شهد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا ذروة عام كارثي للنظام الإيراني. لقد أضعف هذا التطور بشكل كبير "محور المقاومة"، وهو ائتلاف من القوى المتحالفة مع إيران في المنطقة، بعد سلسلة من الضربات القاسية في غزة ولبنان وسوريا. في الوقت نفسه، تواجه إيران أزمة اقتصادية خانقة، حيث انخفض الريال إلى أدنى مستوى تاريخي له.
تزايد الانتكاسات عبر المنطقة
في نيسان (أبريل) 2024، استهدفت إسرائيل مبنى بالقرب من سفارة إيران في دمشق، والذي يُشار إليه بـ "القنصلية". كرد فعل، شنت إيران هجومًا تضمن أكثر من 300 طائرة مسيرة وصاروخ ضد إسرائيل. ومع ذلك، فشل هذا الهجوم في تحقيق أهدافه وأبرز نقاط ضعف النظام المتزايدة.
ازدادت تحديات النظام في أيار (مايو) إثر الوفاة المفاجئة لإبراهيم رئيسي، الرئيس السابق للنظام وأحد أبرز شخصياته، في حادث تحطم مروحية نُسب سببه إلى الضباب الكثيف. كان رئيسي معروفًا بدوره البارز في مذبحة الثلاثين ألف سجين سياسي عام 1988، التي استهدفت غالبية من أعضاء منظمة مجاهدي خلق، وكان يُنظر إليه كخليفة محتمل للمرشد الأعلى علي خامنئي. شكلت وفاته فراغًا كبيرًا في قيادة النظام.
وفي تموز (يوليو)، تلقى النظام ضربة أخرى عندما تمكنت إسرائيل من اختراق الأمن الإيراني لاغتيال قائد حركة حماس إسماعيل هنية، الذي كان في طهران لحضور مراسم تنصيب الرئيس الجديد. وُضعت قنبلة تم تفجيرها عن بُعد في منزل ضيافة تابع للحرس الثوري، ما شكل تصعيدًا خطيرًا في العمليات الإسرائيلية ضد حلفاء إيران الإقليميين.
وفي 17 أيلول (سبتمبر) 2024، تعرض حزب الله لأكبر خرق أمني في تاريخه، حيث انفجرت آلاف من أجهزة الاتصال (البيجر) المفخخة بشكل متزامن في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت، ما أسفر عن إصابة المئات ومقتل عدد من القادة. وقد وُصفت هذه العملية بأنها ضربة قاسية لحزب الله.
وبعد ذلك بأيام، وفي 27 أيلول (سبتمبر) 2024، اغتالت إسرائيل الأمين العام السابق لحزب الله، حسن نصر الله، ما شكل تصعيدًا آخر وضربة قاصمة لقدرات الحزب العملياتية.
الانهيار الاقتصادي والعزلة السياسية
على الصعيد الداخلي، وصلت أزمة إيران الاقتصادية إلى مستويات مقلقة. في نوفمبر، انخفض الريال الإيراني بنسبة 46 بالمئة، مما جعله أقل العملات قيمة في العالم. زاد من تفاقم هذا الانهيار إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مما رفع التوقعات بفرض عقوبات "ضغط أقصى" جديدة.
وإضافة إلى مشكلاته، تعرض النظام لهزيمة دبلوماسية في نوفمبر عندما وافق حزب الله على وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مما استلزم سحب القوات العسكرية من جنوب لبنان. سمح هذا الاتفاق فقط للجيش اللبناني وقوات الأمن بالعمل في المنطقة، مما حرّم إيران من طريق رئيسي للتأثير العسكري وزعزعة الاستقرار.
سقوط بشار الأسد
أعظم ضربة للنظام الإيراني جاءت في كانون الأول (ديسمبر) مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا. استولت القوات الوطنية وثوار سوريا على دمشق، مما اضطر قوة القدس الإرهابي التابعة للحرس الملالي، إلى التراجع. شكّلت هذه الخسارة قطعًا لطريق إمداد حيوي كان يُستخدم لدعم حزب الله وباقي الوكلاء الإيرانيين في المنطقة. قارن بعض المسؤولين الإيرانيين هذا الحدث بسقوط جدار برلين، الذي بشّر بانهيار الاتحاد السوفيتي.
أبعاد هذه الضربة الاستراتيجية تتضح بشكل أعمق عندما نستذكر تصريح مهدي طائب، رئيس مقر "عمّار" الاستراتيجي للحروب الناعمة، والذي يُعد غرفة تخطيط للحرس الثوري. قال طائب: "على إيران أن تستمر في تقديم الدعم للمقاتلين في سوريا والعراق ولبنان واليمن حتى لو كان ذلك على حساب قوت الشعب الإيراني." ووصف سوريا في ظل حكم الأسد بأنها المحافظة الإيرانية رقم 35، مانحًا إياها أهمية استراتيجية قصوى بين المحافظات الإيرانية، حيث قال: "سوريا هي المحافظة الـ35، وتعد محافظة استراتيجية بالنسبة إلينا".
طائب، المعروف بتأييده الشديد للنظام السوري، صرّح في وقت سابق بأنَّ أهمية سوريا بالنسبة لإيران تفوق أهمية إقليم "الأهواز"، مؤكدًا: "لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا محافة خوزستان (الأهواز) سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا".
كما أشار خامنئي شخصيًا إلى أهمية القتال في سوريا والعراق واليمن، قائلاً: "إذا لم نقاتل في شوارع دمشق والعراق واليمن، فإنَّ هذه الجبهات ستصل إلى طهران وهمدان وشوارع إيران." كان يدرك جيدًا أن العدو الحقيقي لنظامه ليس خارج الحدود بل داخلها. الآن، وقد انكشفت كل جبهات الحرب الوهمية التي فتحها، بات النظام يواجه ما كان يخشاه بالفعل: الحرب الحقيقية بين الشعب والحكومة.