص ببسكادورز والمعماري شين إنغ-جين "جميع جنودنا هنا تايوانيون وسيقاتلون للدفاع عن وطنهم". وأضاف "يحدث ذلك فرقا. أنظروا إلى أوكرانيا".

وتعد الطبيعة الجغرافية أهم ميّزة تملكها تايوان .

وتعتبر الهجمات البرمائية صعبة للغاية. وإذا كانت الصين ستغزو تايوان وتحافظ عليها، فستحتاج إلى تحريك مئات آلاف الجنود والمعدات عبر مضيق تايوان.

وحتى عند النقطة الأضيق فيه، يبلغ عرض المضيق 130 كلم، كما يعرف بظروفه الجوية الصعبة للغاية إذ يشهد رياحا موسمية على موسمين.

ولا يترك ذلك غير نافذتين قصيرتين لشن هجوم -- من أيار/مايو حتى تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر -- لعملية واسعة النطاق كهذه، بحسب تقرير لكلية الولايات المتحدة للحرب البحرية.

بالإضافة إلى ذلك، تقع في المياه جزر مثل أرخبيل بسكادورز المليئة برادارات وصواريخ موجّهة مباشرة باتّجاه المضيق.

وقال جيمس تشار من كلية إس. راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة إنه مع التحذير المبكر المرجح والأسلحة المتاحة لتايبيه، سيتكبد جيش التحرير الشعبي الصيني خسائر فادحة حتى من المرحلة الأولى.

وبينما قد يسهل على الصين إخضاع الجزر الصغيرة والمسطحة البعيدة، إلا أن العكس صحيح في ما يخص جزيرة تايوان الرئيسية.

ويقول مؤلف كتاب "تهديد الغزو الصيني" "The Chinese Invasion Threat" إيان إيستن إن التضاريس الساحلية هناك هي "حلم تحقق بالنسبة لأي جهة مدافعة".

ويقدّر وزملاؤه بأن لدى تايوان 14 شاطئا صغيرا فقط يصلح للهبوط عدا عن أنها محاطة بجبال ومنحدرات أو بنى تحتية حضرية كثيفة.

وقالت مديرة مشروع سلطة الصين لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بوني لين لفرانس برس إن "الهبوط في تايوان لا يعد إلا جزءا من المشكلة".

وسيحتاج التقدّم في مستنقعات وجبال ومناطق تايوان الحضرية ذات الكثافة السكانية إلى مجموعة هائلة من المهارات القتالية المختلفة والأسلحة.

وتساءلت لين "كيف ستدعم هذه القوات فور انتشارها في مواقعها وتقدّمها؟ كيف ستتولى المسائل اللوجستية؟".

أنفقت الصين مئات مليارات الدولارات لتحديث قدراتها العسكرية مدى العقد الماضي بينما تشي لغة الأرقام بتفوق هائل على تايوان.

ولدى جيش التحرير الشعبي الصيني أكثر من مليون عنصر من القوات البرية مقابل 88 ألفا لتايوان، و6300 دبابة مقابل 800، و1600 طائرة حربية مقابل 400، بحسب بيانات وزارة الدفاع الأميركية.

كما تفيد تقديرات واشنطن بأن بكين تملك أكبر أسطول بحري لجهة عدد السفن. ووصف تقرير صدر مؤخرا عن "كلية الحرب البحرية الأميركية" هذه السفن بأنها "متطورة بشكل متزايد وذات إمكانيات عالية".

لكن العديد من الخبراء، بمن فيهم تشار ولين، يشككون في مسألة إن كانت بكين فعلا تملك الإمكانيات الكافية.

وأشار المستشار الرفيع لدى مجلس الأطلسي هارلان أولمان إلى ذلك في بحث في شباط/فبراير قال فيه "تفتقد الصين ببساطة إلى القدرة العسكرية والإمكانات لغزو بحري كامل النطاق لتايوان في المستقبل المنظور".

في الأثناء، تخطط تايوان لمواجهة تفوق الصين العددي. وشدد الأميرال المتقاعد لي على الحرب غير المتكافئة مع التركيز على الحركة والهجمات العالية الدقة، وهو نهج تفيد تقارير بأن المسؤولين الأميركيين يشجّعون عليه.

وأشار لي في هذا الصدد إلى نجاح قاذفة الصواريخ الأوكرانية المتحركة في إغراق الطراد الروسي "موسكفا" التابع لأسطول البحر الأسود الروسي.

وبينما أنشأت تايوان مخزونات من بطاريات الصواريخ المتحركة والاسلحة التي تطلق من الكتف، إلا أن ليي شدد أن على تايبيه القيام بأكثر من ذلك بكثير.

ويعد العامل الأكثر إثارة لقلق بكين مدى قدرة الأطراف الأخرى على الانخراط في النزاع، بحسب ما أفاد الخبير العسكري الصيني سونغ جونغبنغ فرانس برس.

وقال "تكمن صعوبة تحرير تايوان في التدخل المحتمل للولايات المتحدة. هذه أكبر عقبة يتعين على جيش التحرير الشعبي الصيني إزالتها".

وتحافظ الولايات المتحدة رسميا على "غموض استراتيجي" حيال مسألة إن كانت ستتدخل عسكريا في حال وقوع غزو. لكنها تزود تايوان بمعدات عسكرية بينما أفاد الرئيس الأميركي جو بايدن مرّات عديدة بأن واشنطن ستتدخل.

وقال سونغ إن "مدى وعمق وحجم" تدخل الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء سيحدد إلى حد كبير كيفية تطور أي نزاع.

ووفق بعض السيناريوهات، يمكن أن يضرب جيش التحرير الشعبي الصيني قواعد تابعة للولايات المتحدة في منطقة الهادئ لتحطيم قدرتها على الرد. وستعتمد واشنطن بشدة على حاملات الطائرات البعيدة عن أراضيها.

ولمواجهة هذا التهديد، منحت الصين أولوية لتطوير صواريخ فرط صوتية "قاتلة للحاملات" وقامت بعسكرة جزر مرجانية عديدة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

لكن مهاجمة القوات الأميركية ستثير ردا صينيا أكثر إصرارا وتجر حلفاء الولايات المتحدة إلى نزاع عالمي.

وحتى من دون تدخل عسكري، قال تشار إن التهديد بفرض عقوبات اقتصادية كتلك التي على روسيا سيدفع القيادة الصينية إلى العد قبل الإقدام على أي خطوة.

ويعد سؤال إن كانت الصين على استعداد لتحمل سقوط عدد كبير من الضحايا وتشويه صورتها في الداخل والخارج، جوهريا.

وقال لي "على الصين أن تعرف أنها ستتكبد خسائر هائلة، وحتى بعد ذلك، لن تتمكن من احتلال تايوان".

وأضاف أنه الصين سترى بذلك أن "السبيل الأمثل لحل مسألة تايوان يكمن بالطرق السلمية".

وتوجد مجموعة خيارات أخرى لا تصل إلى غزو كامل، يمكن لبكين استخدامها لإخضاع تايبيه، مثل فرض حصار على مضيق تايوان وضم الجزر البعيدة أو تعطيل أنظمتها العسكرية أو الإلكترونية.

بدورها، أفادت لين بأن "الصين قد تأتي بصيغ أو حلول استراتيجية دبلوماسية مبتكرة لإعلان الوحدة مع تايوان من دون تحقيق ذلك فعلا".

أما المحلل الصيني سونغ فقال إن بكين لم تخف السبب الذي قد يدفعها لتنفيذ غزو. وصرّح "يعتمد التوقيت على سلوك الانفصاليين التايوانيين وإن كانوا سيصرون على الدفاع عن استقلال تايوان".

وتبنى سكان الجزيرة البالغ عددهم 23 مليونا هوية تايوانية مميزة بشكل متزايد وفازت الرئيس تساي إنغ-ون التي ترى الجزيرة كدولة ذات سيادة في الانتخابات مرّتين.

ومن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024 بينما أدى المصير الذي لاقته أوكرانيا إلى تشدد المواقف حيال الصين.

وفي استطلاع أجري في أيار/مايو، أبدى 61,4 في المئة من المستطلعين استعدادهم لحمل السلاح إن وقع غزو.

ويبقى القرار النهائي في يدي شي جينبينغ، الزعيم الصيني الأكثر استبدادا بعد ماو تسي تونغ. وهو أمر لعب دورا أساسيا في تعزيز المخاوف من احتمال غزو الصين لتايوان.

ويقترب شي من ضمان تولي ولاية رئاسية ثالثة هذا العام. ومنذ وصوله إلى السلطة "كان هناك تحوّل كامل عن شعار السلام والتنمية السابق" في سلوك الصين في المنطقة، بحسب تشار.

وأضاف أن شي اعتمد بدلا من ذلك على شعار "تحقيق أمر مذهل وعظيم".

وفي خطاب تاريخي تطرق فيه إلى تايوان عام 2019، قال شي إن التوحيد "مطلب لا مفر منه لإعادة الإنعاش العظيم للشعب الصيني".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار