: آخر تحديث

مركز الحرب الجوي السعودي.. تفوق استراتيجي

2
2
2

في عالم متغير تسوده التحديات الأمنية المتنامية، لم تعد القوة العسكرية تعتمد فقط على العتاد والعدد، بل أصبحت تعتمد بشكل متزايد على التكامل العملياتي، والتخطيط الاستراتيجي، والتدريب عالي الكفاءة. من هذا المنطلق، جاء إنشاء "مركز الحرب الجوي" في المملكة العربية السعودية كخطوة استباقية تهدف إلى تعزيز الجاهزية القتالية، وتطوير مفاهيم الحرب الحديثة، وإعداد القوات لمواجهة تهديدات المستقبل.

لم يكن تمرين "رماح النصر 2025" مجرد تدريب عسكري تقليدي، بل كان نموذجاً متقدماً يعكس تطور العقيدة العسكرية للقوات الجوية الملكية السعودية. فقد شهد التمرين مشاركة واسعة من مختلف القطاعات العسكرية السعودية، بالإضافة إلى 15 دولة شقيقة وصديقة، مما أتاح بيئة مثالية لاختبار تكتيكات القتال الجوي، وتطوير مهارات التخطيط الاستراتيجي، وتعزيز العمل المشترك بين القوات المتحالفة. يقول الفريق الركن الأمير تركي بن بندر، قائد القوات الجوية الملكية السعودية، إنَّ هذا التمرين يُعد من أهم وأعقد التمارين الجوية في المنطقة، إذ لم يقتصر على العمليات التقليدية، بل أضاف بُعد الحرب السيبرانية، مما يعكس فهماً متقدماً لميادين القتال المستقبلية، حيث لم تعد المعارك تُحسم في السماء فقط، بل أيضاً في الفضاء الإلكتروني الذي أصبح ساحة قتال بحد ذاته.

عندما وضع ولي العهد رئيس مجلس الوزارء الأمير محمد بن سلمان حجر الأساس لمركز الحرب الجوي خلال زيارته لقاعدة الملك عبد العزيز الجوية في آذار (مارس) 2019، لم يكن الهدف مجرد إنشاء منشأة تدريبية، بل كان الطموح بناء أحد أكثر مراكز الحرب الجوية تقدماً في العالم، على غرار قاعدة نيليس الجوية في الولايات المتحدة، والتي تُعد نموذجاً عالمياً في مجال التدريب العسكري المتقدم. يهدف المركز إلى توفير بيئة تدريب تحاكي الواقع، بحيث يتمكن الطيارون والأطقم الفنية من التعامل مع سيناريوهات الحرب الحديثة، واختبار التكتيكات العسكرية في بيئة إلكترونية متقدمة. ولتحقيق ذلك، يضم المركز أحدث التقنيات في مجال الطائرات والمقاتلات، إضافةً إلى أنظمة الحرب الإلكترونية، مما يجعله مركزاً متكاملاً لصقل المهارات وتطوير الاستراتيجيات.

إقرأ أيضاً: الدبلوماسية الرقمية.. التجربة البريطانية نموذجاً

في الحروب التقليدية، كان النصر يعتمد بشكل كبير على التفوق العددي والتسليحي، لكن مع التطور التكنولوجي المتسارع، أصبحت الجاهزية القتالية، والقدرة على التكيف مع التهديدات المتغيرة، وتطوير استراتيجيات مرنة، هي الركائز الأساسية للقوة العسكرية، وهذا ما يوفره مركز الحرب الجوي، حيث يتيح تجربة سيناريوهات قتال واقعية، ويمنح الطيارين الفرصة لاختبار قدراتهم في بيئة تحاكي التحديات الحقيقية. إنَّ امتلاك مثل هذه المراكز لا يعني فقط تدريب الطيارين، بل يعني أيضاً بناء عقيدة عسكرية حديثة، قادرة على التعامل مع التهديدات المستقبلية، سواء كانت في ساحة المعركة الفعلية، أو في الفضاء الإلكتروني، أو حتى في مواجهة الحروب غير التقليدية التي باتت جزءاً من المشهد العسكري العالمي.

لم تتوقف القوات الجوية الملكية السعودية عند إنشاء المركز فحسب، بل تعمل على توسعة المرحلة الأولى منه، في خطوة تهدف إلى تعزيز قدراته واستيعاب المزيد من البرامج التدريبية المتقدمة. كما تستمر في إرسال مجموعات كبيرة من الطيارين والأطقم الفنية إلى الخارج، للمشاركة في تدريبات مشتركة، مثل تمرين العلم الأحمر الذي أُقيم في ولاية نيفادا الأميركية، والذي شهد مشاركة قوات جوية من دول متعددة، من بينها الولايات المتحدة، والإمارات، وبلجيكا، وهولندا، وسنغافورة.

إقرأ أيضاً: الدبلوماسية الرقمية.. رؤية مستقبلية للسعودية في عصر الذكاء الاصطناعي

في ظل المشهد الجيوسياسي الحالي، أصبح من الضروري أن تكون الجيوش مستعدة لكافة الاحتمالات، وألا تكتفي فقط بتطوير العتاد، بل أن تطور العقول التي تديره. مركز الحرب الجوي ليس مجرد منشأة تدريبية، بل هو رؤية استراتيجية تعكس طموح المملكة في بناء قوة جوية قادرة على حماية أمنها ومصالحها، وتعزيز شراكاتها العسكرية على المستوى الدولي. ففي النهاية، الحروب لا تُحسم فقط بالسلاح، بل تُحسم أيضاً بالجاهزية، والتخطيط، والقدرة على التكيف مع التحديات المتغيرة.. وهذا تماماً ما يهدف إليه مركز الحرب الجوي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف