دنيبرو (أوكرانيا): ركّز الجيش الروسي الجمعة على كييف وشرق أوكرانيا حيث وسّع هجومه ليشمل مدينة دنيبرو الكبيرة، فيما فرض الغرب عقوبات تجارية شديدة على روسيا رداً على ذلك.
وقال الجيش الأوكراني في بيان إن العاصمة الأوكرانية إلى جانب ماريوبول المطلة على بحر أزوف وكريفي ريغ وكريمنتشوغ ونيكوبول وزابوريجيا هي المناطق الرئيسة التي ما زالت جهود القوات الروسية تتركّز فيها.
وأضاف أنه نظراً إلى "عدم قدرته على تحقيق نجاح، يواصل العدو هجماته بالصواريخ والقنابل على مدن واقعة في عمق الأراضي الأوكرانية هي دنيبرو ولوتسك وإيفانو-فرانكيفسك".
وفي تطور ميداني آخر، اختُطف عمدة ميليتوبول الجمعة بأيدي جنود روس يحتلون هذه المدينة الواقعة في جنوب أوكرانيا، وفق ما أعلن مسؤولون أوكرانيون وهو ما أكده لاحقاً الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
وقال البرلمان الأوكراني "رادا" على تويتر إن "مجموعة من عشرة محتلين خطفوا رئيس بلدية ميليتوبول إيفان فيدوروف"، مضيفاً "كان يرفض التعاون مع العدو".
وقال زيلينسكي في رسالة عبر الفيديو مساءً، "اليوم في ميليتوبول، أسر الغزاة عمدة المدينة إيفان فيدوروف. عمدة يدافع بشجاعة عن أوكرانيا وأفراد مجتمعه".
ودعا زيلينسكي السبت أمهات الجنود الروس إلى منع إرسال أبنائهن إلى "الحرب" في أوكرانيا.
وقال "أريد أن أقول هذا مرة جديدة للأمهات الروسيات، خصوصاً لأمهات المجندين. لا ترسلن أولادكن إلى الحرب في بلد أجنبي".
ورداً على استمرار الغزو الذي شنته روسيا في 24 شباط/فبراير، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن استبعاد روسيا من نظام العلاقات التجارية الجاري، عبر حرمانها من وضع "الدولة الأولى بالرعاية" ما يمهد الطريق لزيادة الرسوم الجمركية.
كذلك، حذّر نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد قمة للاتحاد الأوروبي في فرساي قرب باريس، من استعداد الأوروبيين لفرض "عقوبات قاسية" على روسيا.
على الأرض، دفعت الحرب حتى الآن أكثر من 2,5 مليون شخص إلى مغادرة البلاد، معظمهم إلى بولندا، ونزح حوالى مليوني شخص داخل أوكرانيا نفسها، بحسب مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
تدمير دنيبرو
كانت دنيبرو المركز الصناعي الواقع على نهر دنيبر الفاصل بين شرق أوكرانيا الموالي جزئياً لروسيا وبقية البلاد، هدفا لغارات أسفرت عن مقتل شخص على الأقل وفقاً للسلطات المحلية.
وأعلنت خدمات الطوارئ الأوكرانية أنه في وقت مبكر الجمعة "تعرضت المدينة لثلاث غارات جوية استهدفت حضانة أطفال ومبنى سكنياً ومصنعاً للأحذية من طبقتين اندلع فيه حريق. وقتل شخص".
وتضاف مشاهد الحرب إلى تلك التي ارتسمت في خاركيف وماريوبول التي قضى 1582 من سكانها خلال الحصار. فقد استيقظ أهالي دنيبرو مذهولين على مشاهد مبان محترقة أو مدمرة.
يمكن رؤية إطفائيين في لقطات فيديو يحاولون إخماد نيران في أنقاض مشتعلة. وبعض الأبنية استحالت مجموعة من الدعائم وهياكل معدنية ملتوية.
وبعد مستشفى للأطفال الأربعاء في ماريوبول على بحر أزوف، تعرض مركز للمعوّقين قرب خاركيف في شمال شرق البلاد، لضربة الجمعة لم تسفر عن أي خسائر بشرية.
وبحسب رئيس الإدارة الإقليمية أوليه سينغوبوف كان هناك 330 شخصاً، بينهم 10 على كراسٍ متحركة و50 من ذوي الحاجات الخاصة، في الموقع وقت الهجوم.
كما قتل جنديان أوكرانيان وأصيب ستة في قصف على مطار لوتسك العسكري شمال غرب البلاد. كذلك، استهدفت القوات الروسية مطار إيفانو-فرانكيفسك العسكري في أقصى غرب البلاد. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف إن القاعدتين الجويتين "أصبحتا خارج الخدمة".
كما نفّذت غارات ليلية على مدن تشيرنيهيف (شمال) وسومي (شمال شرق) وخاركيف، ما ألحق أضراراً بمبانٍ سكنية.
تدهور الوضع الإنساني
ويستمر الوضع الإنساني في التدهور في المناطق المحاصرة أو المهددة بالهجوم الروسي.
وتعكس الأنباء النادرة جداً من مدينة ماريوبول الساحلية الاستراتيجية يأس السكان العالقين في المدينة التي تحاصرها القوات الروسية، بين جثث متروكة في الشوارع ومدنيين يحاولون الفرار.
ويحاول من تمكّنوا من المغادرة ايجاد سبل للاستعلام حول الذين بقوا في المدينة التي تعاني انقطاعاً في المياه والغاز والتيار الكهربائي والاتصالات. وفي الأيام الأخيرة، شوهد سكان المدينة يتقاتلون من أجل الطعام.
في مشرحة ميكولايف، وهي مدينة واقعة على شواطئ البحر الأسود تتعرض للقصف الروسي منذ أيام، تتراكم الجثث على الأرض وفي فنائها حيث تتساقط الثلوج بدون توقف، بحسب ما أفاد مراسل في وكالة فرانس برس.
وأكد حاكم المنطقة فيتالي كيم "دفعنا العدو خارج حدود مدينتنا".
وبعد الوصول إلى ضواحي كييف، حاول الجيش الروسي أيضاً تدمير الدفاعات الأوكرانية في العديد من المناطق إلى غرب العاصمة وشمالها من أجل "صدها"، وفق ما أوضحت رئاسة الأركان الأوكرانية ليل الخميس الجمعة.
وقال ميخايلو بودولياك، أحد مستشاري الرئيس الأوكراني في مقطع فيديو "كييف رمز للمقاومة" وهي تستعد لـ"دفاع مستميت".
وأجلي نحو 20 ألف شخص يومي الأربعاء والخميس، وحوالى 100 ألف في اليومين الماضيين من المدن التي تشهد معارك، وفق السلطات.
إلى ذلك، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الجمعة إن الولايات المتحدة لم ترَ دليلاً على وجود قوات بيلاروسية في أوكرانيا.
وصرّح المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي للصحافيين "لم نرَ أي مؤشرات على تحرك عسكريين أو قوات بيلاروسية داخل أوكرانيا... هذا لا يعني أن ذلك لا يمكن أن يحدث أو أنه لن يحدث".
قال أوليكسي أريستوفيتش، وهو مستشار آخر لزيلينسكي "لم يحقق العدو أي نجاح ملموس خلال الـ24 ساعة الماضية، فقد أوقف تقدمه في كل الاتجاهات تقريباً بسبب صواريخنا وضرباتنا الجوية والبرية".
مقاتلون "متطوعون"
وأشارت مصادر عسكرية غربية إلى تباطؤ في تقدم الجنود الروس فيما أعطى الرئيس فلاديمير بوتين الضوء الأخضر لإرسال مقاتلين "متطوعين" خصوصاً من سوريا.
وقال زيلينسكي في مقطع فيديو "إنها حرب مع عدو عنيد جدًا ... قرر استخدام مرتزقة ضد مواطنينا. قتلة من سوريا، من بلد دمر فيه المحتلون كل شيء، كما يفعلون بنا".
واقترح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الجمعة إرسال سوريين إلى الجبهة الأوكرانية وقد وافق بوتين على الاقتراح في اجتماع لمجلس الأمن القومي.
وقال بوتين "إذا رأيتم أن الناس يريدون الذهاب إلى هناك طوعاً (...) ومساعدة من يعيشون في دونباس (شرق أوكرانيا) عليكم مقابلتهم ومساعدتهم في الوصول إلى منطقة القتال".
وأضاف "الغرب يجمع مرتزقة من كل أنحاء العالم لإرسالهم إلى أوكرانيا" لكنه أشار في الوقت نفسه إلى "تحولات إيجابية" في المحادثات بين موسكو وكييف.
في تطور آخر، اتهمت دول غربية الجمعة روسيا بنشر نظريات مؤامرة "جامحة" في الأمم المتحدة بعد أن اتهم مندوب موسكو خلال جلسة لمجلس الأمن الولايات المتحدة وأوكرانيا بإجراء أبحاث لاستخدام الخفافيش في شن حرب بيولوجية.
في غضون ذلك، قالت روسيا الجمعة إنها ستلاحق شركة ميتا قانونياً بسبب "دعوات إلى قتل" مواطنين روس، مشيرة إلى أن الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام خففت قواعدها بشأن الرسائل العنيفة التي تستهدف الجيش والقادة الروس. وأعلنت هيئة روسكومنادزور الروسية الناظمة في بيان "حظر الوصول إلى تطبيق إنستغرام في روسيا".
رغم كل شيء، يبدو أن الأوكرانيين يحافظون على معنوياتهم. وقالت إيرينا سيرغييفا، وهي من جنود الاحتياط منذ العام 2017، في كييف "منذ الأيام الأولى، وصل عدد كبير من الشابات اللواتي أردن الحصول على بندقية والذهاب للقتال".
عقوبات تجارية
معلناً حرصه على تجنب "المواجهة المباشرة" بين حلف شمال الأطلسي وروسيا لأنها قد تتسبب في "حرب عالمية ثالثة"، بدا بايدن، بالتنسيق مع مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي، الجمعة مصمماً على استبعاد روسيا من التجارة الدولية.
وأعلن بايدن الجمعة أن الولايات المتحدة وحلفاءها قرروا استبعاد روسيا من نظام التجارة التبادلي المعمول به في التجارة العالمية، ما يمهد لفرض رسوم جمركية عقابية رداً على اجتياح اوكرانيا.
وقال "نتخذ أيضاً إجراءات إضافية لحظر القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الروسي، خصوصاً المنتجات البحرية والفودكا والأحجار الكريمة".
في السياق، حظرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تصدير المجوهرات والسيارات والملابس الفاخرة إلى روسيا وحليفتها بيلاروس.
كذلك، انسحبت شركة التبغ البريطانية-الأميركية (بات) من السوق الروسية، حاذية حذو عدد لا يحصى من الشركات الغربية الأخرى.
لكن مجموعة السبع حضت الدول على عدم تقييد صادراتها الغذائية بسبب الحرب في أوكرانيا بعد اجتماع لوزراء الزراعة لمناقشة الأزمة في برلين.
وحذرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) من أن الخطر يتمثل في أن ثمانية إلى 13 مليون شخص إضافي يعانون نقص تغذية في العالم.
وسط هذه التطورات، أعلن "دويتشه بنك"، أكبر مصرف في ألمانيا، الجمعة أنه سينسحب من روسيا، حاذياً بذلك حذو مؤسسات مالية دولية أُخرى.