طيلة الأيام الماضية من بدء حرب حماس ضد إسرائيل، لم نر طائرة غزاوية تحلق في سماء إسرائيل!. ولم نر دبابة أو مدرعة تتوغل في المستوطنات!. ولم نسمع صوت مدفع بعيد المدى تمطر قنابلها على مدن إسرائيل!. كل ما رأيناه مجموعة أفراد يستقلون موتورسايكلات وآخرين يحلقون بالطائرات الشراعية التي تشبه الطائرات الورقية التي يلعب بها الأطفال إذا ما قورنت بالقوة الجوية الإسرائيلية!.
والأهم من ذلك.. تأتي مياه الشرب لسكان غزة من إسرائيل. ويأتي الكهرباء الذي ينير منازلها من إسرائيل. وحدودها البحرية مطوقة بالسفن الحربية الإسرائيلية التي تراقب حتى قوارب صيد الأسماك. والمعبر الوحيد الذي تطل غزة على العالم الخارجي هو معبر رفح من جهة مصر وهي ملتزمة بمعاهدة السلام والتطبيع مع إسرائيل. فأي جنون هذا الذي يدفع بحركة مسلحة تسمي نفسها بالمقاومة الاسلامية ليس للتحرش بدولة إسرائيل فحسب، بل ويصل بها الجنون إلى حد إعلان الحرب عليها؟!.
لنفرض بأن حماس تمتلك 5-8 آلاف صاروخ والذي لا يشك أحد بأنها مرسلة من إيران أو أنها صنعت في غزة بمشاركتها، وقد أطلقت حماس لحد الآن ثلاثة آلاف صاروخ، فلو طال الحرب فإن مخزونها من الصواريخ سوف يفرغ بكل الأحوال، فماذا عساها تفعل حماس بعد ذلك؟!.
نتذكر جميعا بأنه حين تم أسر جندي إسرائيلي واحد هو جلعاد شاليط عام 2006 من قبل حماس، لم تمانع إسرائيل من مبادلته بأكثر من 1200 أسير فلسطيني لديها، فهل يا ترى سوف تقبل إسرائيل بالسلام وإنهاء الحرب والدخول في مفاوضات بعد أن قتلت حماس أكثر من ألف مواطن إسرائيلي وجرحت آلافا آخرين في هذه الحرب؟!.
حينما تحتجز حماس مئات الأطفال والنساء المختطفين من المستوطنات الإسرائيلية فهؤلاء لا يعدون أسرى حرب، بل هم في الواقع رهائن مدنيون تستخدمهم حماس كدروع بشرية، فليس الأطفال والنساء محاربون في الميدان حتى يتم التعامل معهم كأسرى حرب.
دعونا نؤجل قضية الأسرى الإسرائيليين حاليا ولنركز على رد الفعل الأكثر جنونا من إسرائيل الذي أكد جميع قياداتها بأنها لن ترضى بأقل من إستئصال حماس وقتلهم أو تشريدهم إلى خارج فلسطين وهذا معناه إسدال الستار نهائيا على وجود حماس داخل الأراضي الفلسطينية. فماذا يا ترى هم فاعلون بعد ذلك؟. هل سيلجأ قادتهم إلى قطر؟ وماذا سيكون مصير الآلاف من المقاتلين الذين جندهم حماس طوال ما يقرب من أربعين سنة من تاريخ نشوئها؟. إلى أين سيتجه هؤلاء المقاتلين إذا نجوا أصلا من الحرب الحالية، وأي دولة ستخاطر بقبولهم بين أراضيها ونحن نسمع من قادة مصر بأنهم لن يفتحوا معبر رفح حتى أمام العائلات المدنية، فهل ستسمح لمقاتلين بدخول أراضيها؟!.
هل حسب قادة حماس وهم يرشقون إسرائيل بالصواريخ ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة من تعرض أهم حلفاؤها في المنطقة إلى مثل هذا العدوان الغاشم؟. هل حسب قادة حماس أي حساب للدعم الأمريكي حين تتعرض إسرائيل إلى حرب تهدف لمحو وجوده على الخارطة الفلسطينية؟.
في جلسة التصويت بمجلس الأمن الدولي حول الهدنة الانسانية صوتت امريكا وبريطانيا وفرنسا بالفيتو لإفشال القرار. ثلاثة دول عظمى وعشرات الدول الأوروبية الأخرى تساند إسرائيل في هذه الحرب بينما حلفاء حماس هم إيران المنبوذة من المجتمع الدولي وحزب الله الموصوف بالإرهاب وعدد من الميليشيات العراقية الموالية لإيران.
طوال ثمانية عقود من نشوء إسرائيل إجتمعت الدول العربية جميعها لمحاربة إسرائيل حتى وصل غرور بعض قادتهم القوميين إلى التصريح العلني بأنهم سوف يرمون إسرائيل في البحر، فماذا كانت النتيجة؟. هل إستطاعت الدول العربية بكل جيوشها وأساطيلها وأسلحتها التي صرفت عليها مئات المليارات من الدولارات أن تزحزح إسرائيل أو تنال شعرة منها؟. فأي جنون وغرور قاد حماس أن تلهث وراء نصر عجزت عنه الدول العربية برمتها طوال ثمانية عقود؟.
- حدود الدور العربي في أزمة غزة
- اسرائيل فشلت في احتواء الخطر ونجحت في تقديم المزيد من الأسباب لمعاداتها
وفي الجانب الآخر، إلى أي حد ستصل العنجهية بإسرائيل لتتجاوز كل الخطوط الحمراء المرسومة في القوانين الدولية والانسانية في حربها الحالية؟. وماذا تريد أن تفعل مع شعب يعيش على أرضه وقد لا يكون الكثير منهم يرضون بما تفعله حماس؟. ما ذنب الأطفال والنساء والشيوخ في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل؟!. كيف يجوز لدولة تحترم نفسها أن تقطع المياه والغذاء عن شعب بأكمله وتحاول قتله جوعا وعطشا عقابا على جريمة لم يكن لهم يد فيها؟.أي ضمير إنساني يسمح بما يجري اليوم في غزة من حصار ظالم يمنع الماء والغذاء والدواء عن المحتاجين إليها؟. نحن هنا نتحدث عن مذبحة بحق شعب، نتحدث عن جريمة مكتملة الأركان ضد شعب بجريرة حفنة من قيادات عميلة ومغرورة تنفذ أجندات إقليمية لا تمت بأية صلة لمصلحة الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير.
إن مصير هذه الحرب أصبح معلوما للقاصي والداني وهو إفناء حماس ومحو آثارها من فلسطين نهائيا، ولكن ليس من الانسانية تجويع الشعب وتعطيشه وذبحه بجريرة منظمة إرهابية تتستر برداء المقاومة. فهوية هذه المنظمة باتت مكشوفة تماما بأنها ليست سوى أداة بيد دول إقليمية تريد وتسعى للقضاء على القضية الفلسطينية التي ضحى من أجلها مئات الألوف من شباب هذه الأمة. ولعل التاريخ سيكشف لاحقا الأجندات وراء هذه الحرب المجنونة التي قادها حماس بالوكالة لتحقيق رغبات أعداء الشعب الفلسطيني بإستغلال قضية عادلة تتمثل في حق هذا الشعب في العيش على أرضه بأمان وسلام.