قضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق (الأحد 15 مايو/ أيار 2022) بعدم دستورية مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية، وهو القانون الذي قدّمته حكومة مصطفى الكاظمي إلى البرلمان العراقي «المنتخب»، بهدف تمريره كحلّ مؤقّت لمعالجة مسألة الغلاء المستفحلة ومواجهة الفقر المستشري، بعد عدم القدرة على إنجاز مشروع الموازنة الاتحادية لإقراره في البرلمان بسبب اختلافات سياسية حادة بشأنه انعكست على مشروع القانون، حيث يطالب الفريق المعترض بإنجاز الموازنة الاتحادية التي يندرج فيها القانون وقوانين أخرى تخص الكهرباء والخدمات، وهو ما تذهب إليه مجموعة «الإطار التنسيقي»، في حين يرى فريق الحكومة، ومن معه، ضرورة إصدار هذا القانون للحاجة الماسة لمواجهة التحديات المستجدّة على هذا الصعيد، خصوصاً ارتفاع الأسعار في مجالات الطاقة العالمية وأزمة نقص الغذاء وبشكل خاص القمح وتأثير الحرب في أوكرانيا، وانعكاساتها على العالم.
وبين هذا وذاك، توجّهت المحكمة الاتحادية العليا لحسم الخلاف حين قضت بعدم دستورية مشروع القانون. وعلى الرغم من أن الحكومة «احترمت» القرار القضائي، إلّا أنها عاودت محاولاتها لتمرير القانون بإرساله إلى البرلمان لمناقشته، متهمة جهات لم تسمّها تريد عرقلة عمل الحكومة.
ووفقاً للحكومة والمؤيدين (الكتلة السنية السياسية «إنقاذ الوطن» والحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري) لمشروع القانون فإنه يخصّص أكثر من 35 تريليون دينار عراقي (تساوي 24.1 مليار دولار) لتسيير عملها، لكن الأطراف المعارضة تصرّ على ضرورة إقرار الموازنة الاتحادية، خصوصاً ما يتعلّق بها بواردات النفط في الإقليم، وحصّة الحكومة الاتحادية، حيث اعتبره قيس الخزعلي قائد جماعة العصائب «باباً من أبواب الفساد»، ويمثّل «هدراً للأموال وذريعة للقوى المهيمنة على البرلمان لتجاهل قانون الموازنة الاتحادية».
ويعتقد أصحاب هذا الاتجاه أن مشروع القانون «خطير جداً»، ويحوّل صلاحيات البرلمان في إعداد الموازنة للحكومة بشكل دائم ويفرّغ الموازنة السنوية العامة تماماً من مضامينها، ويجعل قرارات الحكومة «حاكمة»، ومتقدّمة على قرارات البرلمان المالية، فما بالك حين تكون حكومة تصريف أعمال وليست حكومة كاملة الصلاحية؟
وبغض النظر عن الاتفاق والاختلاف مع الفريق المؤيد أو المعارض للقانون، فثمّة جوانب بحاجة إلى وقفة جديّة بخصوصها، لاسيّما إذا أخذنا قرار المحكمة الاتحادية بشأن حكومة تصريف الأعمال، حيث تحوّلت الحكومة إلى ما يطلق عليه الدستور «تصريف الأمور اليومية»، وكانت الانتخابات أجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. ولم تؤلّف الوزارة الجديدة بسبب الاستقطابات السياسية الحادة في التوجهات والمصالح ومراكز النفوذ بين فكرة «حكومة أغلبية وطنية»، كما يدعو لها مقتدى الصدر والتحالف الثلاثي، أو «حكومة توافقية» من دون إقصاء أو تهميش، وفقاً للإطار التنسيقي.
وحكومة تصريف الأعمال حسب جواب المحكمة الاتحادية على استفسار رئيس الجمهورية برهم صالح، هي «الحكومة المتحوّلة من حكومة بكامل الصلاحيات إلى حكومة محدودة الصلاحيات بحكم الحكومة المستقيلة، وهي المستثناة من الأصل...».
وفعلياً، فإن الوزارة تعتبر مستقيلة، ولكنها تواصل تصريف الأمور اليومية الملحّة التي من شأنها استمرار سير عمل المرافق الحيوية وتقديم الخدمات الضرورية. وحسب الفقه القانوني فإن قرار المحكمة لا ينطوي على دوافع سياسية أو أغراض حزبية، لأن الحكومة المستقيلة ليس من حقّها اقتراح القوانين، أو عقد القروض أو التعيين في المناصب العليا للدولة، أو الإعفاء منها، أو إعادة هيكلة الوزارات.
وهكذا، فإن حكومة تصريف الأعمال هي مؤقّتة وناقصة الصلاحية ومهمتها الأساسية تصريف الأمور لفترة محدودة من الزمن والقيام بالأعمال الملحّة التي لا تقبل التأجيل، أو الإرجاء، أو الانتظار، ولا يحقّ لها اتخاذ التدابير التي من شأنها إلزام الحكومة المقبلة بصفة دائمة ومستمرة، خصوصاً المصادقة على مشاريع القوانين والمراسم التنظيمية والتعيينات في المناصب العليا وغيرها، وإنما حسب المادة 61 والمادة 76 من الدستور العراقي تمشية الأمور اليومية، سواء عند سحب الثقة منها، أو استقالتها، أو انتهاء الوجود القانوني للبرلمان وإجراء الانتخابات، أو أي ظرف طارئ، وتنتهي مهمتها بتشكيل وزارة جديدة، لذلك لا يحق لها البت في الأمور ذات الطبيعة المستقبلية والمصيرية، بل القيام بما هو عاجل، ولاسيّما ضمان الحد الأدنى من الاستمرارية الإدارية.
ولعلّ هذه السجالات والاختلافات تمثّل جانباً آخر من جوانب الأزمة العراقية المركّبة وصراع القوى السياسية حول مراكز النفوذ الذي ينعكس على تشكيل الحكومة بين التحالف الثلاثي: الصدري والبارتي والسني، وبين الإطار التنسيقي الذي يضم كتلاً شيعية منافسة للصدر، مثل المالكي والعامري والحكيم والخزعلي والعبادي، وغيرهم. ولعلّ وراء كلّ مسألة قانونية أو مهنيّة تكمن السياسة بكلّ هيمنتها.