انفجر الصراع بين إيران وإسرائيل في حرب واسعة، وعلى جبهة ممتدة من طهران إلى لبنان، مروراً بالعراق وسوريا، إضافة إلى الخاصرة الفلسطينية المتمثلة في حرب غزة. هذا الصراع الذي كان يُعبر عنه بوسائل إعلامية سياسية وتحشيد دولي، تجلى أخيراً في صدام حربي غير مسبوق على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، دون أن يستثني المدن مثل بيروت، وخصوصاً الضاحية الجنوبية، المقر والحاضنة الشيعية لحزب الله اللبناني الذي تكبد خسائر بالغة الأثر تمثلت في مقتل قادته، وفي مقدمتهم زعيم الحزب حسن نصر الله.
حرب متقابلة بالقصف الصاروخي والطائرات المسيرة بين الطرفين، ومساندة معلنة من الفصائل المسلحة في اليمن (الحوثيين) وفصائل المقاومة في العراق وسوريا، وبدعم وتسليح إيراني. كذلك بمشاركة إيرانية في هجوم صاروخي استهدف تل أبيب وحيفا وعدداً من المدن داخل فلسطين.
حقيقة هذا الصراع، الذي انتهى إلى تصادم بالقوة الحربية، تتمثل في تصادم رغبات الهيمنة لكل من إيران وإسرائيل في التمدد على المثلث العراقي السوري اللبناني. فقد سعت إيران إلى بسط نفوذها العقائدي وإنشاء ميليشيات مسلحة موالية لقرارها السياسي والأمني، وبدعم تسليحي ومالي استطاعت من خلاله النفوذ إلى مراكز القرار في السلطة، بعد أن وقعت هذه الدول الثلاث في الفراغ السياسي الوطني، وغياب منهج أو استراتيجية بناء الدولة القومية الحديثة بنواتها الصلبة. فأصبحت منفتحة على الفاعل الطائفي، بعد أن ساد منهج المحاصصة الطائفية في العراق بعد 2003، وكذلك لبنان الذي سبق العراق للحكومات الطائفية المشتتة طائفياً وإثنياً. وهكذا تحولت سوريا إلى الاندماج تحت الجناح الإيراني بعد ثورة الشعب السوري عام 2011، وتدخل حزب الله اللبناني بدعم إيراني لمنع سقوط نظام بشار الأسد، ما دفع النظام للخضوع التام لتوجهات وقرارات حزب الله الذي فرض هيمنة موازية لهيمنة النظام.
إقرأ أيضاً: غزة لن تعود وإيران لا ترد ولن تحارب!؟
كتلة بشرية ومالية قوية في تكوينها الجيوسياسي وحدودها مع إسرائيل التي تمثل العدو التقليدي لأي دولة تهدد أمنها أو وجودها.
أزمة النووي بين إيران من جهة، وأميركا والدول الأوروبية من جهة أخرى، دفعت إيران للضغط على إسرائيل من خلال دعم حماس بالسلاح والمال والإعلام، وكذلك تحريك قوات وصواريخ حزب الله اللبناني لتقديم الإسناد لحماس في قصف متواصل لمواقع الجيش الإسرائيلي. حتى بلغت الأمور إلى تخومها، فانفجرت في حرب استباقية بدأتها إسرائيل ضد أفراد وعناصر وكوادر حزب الله في إبادة جماعية عبر انفجار آلاف من أجهزة الاتصال، ثم البدء بتصفية قيادات الحزب العسكرية والسياسية ومراكز الدعم اللوجستي، في انقضاض غير مسبوق بقوته وتأثيراته السلبية على حزب الله اللبناني.
إقرأ أيضاً: نتنياهو - السنوار والحل المفقود
الحرب تدور رحاها الآن دون تحديد سقف زمني أو محددات لنهايتها، وهي آخذة في الاتساع لتشمل أسلحة بالستية وأخرى محرمة. وفي الأفق تهديدات بضرب محطات الطاقة وآبار النفط والمصافي داخل إيران، وتهديد الأخيرة بغلق مضيق هرمز ومحطات النفط والغاز في دول الخليج العربي.
الحرب ستنتهي بعد أن يتم إجهاض أحد الطرفين، وستبقى هذه الدول الثلاث وكذلك اليمن أسيرة الفاعل الديني أو الطائفي أو العرقي، ولن تستطيع التحرر من هيمنة الدول المحيطة بها مثل إيران أو إسرائيل وأميركا، دون وجود استراتيجية وطنية ترفض سياسة المحاور، وتعمل على ترصين وتحصين دولها من التأثيرات الطائفية أو الأيديولوجية لدول المحيط الإقليمي، كما يحصل في دول الخليج العربي وأنموذجها المتقدم في السعودية والإمارات وقطر وغيرها.