: آخر تحديث
اليوسفي: لا يجوز التنكر للمساهمين في بناء تاريخ البلاد

بومدين عرض على صحافي مغربي رئاسة "الجمهورية الصحراوية"

255
245
255

إيلاف من الرباط: كشف مبارك بودرقة الملقب "عباس"، احد قادة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المنفى خلال سنوات الاحتقان السياسي في المغرب، ان  الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين اقترح  في منتصف عقد السبعينات من القرن الماضي على  الكاتب الصحافي الراحل باهي محمد تولي منصب رئيس "الجمهورية الصحراوية"، التي أعلنتها جبهة البوليساريو من جانب واحد بدعم من الجزائر وليبيا ، وهو المنصب الذي آل في ما بعد لمحمد عبد العزيز  الذي توفي اخيرا بعد مرض عضال ألمّ به .

وأضاف بودرقة، الذي كان يتحدث مساء الجمعة في لقاء نظم في الرباط إحياء للذكرى العشرين لرحيل الصحافي باهي محمد، الذي وافته المنية في يونيو  1996، انه حسب شهادات بعض من جيل الراحل  فإن عرض الرئيس بومدين جاء باقتراح من عبد العزيز بوتفليقة الذي كان آنذاك وزيرا للخارجية  سنة 1975، وهو الأمر الذي رفضه باهي بعد رجوعه الى باريس التي كتب منها رسالته الشهيرة التي قال فيها:" لا تجعلوا لينين في خدمة فرانكو " .

و سلط بودرقة، وهو أُحد رفاق درب باهي، الأضواء على البعد الوطني والوحدوي في شخصية باهي ، المنحدر من الجنوب، والذي قاوم إغراءات ومحاولات التوريط في متاهات الطروحات المناوئة للوحدة الترابية للمملكة، واختار طوعا أن يكون رجلا وطنيا مغربي الانتماء والهوية.

من جهته، قال عبد الرحمن اليوسفي، رئيس الوزراء المغربي  الأسبق، إن الصحافي والكاتب والمناضل الراحل باهي محمد كان في مقدمة مؤسسي الممارسة الصحافية المعاصرة في المغرب، وظلت كتاباته في الصحف الوطنية من أكثر وأعمق الكتابات في المتن الصحافي المغربي.

وذكر اليوسفي ان لحظة احياء ذكرى رحيل باهي "الولد المرابطي الشنقيطي الشهم الشامخ" تعد "وقفة وفاء واعتزاز باستعادة الصحافي الكاتب والمناضل الفذ باهي محمد حرمة في ذكرى رحيله العشرين، وتجديد الثقة في رصيده وتاريخه المكتوب والشفوي، والامتنان بفضله على المغرب وحركته الوطنية، وإسهامه الواسع العميق في الحركة الوطنية الديمقراطية، وإثراء وتطوير سيرورة الممارسة الصحافية الملتزمة في المغرب وفي المغرب الكبير، وفي الامتداد العربي كله". 

وأضاف اليوسفي أن وقفة الوفاء هذه تعيد قراءة جزء من الإنتاج الفكري والإعلامي الواسع والغني للراحل باهي ، وتضحياته وعطاءاته وحضوره المشع المضيء والفاعل في التاريخ الوطني وفي مسيرة تحرر المغرب واستقلاله وفي بنائه الديمقراطي ومأسسته التحديثية. 

و أبرز اليوسفي الخصال المهنية الرفيعة التي تحلى بها الصحافي باهي ، وتجربته الميدانية الواسعة، مؤكدا أنه كان "صحافيا مهنيا قبل كل شيء، يدرك أصول مهنته وروحها المنهجية ومستلزماتها العرفية والنضالية والأخلاقية" فضلا عن تأثيره "في مسارات الأحداث الكبرى التي طبعت الحياة المغربية والتفاعلات التاريخية التي عاشها المغرب الكبير".

واسترسل اليوسفي قائلا "إن قلم باهي الجريء وروحه المهنية الوثابة كان لهما أثر مرجعي بليغ وحاذق وملتزم التزاما مهنيا وأخلاقيا وفكريا وموضوعيا في القضايا المغاربية، وفي ما يخص تاريخ وتطورات الأقاليم الصحراوية، وكذا ما يتصل بأبعاد وتشابكات القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي فضلا عن اهتماماته ذات الطبيعة الاستراتيجية".

وتوقف اليوسفي ، كذلك، عند تجل آخر لعطاءات الراحل باهي ، مبرزا أن أسلوبه انطبع بحسه السردي البارع ومدخراته الأدبية - الشعرية منها، خصوصا التاريخية والفكرية، واستخدامه الجيد والأمين والشجاع والموضوعي لمصادر معلوماته، وخبرته الممتدة في الزمان والمكان بالأشخاص والفاعلين.

ودعا اليوسفي، في هذا السياق، إلى الاعتراف والامتنان، وإيلاء الاعتبار لاسم باهي محمد، وذكره وتراثه وأسرته الصغيرة قبل أن يختم بالقول "لا حق لبلاد تفكر في مستقبلها ان تتنكر لتاريخها وجميع الذين واللواتي أسهموا واسهمن في بناء هذا التاريخ وإثراء سيرورته". 

وتحدث حفيظ أمازيغ، رئيس "حلقة أصدقاء باهي"، عن إعادة رسم الخطوات التاريخية لباهي الذي أثر في التاريخ المغربي والعربي كصحافي ارتبط مساره الإعلامي بمساره النضالي داخل الحركة الوطنية، عن طريق ما تم إنجازه من عمل نشر حول رسالته الباريسية  التي كان ينتظرها عشرات الآلاف من القراء المغاربة  كل أسبوع.

من جهتها، دعت الكاتبة السورية حميدة نعنع، في هذا السياق، إلى الاعتراف والامتنان، وإيلاء الاعتبار لاسم  باهي محمد ، وذكره وتراثه وأسرته الصغيرة.

وشددت نعنع على ضرورة البحث أكثر عن تراث الراحل باهي لأن اصداراته غزيرة، وذكرت على سبيل المثال ثلاث روايات لباهي كانت قد ضاعت من الراحل في ميترو باريس جراء نسيانه الدائم  لحقيبته.

من جهته، قال الكاتب والشاعر المغربي  حسن نجمي، إن الراحل باهي محمد يعد أحد أركان الممارسة الصحافية في المغرب، مبرزا أن هذه المبادرة "تجسد الأفق الرحب من الوفاء واستعادة الذاكرة التي كان يجسدها رمز من رموز الإعلام والنضال والفكر المغربي، والعرفان لمساره النضالي المشع واختياراته العميقة في الانتماء الى الوطن بمعناه الرمزي والتاريخي والحداثي". 

بدوره، نوه عبد الله ساعف، رئيس مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة، بالعمل والجهد الكبير المتمثل في تجميع وإصدار جزء من الأعمال الصحفية للراحل باهي محمد، "وخاصة (رسالة باريس) التي عاش تجربتها، عبر استمرارية مثيرة وفريدة، جيل كامل، وشكلت أرضية للنقاش المغذي للحقل السياسي الوطني". 

وسجل ساعف أن كتابات الراحل باهي ، والأجناس الصحافية التي كان يمارسها تنضح بمرجعية فلسفية وفكرية وقراءات معمقة لم تفقد راهنيتها إلى اليوم. 

وتخللت هذا اللقاء، الذي استقطب نخبة من قادة الحركة الوطنية وجيش التحرير، والفاعلين السياسيين والأدباء والمثقفين والإعلاميين، شهادات صنعت لحظة وفاء رفيعة لمن جايلوا الراحل باهي محمد واقتسموا معه محطات مفصلية في حياته الحبلى بالمنعرجات والتحولات. 

وعددت هذه الشهادات سجايا الراحل وخصاله الإنسانية والمهنية ووفاءه لمغربيته "التي يعتز بها، والتي لم ينل منها لا المنفى ولا المضايقات"، كما أكدت ضرورة نشر أعماله وتجميع تراثه الواسع الذي نشر في عدد من الصحف العربية الكبرى باعتباره ملكا جماعيا. 

وجرى على هامش هذه الاحتفالية تقديم الإصدار الرسمي للأعمال الكاملة للراحل باهي محمد، المعروفة تحت اسم (رسالة باريس)، وهي مراسلة كانت تصدر كل يوم ثلاثاء بجريدة (الاتحاد الاشتراكي) ما بين 1986 و1996.

وعرف الراحل باهي محمد بمواقفه كمناضل كبير، سواء في المغرب أو المنطقة المغاربية أو العالم العربي. وكان استأثر باهتمام العديد من الكتاب والشعراء والصحافيين المرموقين، كعبد الرحمن منيف، الذي خصص كتابا لباهي محمد، حمل عنوان "عروة الزمن الباهي". 
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في أخبار