بعد مقتل إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في 19 أيار (مايو)، أصيب نظام ولاية الفقيه برمته بالصدمة. كان الحادث صادمًا للغاية بالنسبة للنظام، حيث مُنعت وسائل الإعلام الحكومية على الفور من نشر الأخبار الحقيقية عن تحطم المروحية بأمر من علي خامنئي ومجلس الأمن الأعلى. واكتفوا بالاعتماد على الأخبار العامة التي تقول "لا توجد أخبار موثوقة عن مصير المروحية التي تقل الرئيس ورفاقه"!
والسبب هو أن خامنئي كان خائفاً جداً من انتفاضة الناس واجتياحهم للشوارع والمراكز الحكومية. ولذلك، خلف الأبواب المغلقة، تم اتخاذ القرارات لتمرير هذا الحدث.
واستغل خامنئي هذه الفرصة لإعداد أجهزة القمع والأمن في جميع أنحاء البلاد، وخاصة في طهران، للقمع مع أي انتفاضة.
وبعد ذلك، أكد في الرسالة الأولى للشعب أن "الشعب الإيراني لا ينبغي أن يقلق، ولن يكون هناك أي تعطيل في عمل البلاد". نفس الموضوع كرره محمد مخبر بصفته النائب الأول لرئيسي.
وفي 20 أيار (مايو)، ألزم خامنئي رسميًا محمد مخبر، بترتيب انتخاب رئيس جديد خلال خمسين يومًا، وفقًا للمادة 131 من الدستور، من موقعه في إدارة السلطة التنفيذية، إلى جانب رئيسي السلطتين التشريعية والقضائية.
الوضع العام لإيران في الوضع الراهن
وجاءت وفاة رئيسي في وقت تتزايد فيه الاحتجاجات داخل إيران بسبب سلسلة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية غير القابلة للحل.
ومن الناحية السياسية، فقد خاض النظام الإيراني للتو انتخابات ذات نسبة إقبال منخفضة للغاية، مما يدل على أن الغالبية العظمى من الإيرانيين لا يثقون في صناديق الاقتراع.
وكانت نسبة المشاركة منخفضة للغاية لدرجة أن أحمد وحيدي، بصفته وزير الداخلية ومنظم الانتخابات البرلمانية، وصف مشاركة الشعب بنسبة 7 بالمئة وحضورهم في مراكز الاقتراع بـ "الملحمة"! ويمثل معظم النواب الذين دخلوا المجلس (البرلمان) ما لا يقل عن 2 إلى 3 في المائة من الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات.
إن مقاطعة الشعب للانتخابات على نطاق واسع، مع شعارات مثل "صوتي لتغيير النظام" و"هذا ليس وقت الانتخابات، إنه وقت الثورة"، هي مظهر من مظاهر السخط الاجتماعي العميق.
وقد عبرت هذه العقوبة عن النفور الشعبي والسياسي من الانتخابات التي هندسها خامنئي، وسلطت الضوء على عمق أزمة عدم شرعية النظام.
وبالإضافة إلى التحدي السياسي، من الناحية الاقتصادية، فإن التكلفة المتزايدة والتضخم جعلت الحياة اليومية صعبة على الإيرانيين. وهكذا أصبح مصطلح "خط الموت" مصطلحًا رسميًا في الثقافة الاجتماعية والاقتصادية في إيران.
وعلى المستوى الدولي، يواجه النظام الإيراني ضغوطاً دولية بسبب برنامج طهران النووي المثير للجدل وتعميق العلاقات العسكرية مع روسيا خلال حرب أوكرانيا.
وعلى المستوى الإقليمي، وعلى الصعيد العسكري، أدت حرب غزة إلى زيادة التوترات بين نظام ولاية الفقيه والحكومة الإسرائيلية.
عملية اختيار الرئيس الجديد؟
وبحسب المادة 131 من دستور نظام ولاية الفقيه، وبعد أن تولى النائب الأول للرئيس صلاحيات ومسؤوليات الرئيس، يتشكل مجلس يتكون من رئيس مجلس النواب، ورئيس السلطة القضائية، والنائب الأول" للرئيس ملزم باتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد خلال فترة أقصاها خمسون يومًا.
وفي 20 أيار (مايو) أكد المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور على تطبيق هذه المادة من الدستور وقال:
"لا توجد مشكلة بسبب عدم وجود قانون وسيتم تنفيذ الإجراءات وفق القانون".
وفي هذا الصدد؛ قال رئيس لجنة الشؤون الداخلية بمجلس الملالي للصحافيين: "بالنظر إلى أنه بقي في عمر حكومة إبراهيم سنة واحدة، فإن السؤال هو هل سيبقى الرئيس الجديد سنة واحدة أم 4 سنوات؟".
وأضاف: "في هذا السياق القانون واضح ولا لبس فيه، ويتم انتخاب الرئيس لولاية مدتها أربع سنوات".
لكن هناك نقطة مهمة للغاية لا يخفيها أي من مسؤولي النظام، وتتداولها وسائل إعلام النظام بشكل واسع، وهي مسألة مشاركة الشعب في هذه الانتخابات.
لأن تجربة انتخابات الخبراء والمجلس (البرلمان) أظهرت بوضوح أن الناس لا يريدون المشاركة في الانتخابات في الوضع الحالي.
من سيصبح رئيسا بدلا من رئيسي؟
من وجهة نظر مبسطة، فإن وفاة رئيسي أتاحت الفرصة لكل من فصيلي النظام المعروفين باسم "الأصوليين" و"الإصلاحيين" لتقديم مرشحيهم.
لكن في الواقع، وبالنظر إلى طبيعة "ولاية الفقیه" وتحديداً شخص خامنئي، يمكن القول بكل تأكيد أنه لا يوجد رجلاً في الحكومة يتمتع بصفات القائد الذي يستطيع أن يملأ فراغ رئيسي كما ينبغي، وأن يكون "مطيعاً" بشكل مطلق وغير مشروط، مثل رئيسي. بعبارة أخرى، خامنئي لن يجد رجلاً مثل رئيسي مطيعاً ومنفذاً لأوامره.
ويتمتع رئيسي، الذي أشار إليه خامنئي بأنه "حكومة حزب الله الشابة"، بسجل حافل بالقمع والعنف والتعذيب والإعدام. منذ أن كان عمره 19 عامًا وحتى آخر يوم في حياته، لم تتوقف هذه الدورة أبدًا. ولذلك، لن يملأ أحد منصب إبراهيم رئيسي الشاغر بالنسبة لخامنئي.
ولهذا السبب دفع خامنئي ثمنا باهظا لتمهيد الطريق لرئاسة رئيسي، وتم الإقصاء العديد من أقاربه ومسؤوليه من دائرة السلطة.
وكان خامنئي يحاول هندسة رئيسي للجولة الثانية من انتخاباته الرئاسية واستغلال هذه الفرصة لتحديد مسألة خلافة نجله (مجتبي)، وتغيير نظام الحكم من النظام "الرئاسي" الحالي إلى النظام "البرلماني" بحيث تتركز كافة مقاليد السلطة في يد الولي الفقيه.
ولهذا السبب، وفي ظل الظروف الثورية التي يعيشها المجتمع الإيراني، لا بد من القول إن العثور على خليفة مثل رئيسي، إن لم يكن مستحيلا بالنسبة لخامنئي، أمر صعب للغاية.
خلاصة القول
ليس هناك شك في أن خسارة رئيسي لها عواقب حاسمة. ومن بين أمور أخرى، في الوضع الجديد، ستشتد الخلافات في قمة هرم السلطة، وفي أسفل المجتمع وفي الشارع، سيتم توفير المزيد من الفرص للناس للاحتجاج والانتفاض.
ومن وجهة النظر الخارجية، يجب على خامنئي إعادة بناء ما صممه ونفذه بالكامل من خلال الاعتماد على رئيسي في أزمة غزة وجعله يتماشى مع الوضع الجديد. والآن يواجه خامنئي خيارين صعبين ومكلفين للغاية:
- إما عليه أن يشرب السم ويتراجع عن القمع الشديد في الداخل وتصدير الأزمات إلى الخارج والعداء، ويعتبر هذا الخيار خطير جداً عليه لأن موجة الاختناق داخل البلاد سوف تنكسر ويسقط النظام بانتفاضة الشعب..
- والافتراض الآخر هو أنه سيزيد، كما في الماضي، من موجة الانكماش والخنق والمزيد من الإقصاء، وتصدير الإرهاب وتأجيج الحروب وتصدير الأزمات، وربما يلجاً لصناعة الأسلحة النووية، وهو ما سيسرع في هذه الحالة أيضاً الانتفاضة الشعبية، ويقتل النظام نفسه بيديه.
ويتربص الشعب الإيراني الثائر والمتمرد من أجل ضرب رأس "ثعبان ولاية الفقيه" وتحرير إيران من شر الولاية الفقيه.
وتتجلى هذه الأيام المتوترة والأزمات المستعصية والأوضاع الثورية للمجتمع الإيراني من خلال هذه اللوحة!