الرباط: استقر مؤشر إجابات استطلاع "إيلاف المغرب" بخصوص سؤال عما إذا كانت استعادة المغرب لعضويته في منظمة الاتحاد الإفريقي ستساهم في حل نزاع الصحراء أم لا ؟ عند النتيجة الآتية: نعم 73.33 في المائة من مجموع المستجوبين المشاركين في الاستطلاع الذي مر على وضعه أسبوع كامل في واجهة الموقع.
وأجابت نسبة 20% من العينة ب "لا" عن ذات السؤال ، فيما رفض 6.67 الإدلاء برأي سلبي أو إيجابي بشأن السؤال.
وتابعنا في "إيلاف المغرب" حركية مؤشر الأجوبة حيث لوحظ عدم استقراره أولا، إذ تحفظ أو تردد الموافقون في الأيام الأولى التي أعقبت وضع السؤال، ليرتفع التأييد في الأيام الأخيرة نحو السبعين في المائة، بينما تغيرت أجوبة الرافضين ببطء.
فما هي القراءة الممكنة لما عبر عنه المستجوبون؟ مع التذكير أن استطلاعات "إيلاف المغرب" لا تدعي استكناه الحقائق المطلقة، وإنما محاولة تلمس درجة انشغالات المغاربة بواحدة من قضاياهم الكبرى والمقصود هنا ملف الصحراء، أو ما يعبر عنه باستكمال الوحدة الترابية؛ وبالتالي فان الأجوبة لا بد وأن تتسم بالصدق من دون الحاجة إلى أية محاباة للموقف الرسمي أو تغليط للرأي العام الوطني.
ويتزامن الاستطلاع مع زيارات العاهل المغربي الملك محمدالسادس لبعض الدول الأفريقية في المدة الأخيرة، وضمنها تلك التي اعترفت ب"الجمهورية الصحراوية". وهذا في حد ذاته انقلاب في الموقف المغربي المنسحب سابقا من منظمة الوحدة الإفريقية ، غضبا واحتجاجا على قبولها عضوية من يسميهم المغاربة "الانفصاليين". مغادرة اعتقد المغاربة في مرحلة أنها بدون عودة وأن القطيعة مع القارة السمراء نهائية. لكن رياح الأحداث الدولية والإقليمية فرضت مراجعة الموقف المغربي فانتعشت الآمال في طي الملف بالوسائل السلمية.
وتعكس نسبة الإجابات التي تعتقد أن عودة المغرب إلى الحضن الإفريقي ستساهم في التوصل إلى حل لنزاع الصحراء، اصطفاف المغاربة وراء عاهلهم وثقتهم في السياسة الخارجية التي ينهجها على الصعيد الأفريقي بخصوص قضيتهم الوطنية ، كما يعتقد المستجوبون أن عودة بلادهم إلى المنتظم الإفريقي، لا تعني مطلقا التراجع أو التفريط في الحقوق الثابتة في أقاليمه الجنوبية ؛ بقدر ما يهدف تحرك الرباط الجديد إلى إرباك الخصوم وفضح زيف ألاعبيهم والتدليل على أنهم "ليسوا حركة تحرر وطني، كما يزعمون وما هم إلا جماعة مسلحة من المرتزقة، تأتمر بأوامر الجهات التي صنعتها، في سياق صراع دولي لم يعد قائما"، فتحولت جبهة البوليساريو مع مرور الزمن، إلى أسيرة لحاضنيها، لا تستطيع التمرد علي مخططهم أو الخروج على الأجندة التي أوكل إليهم، أي الانفصاليين، تنفيذها، ما أدى إلى فشل المساعي السلمية وتعنت "البوليساريو" في رفض كل العروض التفاوضية التي تقدم بها المغرب، بلغت حد القبول بالجبهة كمكون ضمن نسيج المعارضة الوطنية، لها رأي بخصوص الصحراء، مثل القضايا الأخرى، إنما تحت راية المغرب وسيادته.
هل حدث تطور في المواقف يبرر التفاؤل الذي عبرت عنه نسبة عالية من المستجوبين؟ يصعب الجزم بجواب قاطع. لكن لا مفر من الاعتراف بحدوث تغيير جذري في الموقف المغربي الذي يتحرك بسرعات متزامنة : استمرار المجهود التنموي في الصحراء ، المضي قدما في تنفيذ الجهوية المتقدمة، تعزيز الوجود العسكري والثبات على الموقف الوطني المبدئي ،إلى جانب نشاط دبلوماسي خارجي ومخاطبة صريحة للقادة الأفارقة بدل لومهم على الخطأ الذي ارتكبته دولهم في حق المغرب، بالنظر إلى أنها مرحلة ولت، تولدت عنها في النهاية حقائق جديدة على الأرض ، كانت غائبة في حينها عن الدول التي استعجلت الاعتراف بـ"الجمهورية الصحراوية"، المفتقدة لأساسيات ومقومات الدولة الحديثة.
والمؤكد أن دبلوماسية " غزو الخصوم في عقر دارهم "ومد اليد الصادقة إليهم ، أصبح محرك الدبلوماسية المغربية حيال القارة الإفريقية في المدة الأخيرة . اذ نجحت الرباط في جني مكاسب أولية تجلت في لقاءات قارية شارك فيها المغرب ، استطاعت إحداث شرخ في الصفوف التي طالما ناصبت المغرب العداء إلى زمن قريب لتكتشف أن شبكتها أخذة في الانكماش والعزلة .
وبطبيعة الحال ، فإن نسبة 20 في المائة من المشككين في إحداث شرخ في جدار الخصوم، يضاف إليها أكثر من 7 في المائة عبروا عن "لا موقف" حيال ما يجري . مجموع النسبتين الذي يشارف على الثلاثين في المائة ، له وزنه المهم في نتائج هذا الاستطلاع ، إذ يمكن أن يكون معبرا عن رأي فئة واعية من المستجوبين، تتابع تطور ملف الصحراء وتواكب مستجدياته في الداخل والخارج، وبالتالي فإن ميزانها يتسم بالدقة والتريث من دون استباق الأحداث يجب وصفه ب "الحذر الموضوعي" .
وبالجملة فإنه لو وضع نفس السؤال على المغاربة قبل التحول الذي أعلنته بلادهم في اتجاه التصالح مع إفريقيا؛ لاختلفت نتيجة التصويت بالإعراب عن تشكك ويأس.
وحيث أن الاستطلاع تزامن مع تطورات متلاحقة عكستها رغبة العاهل المغربي القوية في استبدال الخصومات المفتعلة التي سببتها طفيليات" البوليساريو" بالتحالف والتعاون مع افريقيا ، من أجل قهر الفقر والتخلف ووضع اليد في اليد ، خاصة وأن القوى الأجنبية التي عول عليها الأفارقة بدأت تعطي إشارات الانكفاء على الذات والتفرغ لمشاكلها الداخلية.