طانطان: نصبت قبائل الصحراء المغربية خيامها حول ساحة "السلام والتسامح" الفسيحة على مشارف مدينة طانطان (جنوب المغرب) ، والتي تحولت إلى ميدان متعدد الوظائف، ومنصة لاسترجاع ذاكرة البدو الرحل من خلال لوحات فنية ستستمر على مدى أسبوع في إطار موسم طانطان الثقافي، الذي أعطيت انطلاقته الرسمية مساء (السبت).
ففي الطرف الشرقي للساحة وقفت فرق الخيالة القادمة من مختلف مناطق المغرب في انتظار إعطاء الإشارة لتؤدي لوحات "التبوريدة" الرائعة المميزة لفن الفروسية القبلي المغربي، والتي تصور هجوما ينتهي بإطلاق النار في الهواء من طرف الفرسان. فيما نصبت المنصة الرسمية لضيوف الشرف في الجانب الغربي. وقبل انطلاق ألعاب الفروسية توالت في الساحة عدة لوحات فنية تصور حياة البدو، جلب الماء على ظهر الجمال، وصول ضيوف في قافلة ضمنها هودج للنساء والأطفال ،وكيفية استقبالهم والاحتفاء بهم. لوحات تمثل مختلف أنشطة الأطفال من تعلم القرآن على الألواح إلى مختلف أنواع الألعاب التي يمارسها الأطفال الصحراويون. وفي جنبات الساحة خيام وأنشطة يومية للعائلات الصحراوية، نساء يجلبن الحطب، أساليب وأواني الطبيخ، حفلات الشاي، وغيرها من الأنشطة. إضافة إلى العروض التي تقدمها فرق راكبي الجمال في وسط الساحة.
وقال فاضل بنيعيش، رئيس مؤسسة ألموكار المنظمة للمهرجان وسفير المغرب بإسبانيا، "يشكل موسم طانطان، الذي دخل هذه السنة عامه ال 13، فرصة لنجتمع كعائلة واحدة من أجل الاحتفاء بالثقافة الحسانية وتثمين ثراثها".
ويخلد المهرجان ذكرى موسم طانطان التاريخي، الذي كان يجمع قديما قبائل الصحراء حول بئر على ضفاف واد بنخليل لمدة أسبوع، وكان الموسم في الماضي يشكل فرصة للإحتفال والتجارة. غير أن هذا الملتقى الذي كان يجمع أزيد من 30 قبيلة صحراوية بشكل عفوي وتلقائي تلاشى تدريجيا مع التحولات الإجتماعية المعاصر. وبتعليمات من العاهل المغربي الملك محمد السادس أعيد إحياء موسم طانطان بهدف الحفاظ على ثراث البدو الرحل. وتشكلت مؤسسة الموكار للاعتناء بالمهرجان والمحافظة على الثقافة الصحراوية وأسلوب العيش التقليدي للبدو الرحل وثراثهم الشفهي المتوارث. وفي سنة 2005 اعترفت منظمة اليونسكو بالموسم كثراث شفهي لا مادي للإنسائية ليثم تسجيله في لائحتها في سنة2008.
ويقول بنيعيش "ما يميز دورة هذه السنة هو التوجه الإفريقي للمهرجان، في سياق عودة المغرب للإتحاد الإفريقي والإهتمام الملكي بالعلاقات مع إفريقيا". وأضاف بنيعيش إن المحافظات الصحراوية التي لعبت تاريخيا دور الجسر بين المغرب وعمقه الإفريقي أولى أن تحتفي بهذا التوجه الاستراتيجي، وأن تبرز رصيدها التاريخي في هذا المجال. لذلك، يضيف بنيعيش، تم اختيار السنغال كضيف شرف على هذه الدورة.
ومن بين اللوحات الفنية التي عرضت مساء السبت خلال الافتتاح الرسمي للمهرجان، لوحة تمثل وصول سنغاليين واستقبالهم من طرف الصحراويين. وحضر افتتاح المهرجان سفراء 30 دولة إفريقية في الرباط.
وللسنة الثانية على التوالي تشارك دولة الإمارات العربية المتحدة في المهرجان كشريك رسمي دائم في تنظيمه. وقال عيسى سيف الخزاعي، نائب رئيس هيئة المهرجانات والثراث بدولة الإمارات العربية"مشاركتنا تندرج في إطار سعينا لدعم مبادرات الحفاظ على الثراث العربي، تمشيا مع توجيهات قائدي البلدين، والعلاقات التاريخية الراسخة التي تجمعهما". وفي سياق هذه المشاركة ، أقامت دولة الإمارات مضمارا عصريا لسباق الهجن في طنطان، والذي سيتم افتتاحه بمناسبة المهرجان. ويهدف هذا المشروع إلى تشجيع تربية هذا النوع من الجمال في الصحراء المغربية.
وعلى مدى أسبوع ستعيش مدينة طانطان على إيقاع الأهازيج الشعبية المغربية والإفريقية والإماراتية، بالإضافة إلى سهرات فنية مع نجوم الأغنية المغربية، وجلسات شعرية، وأمسيات للموسيقى والشعر الحساني. كما تتخلل المهرجان العديد من التظاهرات الرياضية والأنشطة الترفيهية. وستنظم على هامش المهرجان قافلة طبية بمبادرة من مؤسسة محمد الخامس للتضامن لتوفير العلاج والخدمات الطبية بالمجان للسكان المعوزين.
ويوم امس السبت ، نظم بالموازاة مع المهرجان منتدى للأعمال والاستثمار، بمشاركة وفود أعمال من عدة دول إفريقية والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وإسبانيا وكاليدونيا الجديدة، والذي تضمن ندوات للتعريف بمؤهلات وفرص الاستثمار بالمنطقة، خاصة في السياحة والصيد البحري والزراعة والصناعة والطاقات المتجددة. كما تضمن لقاءات عمل ثنائية بين المستثمرين المدعوين والفاعلين الإقتصاديين المحليين.