بعد أن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، أثناء توقيعه مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد النظام الإيراني، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى، أنه يعتزم استئناف سياسة "الضغوط القصوى"، رد النظام الإيراني على لسان وزير الخارجية الإيراني السيد عباس عراقجي قائلاً: "ممارسة الضغوط القصوى هي تجربة فاشلة ولا جدوى من تجربتها مرة أخرى!".
تصريح عراقجي الذي يعبر عن موقف ووجهة نظر النظام الإيراني من عودة فرض الضغط الأقصى على إيران، هو تصريح أشبه ما يكون بتمويهي وأبعد ما يكون عن الحقيقة والواقع، ولا سيما أن هناك مئات التصريحات والمواقف المختلفة الصادرة عن قادة ومسؤولي النظام الإيراني طوال الأعوام الماضية تعترف بالتأثير الفعال لسياسة الضغط الأقصى التي فرضها ترمب على النظام خلال ولايته الأولى، بل وحتى إنهم يبررون سوء الأوضاع وعمق أزمات النظام بتلك السياسة.
هذا التصريح يبدو متماهياً في مجافاته للحقيقة والواقع، ولا سيما أن سياسة الضغط الأقصى قد أثرت سلباً على النظام خلال الولاية الأولى لترمب، حيث كان النظام، مقارنة بوضعه الحالي، في وضع أفضل، فإن سوء أوضاعه الحالية التي اعترف بها بشكل صريح رؤساء السلطات الثلاث خلال اجتماعهم الأسبوعي في 3 شباط (فبراير) 2025، ولا سيما الاقتصادية منها، وحتى إنهم حذروا من احتجاجات وانتفاضات محتملة بوجه النظام، حيث قال بزشكيان: "يواصلون القول إن إيران أصبحت ضعيفة وفي أسوأ حالاتها، وإن بإمكانهم توجيه الضربات إلينا. العدو يسعى لاستغلال بعض الأشخاص الذين يطالبون بحقوقهم للنزول إلى الشوارع أو الاحتجاج، بينما هناك من يريد استغلال هذه المطالب لخلق الفوضى في المجتمع. علينا تجنب أي خطوة تؤدي إلى استياء الناس أو إثارتهم للغضب. الوضع المعيشي الحالي وارتفاع الأسعار الذي يضغط على المواطنين لم يعد مقبولاً"، فيما قال رئيس السلطة القضائية: "إذا لم نتمكن من حل المشكلة الاقتصادية ولم نحل أزمة معيشة الناس، فقد تتسبب المشكلات الاقتصادية في عدم قدرتنا على معالجة الأزمات الثقافية، بل قد تواجهنا لاحقاً تهديدات أمنية أكبر"، فإن ادعاء عراقجي من أن لا جدوى من تجربتها مرة أخرى، ادعاء فارغ وكلام لا يستند إلى شيء من الواقعية.
سوء الأوضاع الاقتصادية للنظام الإيراني في حقيقة أمرها يعود في الأساس إلى الفشل التراكمي للسياسات الاقتصادية المتبعة، ولا سيما أن هناك عدداً كبيراً من تصريحات لمسؤولين وخبراء اقتصاديين في النظام تفيد بأن العقوبات الاقتصادية ليست سبب أزمة النظام الإيراني، وإنما السياسات الاقتصادية الفاشلة، بل وحتى إنهم ذهبوا أبعد من ذلك عندما شددوا على أن الأزمة الاقتصادية للنظام لا يمكن حلها حتى لو جرى رفع العقوبات عن النظام.
بهذا السياق، فإن عودة الضغط الأقصى على النظام الإيراني الذي يواجه أقوى أزمة اقتصادية إلى جانب أزماته الأخرى المرتبطة والمؤثرة على بعضها البعض، تعني إضافة ثقل غير عادي على كتف واهن يئن تحت وطأة أثقال أخرى، وإن الزعم بأن ذلك لن يؤثر على النظام ومن أنه تجربة فاشلة، هو كلام غير موزون ويتصف بكذب لا غبار عليه بالمرة.
الكلمة الأخيرة
إلى جانب جميع المشاكل والمصائب التي يواجهها نظام إيران والتي يعترف بها خامنئي وجميع كبار المسؤولين في النظام بطرق مختلفة، يجب إضافة أنشطة المقاومة الإيرانية التي تُعدّ كابوساً مرعباً بالنسبة للمسؤولين في النظام.
إنَّ المظاهرات التي ستُقام يوم السبت 8 شباط (فبراير) في باريس، والتي ينظمها مجاهدو خلق والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية والإيرانيون الداعمون لهم، تأتي في مقدمة هذه المشاكل المحبطة والمقلقة، حتى وإن لم يشر إليها المسؤولون في النظام صراحة.
ما يُثير الرعب والفزع في نظام ولاية الفقيه أكثر من أي شيء آخر هو هذه الأنشطة المنظمة للمقاومة التي تخلق روحاً هجومية في الشعب الإيراني الثائر وتعمل كعوامل مُسرعة للانتفاضة الوطنية الكبرى. هذا الأمر الذي يخشاه خامنئي وجميع المسؤولين في النظام بشدة، والذي يُعدّ موضوعاً رئيسياً في محادثات المسؤولين الرئيسيين في النظام في جلساتهم المغلقة بعيداً عن كاميرات الإعلام.
مؤخراً، أُجبر الإعلام الحكومي على بثّ مثال من هذه الجلسات التي تضمنت حديثاً لزعماء السلطات الثلاث: رئيس السلطة التنفيذية (مسعود بزشكيان)، رئيس السلطة التشريعية (محمد باقر قاليباف)، ورئيس السلطة القضائية (غلام حسين محسني إيجي) الذين عبّروا عن خوفهم وقلقهم الشديد من الوضع المتفجر في المجتمع واحتمال اندلاع انتفاضة.
ومن الجدير بالذكر أن مصير النظام الذي استمر في حكمه لأكثر من 45 عاماً من خلال القمع والإعدام والجرائم والنهب ضد الشعب الإيراني، قد حصد ما زرع. واليوم، وفي هذا الوضع المرعب، يجب عليه أن يواجه العاصفة التي أطلقها بنفسه.