إيلاف من كان (فرنسا): بدأت فعاليات الدورة الـ 77 من مهرجان كان السينمائي الدولي، الثلاثاء، وسط محاولات مستميتة للفرار في "شيطان السياسة" الذي أصبح يطغى على التظاهرات والفعاليات والمهرجات الفنية، ونجحت إدارة المهرجان في تجنب الظل السياسي لأحدث غزة، وغزو أوكرانيا، وقبضة إيران السياسية التي أسفرت عن هروب المخرج الإيراني رسولوف الذي كان حاضراً في أروقة افتتاح المهرجان.
سياسياً تستمر تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، التي كانت على مائدة المهرجان العام الماضي بكلمة ألقاها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في حفل افتتاح الدورة 76.
وفي الشرق الأوسط تستعر الحرب على غزة، وسط مخاوف من اقتحام كارثي لرفح.
أما على الصعيد الفني فإن حملة (ME Too) التي تندد بالاستغلال الجنسي للنساء في كواليس صناعة السنما، فقد طالت عدد من الأسماء الهامة في هذه الصناعة في فرنسا، وأيضًا احتجاجات من جانب عمال السينما غير المستقرة.
مشروع إضراب قبل حفل خاطف للأنظار
قبل دقائق من انطلاق حفل افتتاح مهرجان كان، نجحت الشرطة الفرنسية، في فض وقفة احتجاجية لـ"جمعية العمال غير المستقرين في المهرجانات السينمائية"، والتي تضم حوالي 200 عامل فرنسي، بما فيهم من يعملون في مهرجان كان، وإدارة المهرجان السينمائي، والأقسام الموازية لأسبوع المخرجين وأسبوع النقاد، فالجميع يشتكون من قلة أجورهم، وعملهم غير المنتظم على مدار العام، والمتمثل في موسم واحد فقط.
لا رموز سياسية
وقد تم فض الوقفة الاحتجاجية، حيث منعت المدينة التظاهر، وتنظيم أية مسيرات على طول شاطئ كروازيت، خلال فترة المهرجان، وعدم السماح بأية مسيرات لها علاقة بنزاعات سياسية، كما منعت إدارة المهرجان الحضور من ارتداء أية شارات لدعم فلسطين أو غيرها، وهو القرار الذي يتم تطبيقه على الجميع، عرباً وأجانب.
رئيس المهرجان، تييري فريمو كان واضحا ً وصريحا بتصريحاته قبل المهرجان، إذ قال إن القرار جاء بهدف الابتعاد عن الجدل، وجعل الجميع أكثر تركيزاً على الأفلام والسينما، ولا شيء آخر، وذلك عكس المساحة التي تركها المهرجان من قبل لدعم قضايا مختلفة، آخرها كان العام الماضي حيث دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا، بتخصيص وقت في حفل الافتتاح لعرض كلمة الرئيس الأوكراني.
ميريل ستريب .. تكريم الأيقونة
ووسط تلك الأجواء المشحونة سياسيًا، كان حفل الافتتاح بمثابة التحية الصامتة للنساء، حيث تم منح نجمة هوليوود الاستثنائية ميريل ستريب، السعفة الذهبية الفخرية، والتي قدمتها لها الممثلة الفرسية جولييت بينوش، ومقدمة الحفل كاميّ كوتان.
الاحتفاء بـ ميريل ستريب كان مؤثرًا للغاية، وغلبت الدموع الفنانة التي تحضر مهرجان كان بعد غياب دام حوالي 35 عامًا، وتحديداً منذ عام 1989، حينما حصلت على جائزة أفضل ممثلة عن فيلم "Evil Angels".
صعدت "ستريب" البالغة من العمر 74 عامًا المسرح وسط تصفيق يعادل تاريخها السينمائي، ثم قدمت لها الممثلة الفرنسية جوليت بينوش جائزة السعفة الذهبية الفخرية بكلمات مؤثرة قائلة: "لقد نجحت في تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى النساء في عالم السينما، ومنحتينا صورة مختلفة عن أنفسنا، أنت تمثلين نموذجًا خالدًا في السينما تعلمنا منه وسنظل نتعلم منه"، ما دفع كلتاهما بالبكاء.
"أنا أيضاً".. حضور لافت
وبالطبع، كانت أصداء حركة (Me Too) حاضرة، بعد 7 سنوات من انطلاق شرارتها، بشهادات طالت فنادق مدينة كان، التي كانت شاهدًا على حوادث الاعتداءات الجنسية التي أدين بها المنتج الهوليودي السابق هارفي واينستين.
تلك الحركة التي كشفت عن الكثير من الحوادث المشابهة في هوليوود، تعود قبل افتتاح مهرجان كان بأشهر لتفعل الأمر نفسه في قطاع السينما الفرنسية، وتفضح أسماء كبرى تورطت في مثل تلك الجرائم، بسبب ما صرحت به المخرجة جوديت غودريش، عن اغتصابها من قبل المخرجين بونوا جاكو وجاك دويون في مراهقتها، والتي تعرض في ثاني أيام المهرجان فيلمها القصير "أنا أيضًا"، الذي يسلط الضوء على الاعتداءات الجنسية، التي تعرضت لها ألف ضحية.
وخلال الحفل، نوهت مقدمة الحفل كاميل كوتين، عن فيلم الافتتاح وقالت على الهامش: "الاجتماعات المهنية الليلية في غرف الفنادق مع الرجال ذوي النفوذ لم تعد جزءا من عادات دوّامة كان".
تكريم المرأة ومواساتها
وبجانب التكريم والتنديد بالاعتداء الجنسي ضد النساء، تألقت الكثير من الوجوه النسائية الخاطفة للأنظار على السجادة الحمراء، وأبرزهن أعضاء لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للمهرجان هذا العام، وعلى رأسهن غريتا غيرويغ، أول مخرجة سيدة تتخطى إيرادات أحد أفلامها "باربي" المليار دولار.
بجانب الممثلة الفرنسية إيفا غرين والممثلة الأميركية ليلي غلادستون والمخرجة اللبنانية نادين لبكي، وأيقونة السبعينات الأميركية جين فوندا.
من إيران إلى كان.. رسولوف حاضراً
وبالطبع، كان من أهم أحداث حفل الافتتاح هو البشرى التي زفتها إدارة المهرجان للحضور، بمشاركة المخرج الإيراني محمد رسولوف، ليحضر عرض فيلمه "The Seed of the Sacred Fig"، على الرغم من الحكم عليه بالسجن 5 سنوات في طهران، ولكنه نجح في الفرار قبل إلقاء القبض عليه والتوجه إلى أوروبا، آسفاً كما صرح في بيان رسمي منذ عدة أيام، فكان أمامه اختيار إما السجن أو الهجرة إلى عالم أكثر حرية.
فيلم الافتتاح
وبعد انتهاء الحفل، انتقل الجمهور لحضور فيلم الافتتاح الفرنسي "The Second Act" للمخرج كوينتين دوبيو. والذي يتناول قصة فتاة تُدعى فلورنسا تسعى لكشف حقيقة الرجل الذي تحبه لوالدها، لكنها تواجه حقيقة مؤلمة.
والفيلم من بطولة ليا سيدو، التي تجسد دور فلورنسا، ولويس غاريل (ديفيد)، وفينسنت ليندون، ورافاييل كوينارد، وتأليف كوينتن دوبيو.
النقادأ كدوا عقب مشاهدة الفيلم أنه كان خياراً مناسباً لصناع المهرجان بسبب موضوعه الساخر وأداءاته التمثيلية الذكية.