فيما نستقبل العام الجديد 2025، تطل علينا لحظة التأمل في الماضي والحاضر والمستقبل، لحظة تمتزج فيها مشاعر متناقضة من الفرح والألم، الأمل والحيرة. إنها لحظة استثنائية، حيث تتشابك الذكريات المثقلة بالأوجاع مع أحلام جديدة نأمل أن تتحقق. فرحة استقبال العام الجديد ليست مكتملة؛ فهي تبدو وكأنها فرحة مرسومة على وجوه أنهكتها صعوبات عام مضى. ومع ذلك، فإنها تحمل في طياتها بصيصاً من الأمل والتجدد.
لقد كان عام 2024 عاماً محفوفاً بالأحداث التي تركت أثراً عميقاً في النفوس. كان شاهداً على فقدان الأحبة، وعلى معاناة شعب أرهقته الحرب والصراعات. في سوريا، خسرنا أكثر من مدينة؛ خسرنا أحلاماً وآمالاً كانت تسكن جدران الأبنية التي سُوّيت بالأرض، واختفت معها ملامح الجمال التي طالما شكلت جزءاً من ذاكرتنا الجماعية.
رغم هذا الدمار، كانت هناك لحظات تشهد على قوة الإنسان في مواجهة المحن. كانت هناك مواقف أظهرت صمود شعب يأبى أن يُهزم، وبقي الأمل متقداً في قلوبهم. الأمل بأن تعود البسمة إلى الوجوه، وبأن يستعيد أبناء الوطن حياتهم وكرامتهم.
في هذه اللحظة، نستقبل العام الجديد كصفحة بيضاء. صفحة نكتب عليها آمالنا، أحلامنا، وأمنياتنا. نتطلع إلى مستقبل مليء بالحب والسلام، إلى عام يخفف من وطأة الألم ويعيد إلينا إنسانيتنا التي كادت تذبل تحت وطأة الأزمات.
أملنا في العدالة والإنصاف، ونحلم برؤية ممثلي الشعب يسيرون في شوارعنا، يعيشون بيننا، يشاركوننا أفراحنا وأحزاننا. نريدهم أن يكونوا جزءاً حقيقياً من نسيج المجتمع، لا مجرد وجوه تظهر على شاشات التلفاز لتلقي الوعود ثم تغيب، ناهيك بتكريم المبدعين وأبناء الشهداء. المبدعون هم منارات الأمل، وهم من يستحقون التكريم الحقيقي. أما أبناء الشهداء، فلا يكفي أن تُمنحهم امتيازات شكلية. يجب أن يتم دعمهم بفرص حقيقية، ببيوت تليق بتضحيات آبائهم، بكرامة تضمن لهم حياة مستقرة. أضف إلى حقوق المرأة ووحدتنا الوطنية، ونأمل أن تُمنح المرأة حقوقها الكاملة، بعيداً عن الشعارات الجوفاء. فالمرأة هي عماد المجتمع، وأي تهميش لها يعني تراجعاً للجميع. كما نحلم بأن تمتد الوحدة التي نعيشها في الأزمات إلى لحظات البناء، لأن الوحدة في البناء لها طعم خاص، طعم الانتصار المشترك. فضلاً عن إعادة بناء الوطن، وهذا يتطلب جهود مضاعفة في إعادة الاعمار والاهتمام على كل المدن السورية، لا أن تتركز في مناطق معينة. فكل شبر من هذا الوطن بحاجة إلى رعاية وإعادة بناء، ليس فقط في الحجر، بل في القلوب والجسور التي تربط بين أبنائه.
إنَّ العام الجديد ليس مجرد رقم في التقويم؛ إنه فرصة للتصالح مع الذات ومع الآخرين. فرصة لتجاوز الخلافات والضغائن، لدفن الأحقاد التي أثقلت القلوب، واستبدال الألم بالفرح. نريد أن نرى المهاجرين يعودون إلى أحضان وطنهم، ليعيدوا بناء ما تهدّم، ويرسموا ملامح سوريا جديدة، أكثر جمالاً وإنسانية.
إقرأ أيضاً: سوريا.. الحرية والتحدي القادم
في هذا العام، نأمل أن نعيش بصدق. أن نلتزم بالحقيقة، مهما كانت صعبة، لأنها وحدها القادرة على بناء الثقة التي هي أساس كل علاقة ناجحة، وخاصة بعد أن تخلص المواطن في سورية من اسرة مجرمة أذلت السوريين. نريد أن نبدأ صفحة جديدة خالية من الكذب والمواربة، صفحة تُبنى على المحبة والوضوح.
كل عام يمضي يحمل معه دروساً وتجارب. فالألم يعلمنا الصمود، والفرح يمنحنا الأمل. إنها جدلية الحياة التي تجعل من كل عام فصلاً جديداً، يحمل مزيجاً من المتناقضات التي تشكل هويتنا وتجربتنا الإنسانية.
إقرأ أيضاً: "بندقية أبي".. نضال وهوية عبر أجيال
دعونا نحلم بعام يفيض بالحب والوئام. عام نستطيع فيه أن نخفف من أحزاننا، ونستعيد البهجة التي افتقدناها. دعونا نرسم لوحة مشرقة للعام الجديد، بألوان الأمل والإنسانية. إنها لحظة للبداية من جديد، لإعادة تعريف حياتنا، ولإيمان قوي بأننا نستطيع أن نجعل من هذا العام عاماً أفضل، أكثر عدلاً وإنصافاً، وأكثر إشراقاً للجميع.
نحن نستحق حياة أفضل. نحن نستحق وطناً يحتضن أبناءه دون تمييز. نحن نستحق عاماً يعيد إلينا كرامتنا وإنسانيتنا. فلنجعل من العام 2025 عاماً نكتب فيه قصة جديدة، قصة مفعمة بالمحبة والأمل والعمل الجاد. عاماً يُشرق فيه النور في كل ركن من أركان حياتنا. عاماً يعيد بناء الأحلام والقلوب، ليكون بداية لرحلة جديدة نحو مستقبل أجمل.