برّأ الإدعاء العام البريطاني جهاز الاستخبارات الخارجي (إم آي 6) من اتهامات كانت وجّهت إليه بشأن اختطاف واحتجاز أسرتين ليبيتين منذ 12 عامًا، وبأنهما تعرّضتا للتعذيب.
لندن: جاء قرار الإدعاء العام البريطاني في قضية تسليم المعارض الليبي السابق عبدالحكيم بلحاج وزوجته إلى السلطات الليبية في العام 2004. وقال المدّعي العام إنه لا توجد "أدلة كافية" يمكن من خلالها توجيه التهمة إلى أي من العاملين أو المسؤولين في جهاز الاستخبارات الخارجي، وذلك بعد بحث ملف قضية مكوّن من 28 ألف صفحة قدمته شرطة العاصمة.
يشار إلى أنه في معركة قضائية غير مسبوقة بشأن أحقية النظر في القضية (في المحاكم البريطانية)، كانت المحكمة العليا في بريطانيا بدأت في نوفمبر 2015 النظر في شكوى عبدالحكيم، التي كانت تتضمن مزاعم ضد وزير الخارجية البريطاني السابق، جاك سترو، وجهاز الاستخبارات (إم آي 6).
ويتهم بلحاج المعروف بانتمائه إلى التيار الإسلامي وبقيادته لميليشيا إسلامية مسلحة مناهضة لنظام العقيد معمّر القذافي، يتهم جهاز الاستخبارات البريطاني بأنه ساعد على ترتيب عملية تسليمه وزوجته فاطمة بودشار إلى الحكومة الليبية أثناء حكم الزعيم السابق معمّر القذافي، حيث تم اقتيادهما سرًا من تايلاند إلى ليبيا.
وكان مواطنه سامي الساعدي وأفراد عائلته سلموا كذلك إلى الحكومة الليبية في العام 2004، حيث تثار مزاعم بأنهم تعرّضوا للتعذيب. وقال محامو بلحاج وزوجته إن ترحيلهما إلى ليبيا كان عملية مشتركة بين وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) وجهاز الاستخبارات البريطاني، وذلك في إطار مساعدة القذافي في التخلص من معارضيه.
تعذيب واستجواب
يزعم بلحاج أنه تعرّض للتعذيب من طرف الأمن الليبي، وأنه كان يستجوب طيلة فترة سجنه، التي بلغت ست سنوات، من طرف ضباط في الاستخبارات البريطانية. وكانت بودشار، زوجة بلحاج، حاملًا لحظة توقيفها ونقلها من تايلاند إلى ليبيا، حيث قضت خمسة أشهر في سجن هناك.
وفي أول شهادة لها أمام وسائل الإعلام، كانت بودشار قالت في نوفمبر 2015 لـ(بي بي سي): "كانت يداي ورجلاي مقيدتين، وعيناي معصوبتين، وتم حقني بمادة لا أعرف ما هي، ولم أكن أعلم إلى أين يأخذونني. كنت حاملًا في الشهر السادس، وكنت أخشى أن أموت".
وبعد سقوط نظام معمّر القذافي في نهاية العام 2011، عثر على وثائق تحتوي على معلومات بخصوص ما قيل إنه ضلوع جهاز الاستخبارات البريطاني في عملية ترحيل وتسليم بلحاج وعائلته إلى السلطات الليبية.
رسائل إلى موسى كوسا
كما يشار إلى أنه في شهر يناير 2012، فتحت الشرطة البريطانية ومكتب الإدعاء العام تحقيقًا في تلك المزاعم، وما تشير إليه الوثائق التي عثر عليها.
تتضمن تلك الوثائق رسائل تحمل إمضاء "مارك"، والذي قيل إنه هو نفسه مارك آلان، الرئيس السابق لقسم مكافحة الإرهاب في جهاز الاستخبارات البريطاني (إم اي 6).
وفي رسالة ترجع إلى مارس 2004، يكتب مارك شاكرًا موسى كوسا، الذي شغل منصب مدير الاستخبارات الليبية في عهد القذافي، على جهوده ومساعدته على ترتيب لقاء في الصحراء بين توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق والقذافي. وكان ذلك في إطار مسعى إلى تطبيع العلاقات المتأزمة آنذاك بين ليبيا وبريطانيا.
كتب مارك أيضًا: "أهنّئك على القدوم الآمن لأبي عبد الله صادق (بلحاج)، وهذا أقل ما كان يمكن لنا أن نفعله لكم ولليبيا، كي نظهر لكم العلاقات المميزة التي تمكنّا من بنائها على مر السنوات".
الخطف السرّي
تجدر الإشارة إلى أن ضباطًا تابعين لوكالة المخابرات المركزية الأميركية كانوا تسلموا عبدالحكيم بلحاج، بعدما تلقوا معلومة من جهاز (إم آي 6) البريطاني، ونقل بلحاج جوًا عبر جزيرة دييغو غارسيا البريطانية في المحيط الهندي إلى طرابلس.
ولأنه كان خصمًا قديمًا للقذافي، وضع بلحاج في السجن، وتعرّض للتعذيب، إلى أن أطلق سراحه عام 2010، كما تعرّضت زوجته لإساءة المعاملة أثناء حبسها لمدة أربعة أشهر.
وبعد سقوط القذافي عثر على وثائق تشير إلى أن مسؤولين بريطانيين كانوا على اتصال بقائد المخابرات الليبية السابق موسى كوسا في ما يتعلق ببلحاج.
وكان بلحاج قال في بيان: "الجزء الخاص بنا في الاتفاق في الصحراء وهو الخطف والسجن السري لوكالة المخابرات المركزية الأميركية وغرفة التعذيب في طرابلس... يبدو مؤلمًا وحديثًا وكأنه حدث بالأمس فقط، لم نحلم قط بأن بريطانيا ستتآمر في شيء كهذا إلى أن رأينا الدليل بأعيننا".