: آخر تحديث
تروي جرائم حرب ارتكبها الروس

"موت في شارع يابلونسكا": قصص أربع جثث في بوتشا

58
81
80

بوتشا (أوكرانيا): في شارع يابلونسكا في بوتشا، كان كثر على موعد مع الموت بطرق مختلفة.. في نهاية المطاف، عُثر على ما لا يقل عن عشرين جثة لأشخاص بملابس مدنية راحوا ضحايا لما يشتبه بأنها جرائم حرب ارتكبتها القوات الروسية.

أثارت صور لوكالة فرانس برس ووسائل إعلامية أخرى للضحايا الذين قتلوا بمعظمهم بالرصاص وتركوا ليتحللوا على الطريق لأسابيع، غضبا متجددا وأدت إلى فرض عقوبات إضافية على روسيا وتقديم المزيد من المساعدة لأوكرانيا.

ويفوق عدد الأسئلة الإجابات حول عمليات القتل، لكنّ صورة بدأت ترتسم مع بدء تحقيقات فيما يفصل شهود الأمور الفظيعة التي حدثت في يابلونسكا.

وقال مكتب المدعية العامة الاوكرانية الخميس إن عشرة جنود روس قيد التحقيق بشأن ارتكاب جرائم حرب مفترضة في بوتشا، قائلا إن المشتبه بهم متّهمون باحتجاز رهائن مدنيين وإلحاق إصابات بهم لانتزاع معلومات. وتنفي روسيا أي تورط لها في مقتل مدنيين.

في ما يأتي، قصص أربعة قتلى..

قال أولكسندر سماغليوك (21 عاما) الذي بدت الصدمة واضحة في عينيه الزرقاوين وهو يروي ما حدث صباح 6 آذار/مارس "غادرنا معا، عدت وحدي".

كان قد مضى على وجود الدبابات الروسية في بوتشا أكثر من أسبوع. الهجوم المضاد الأوكراني الذي شنّ قبل أيام كان غير ناجح وبدأ الخناق يشدد على هذه المدينة الرئيسية المؤدية إلى كييف.

أصبح إخلاء بوتشا محفوفا بالخطر ثم بات مستحيلا. كانت المدينة مقطوعة عن العالم فعليا، من دون كهرباء ومياه وخدمات الهاتف المحمول.

في 6 آذار/مارس عند الساعة 10,30 صباحا، كان ميخايلو رومانيوك (58 عاما) يرافق سماغليوك وهو صديق ابنة شقيقته، لزيارة والد سماغليوك الذي كان في المستشفى بعد تعرضه لإصابة خطيرة جراء قصف.

واعتقد سماغليوك ورومانيوك أنهما سيتمكنان من العثور على الكهرباء لشحن هاتفيهما في المستشفى.

سارا معا ووصلا في غضون دقائق إلى شارع يابلونسكا. ثم بدأ إطلاق النار.

وروى سماغليوك "لم نر أحدا. لم أدرك من أين كانت تأتي الطلقات حتى النهاية. سمعت صوت إطلاق نار ورأيته يسقط".

وقال سكان لوكالة فرانس برس إنهم سمعوا ورأوا إطلاق نار من اتجاهات مختلفة عندما كان الجنود الروس يحتلون المدينة، ما يزيد من احتمال أن يكون أكثر من قناص نفذ عمليات القتل على الطريق.

وقبل أن يستوعب سكانه ذلك، أصبح الشارع المؤدي إلى إيربين نقطة متقدّمة للوحدات الروسية التي سيطرت على المدينة.

تمركزت دبابات في باحات السكان وفي الشارع، ونصبت متاريس وانتشر جنود في الأبنية المجاورة.

وقال فيتالي لوباس قائد شرطة بوتشا "أول شيء قاموا به هو إطلاق النار على كل شيء يتحرّك، كل شخص دنا منهم. حتى أنهم أطلقوا النار على تماثيل".

بقية جثة رومانيوك 28 يوما على قارعة الطريق، مع وجه متورم متجهّم فيما لا يزال قفازان برتقاليان كان يضعهما، في مكانهما.

سحبت جثته في 3 نيسان/أبريل بعد تحرير المدينة.

وتذكر شهادة وفاته "إصابة في الجمجمة نتيجة اختراق رصاصة... جروح دماغية متعددة وكسر في تجويف الجمجمة" لتخلص إلى أن سبب الوفاة "إصابة بسلاح ناري بقصد القتل".

كان رومانيوك عامل بناء في بوتشا، وهي منطقة تتوسع وتجذب العائلات من كييف التي كانت تبحث عن حياة هادئة، خصوصا مع قربها من الطبيعة.

وقالت زوجة شقيقه فيكتوريا فاتورا (48 عاما) "كان يحب الغناء، كان رجلا يحب الفرح ويكثر في الشرب بعض الشيء".

دُفن رومانيوك في 18 نيسان/أبريل من دون مراسم ولا كاهن، لكن أفراد عائلته الأربعة قالوا بعض الكلمات أمام قبره في بوتشا.

وأوضحت فاتورا لوكالة فرانس برس أنه كان "رجلا بسيطا أحب الحياة ولم يؤذ أحدا".

عندما كان ذلك ما زال ممكنا، قرر ميخايلو كوفالينكو وزوجته وابنته في 5 آذار/مارس الهرب من بوتشا بالسيارة.

وأدى القتال العنيف إلى محاصرة الناس في المنطقة، وبالإضافة إلى خطر التعرض لشظايا ورصاص قاتل، قطعت أيضا إمدادات المياه عن المنازل.

وروى أرتيم، صديق ابنة كوفالينكو الذي تحدث طالبا عدم كشف اسمه الكامل إنه عندما وصل الرجل البالغ 62 عاما إلى يابلونسكا "ترجل من السيارة رافعا يديه" للتعريف عن نفسه على نقطة تفتيش أقامها جنود روس.

وقالت ابنته وزوجته اللتان نجتا بعد فرارهما، إن الجنود أطلقوا النار رغم ذلك.

وأضاف أرتيم أن زوجة كوفالينكو أصيبت بجروح خطيرة في ساقها فيما كانت تركض هاربة.

بقيت جثة زوجها الذي أطلق عليه الجنود النار من مسافة قريبة، هامدة على رصيف يابلونسكا 29 يوما، وكان يرتدي سترة زرقاء وسروالا بيج.

كانت نهاية وحشية ومفاجئة لرجل أحب الاستماع للموسيقى الكلاسيكية وجمع معدات التسجيل التجوّل وسط المناظر الطبيعية الريفية في بوتشا.

تعرف أقارب كوفالينكو عليه من ملابسه في صورة التقطتها وكالة فرانس برس عن مسافة في 2 نيسان/أبريل.

وقال أرتيم "كان الأمر مروعا".

في 18 نيسان/أبريل، استدعي أرتيم إلى مشرحة بوتشا للتعرف على الجثة. صديقته الآن لاجئة في بلغاريا حيث تعالج في مركز للصحة النفسية "وتستيقظ كل ليلة" بعدما شهدت مقتل والدها.

دفن كوفالينكو في نعش أسود في بوتشا، وكان أرتيم واثنان من أقاربه هم المشيعون الوحيدون، كما شاهد صحافي من وكالة فرانس برس.

تجمعت الدماء تحت جثة مكسيم كيرييف التي كانت ملقاة عند دوّار شارعي يابلونسكا وياريمتشوكا قرب بلاط للرصيف مكدس على ألواح خارج ورشة بناء.

كانت جثته واحدة من ثلاث جثث في الموقع تظهر في صورة لوكالة فرانس برس، من بينها واحدة مقيدة اليدين خلف الظهر باستخدام شرائط من القماش الأبيض الذي يرتديه الأوكرانيون لتمييز أنفسهم على أنهم غير مقاتلين.

حتى تلك اللحظة، كان عامل البناء البالغ 39 عاما تفادى الروس ونجا من خلال توجهه إلى ملاجئ في طوابق سفلية في أبنية، على ما قالت إيرينا شيفتشوك البالغة 52 عاما، وهي من معارفه التي باتت صديقة أثناء الغزو.

وأضافت لوكالة فرانس برس على مسافة نحو 100 متر من المكان حيث لا تزال آثار دمه ظاهرة على الأرض بعد أكثر من شهر على مقتله "الجميع يسمونه مكسيم الشجاع".

ويعود جزء من هذا اللقب إلى استعداده لمساعدة الأشخاص الذين يحتاجون إلى التنقل بين الملاجئ.

وقتل مكسيم بعد أسابيع من الاحتلال الروسي للمدينة، وهو أمر وثقه في مقاطع فيديو ورسائل حتى بعد رحيل شيفتشوك منتصف آذار/مارس بسبب نقص الطعام.

ثم في 17 آذار/مارس، خرج هو ورجل آخر على الأقل من ملجئهما، كان كيرييف يريد تبديل ملابسه من موقع بناء قريب، على حد قول شيفتشوك.

لكنه لم يعد أبدا.

وقالت شيفتشوك "من المهم جدا تحقيق العدالة لمكسيم لأننا إذا لم نعاقبهم (الروس)، سيفعلون الامر نفسه في المستقبل".

كان على فولوديمير بروفتشينكو (68 عاما) أن ينجز مهمة في ذلك اليوم.

وروت شقيقة زوجته ناتاليا زيلينا "في ذلك اليوم، كان عليه إحضار الدراجة الهوائية إلى فورزيل، فهو كان يعمل في فورزيل" في إشارة إلى بلدة مجاورة.

وأضافت "استعار الدراجة من أحد الأشخاص، وفي ذلك اليوم، كان يريد إعادتها ببساطة" لافتة إلى أنه عمل في وظائف مختلفة في حياته بما في ذلك النجارة.

حاولت زوجته ثنيه عن القيام بالرحلة نظرا إلى الوضع الخطير، لكنه كان مصمما على ذلك وانطلق في رحلته.

قُتل بالرصاص أثناء قيادته دراجته الهوائية في يابلونسكا في 5 آذار/مارس.

تعرفت عليه زيلينا وزوجته سفيتلانا بروفتشينكو من خلال صورة لوكالة فرانس برس تظهر جثته في يابلونسكا.

وحاول أحد الجيران انتشال جثته من الشارع لكن تم إطلاق النار على هذا الرجل أيضا، لكنه نجا وفق زيلينا (63 عاما).

من جهة أخرى، همدت جثة بروفتشينكو على الرصيف مع دراجة زرقاء لأسابيع حتى انتشلت بعد انسحاب الروس.

وقالت زيلينا "كان هو نفسه من روسيا، في مكان ما من منطقة غوركوفسكي. لكنه كان يعيش هنا منذ العام 1976".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار