منذ عام بالتمام والكمال، كان أنصار "محور المقاومة" يعيشون سكرة الانتصار على وقع الصور والأخبار الواردة من المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف قطاع غزة.
يومها عمّت الفرحة في صفوف المقاومين والممانعين وبدأ الترويج لأخبار وصول مقاتلي حماس إلى الضفة الغربية وربطها بقطاع غزة، وتدمير هيبة الجيش وحكومة تل أبيب، مع توارد أخبار عن فرار الإسرائيليين إلى المطارات والموانئ للنجاة بأرواحهم أمام المد الحمساوي.
كثيرون في "محور المقاومة" وفي غمرة الشعور بالانتصار وإعادة أمجاد السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 لم يأت على ذهنهم ماذا سيحدث في اليوم التالي، ومن فكّر رسم لإسرائيل محدودية الرد غارات جوية وعملية عسكرية موضعية تنتهي بوقف إطلاق نار وتفاوض غير مباشر تفرض خلالها حماس ومعها المحور شروطهم، وتجلس إسرائيل ذليلة تنفذ كل ما يطلب منها، وما يُطلب منها تنفيذه سيكون كفيل بإزالتها في الأعوام القادمة.
ارتكز منظّرو المحور ومعهم المحللون والمفكرون على نقاط ثلاث ستضمن لهم انتصاراً صافياً في نهاية المطاف، يفرضون خلالها شروطهم. معظم هذه النقاط قائمة على أدبيات حربية تقليدية تقفز إلى الطاولة في كل مرة خلال أي مواجهة مع إسرائيل، وتتضمن أولاً اعتقاداً بعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على خوض حرب لفترة طويلة، وثانياً اليقين برضوخ تل أبيب بفعل اتخاذ عدد كبير من أفراد الجيش والمستوطنين كرهائن، وأخيراً التعويل على رأي عام عالمي سيمنعها من خوض حرب شاملة.
في النقطة المختصة بعدم قدرة الجيش الإسرائيلي على شن حروب لفترة طويلة، كانت التحليلات تعتمد على ما كان يحدث في الفترة التي تلت الانسحاب من قطاع غزة عام 2005، فمعظم المواجهات التي وقعت منذ عشرين عاماً بين إسرائيل وحماس لم تستمر لأكثر من أسابيع في أقصى الأحوال في معارك الفرقان، وعامود السحاب، والجرف الصامد وسيف القدس، حتى أن حرب 2006 مع حزب الله والتي دخلها الإسرائيليون بشعارات كبيرة انتهت بعد شهر وثلاثة أيام.
تكبيل حكومة تل أبيب بفعل موضوع الأسرى والرهائن كان من أكبر أخطاء "المحور"، فإسرائيل التي رفعت شعار الحرب بناء على "الهولوكست" الثاني كانت تعلم أنَّ وقوفها عاجزة غير قادرة على فعل شيء بفعل إمساك باليد التي تؤلمها ستفتح شهية حماس والحركات الأخرى مستقبلاً على استنزافها وحتى ردعها عبر القيام بأعمال مشابهة للحصول على ما يريدون، لذلك قررت حكومة نتنياهو إعادتهم بالنار عبر الترويج لعقيدة أمن إسرائيل وترسيخها عبر التعاطي معها كأولوية تفوق إعادة الأسرى وفق شروط حماس ودفع الثمن، ووصل الحد حتى تفعيل بروتوكول هنيبعل فيما يخص ملف الرهائن والأسرى.
الاعتماد على رأي عام عالمي يردع إسرائيل يمكن وصفه بعد الذي حدث في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) بمن يطلق النار على قدمه، فالصور والفيديوهات التي بثتها حماس خلال ذلك اليوم ومشاهد اتخاذ نساء وأطفال كرهائن جعلت دول العالم، وعوضاً عن العمل لوقف الحرب، تنظر إلى حماس على أنها أصبحت تمثل وجهاً آخر لداعش، ثم جاءت تصريحات المسؤولين الحمساويين لتدعم موقف الدول المؤثرة أكثر إن كان تصريح الناطق الإعلامي أبو عبيدة الذي هدد بقتل الرهائن على الهواء بحال إطلاق تل أبيب عملية حربية، أو المسؤولين الذين، وعوضاً عن تحمل بعض المسؤولية، حاولوا إلصاق ما حدث من عمليات خطف وسحل وقتل بأبناء القطاع المدنيين الذين اندفعوا إلى داخل المستوطنات مع بدء الهجوم وفعلوا ما فعلوه، وبأنَّ حماس لا قدرة لها على السيطرة عليهم. هذه التصريحات كانت بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل لضرب الجميع في القطاع والاطمئنان بأن أحداً لن يعترض خصوصاً في الأشهر الأولى للعملية العسكرية، وذلك على قاعدة أنَّ جميع أبناء غزة متورطون بالدم الإسرائيلي، والشاهد حماس نفسها.