إيلاف: في الاصطلاح الجيو- اقتصادي، ينظر إلى المغرب في العادة من منطلق انتمائه إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فيما يصر المغرب على أن ارتباطه الأفريقي أقوى وأشد من ارتباطه الشرق أوسطي.
|
ففي عام 2014، تعهد الملك المغربي محمد السادس توثيق علاقات بلاده بالقارة السمراء في خطاب ألقاه بأبيدجان في عام 2014. وفي عام 2017، عاد المغرب إلى صفوف"الاتحاد الأفريقي" بعد غياب 33 عامًا فرضه الخلاف على تثبية الهوية المغربية للصحراء الغربية.
تقول المالية المغربية إن هذين الأمرين رفعا قيمة الاستثمارات المغربية المباشرة في أفريقيا من نحو 100 مليون دولار في عام 2014 إلى أكثر من 800 مليون دولار في عام 2021، فبلغت 43 في المئة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة للمغرب في تلك الفترة، ما يجعل المغرب ثاني أكبر مستثمر أفريقي في القارة بعد جنوب أفريقيا، وأكبر مستثمر في غرب أفريقيا الفرانكوفونية.
المقر الرئيسي لبنك التجاري وفا في الدار البيضاء بالمغرب
وبحسب دايفيد بيلينغ في "فايننشال تايمز"، التي أعدت تقريراً خاصاً عن فرص الاستثمار في المغرب، تسيطر ثلاثة مصارف مغربية هي بنك التجاري وفا وBanque Centrale Populaire وبنك أفريقيا على أكثر من 20 في المئة من الأصول المصرفية في غرب أفريقيا. وتعمل مجموعة OCP الحكومية المنتجة للفوسفاط والأسمدة في 16 دولة أفريقية، فيما تتمددد عمليات شركة Maroc Telecom للاتصالات في بنين وبوركينا فاسو وساحل العاج والغابون ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وتوغو وجمهورية أفريقيا الوسطى.
أفريقيا في المغرب
في المقابل، ثمة استثمارات أفريقية في المغرب، يمكن أن يكون أبرزها الاستثمار النيجيري في مشروع خط أنابيب الغاز المزمع إنشاؤه بين نيجيريا والمغرب. ففي أبريل الماضي، أعلنت الرباط أن حجم الاستثمار في هذا الخط تبلغ نحو 25 مليار دولار، سيتم تمويلها مناصفة بين البلدين. وبحسب وكالة أنباء المغرب، تعتزم شركة النفط الوطنية النيجيرية (NNPCL) الحكومية استثمار 12.5 مليار دولار في هذا المشروع، فيما يساهم المكتب الوطني للهيدروكربونات والمناجم التابع للحكومة في المغرب بالنصف الآخر من الإنفاق الاستثماري على المشروع.
وأنشأت المصارف النيجيرية مثل Access Bank وUnited Bank for Africa فروعًا لها في المغرب، معززة وجودها في شمال أفريقيا، كما استثمرت شركة Dangote Cement النيجيرية أكثر من مليار دولار في مصنع للأسمنت في المغرب.
إلى ذلك، يتميز Ecobank، المصرف الرائد في ساحل العاج وأفريقيا بحضور كبير في المغرب، فيما تعد شركة MTN الجنوب أفريقية الاتصالات ثاني أكبر مشغل للجوال في المغرب، إلى جانب إبرام شركة Safaricom الكينية شراكة مع Maroc Telecom لإطلاق خدمة التجارة الرقمية عبر الجوال في المغرب.
استراتيجيا جديدة
تنشط هذه الاستثمارات وغيرها في قطاعات عدة بفضل التشجيع الذي تقدمه الحكومة المغربية للاستثمار الأفريقي في البلاد. ففي عام 2020، أطلقت الحكومة استراتيجيتها "أفريقيا 2021-2025" لمضاعفة التجارة المغربية مع أفريقيا بحلول عام 2025، وضعت عددًا من الحوافز للمستثمرين الأفارقة، طالإعفاءات الضريبية والحصول على الأراضي والتمويل.
يسعى المغرب جاهداً لتسويق نفسه وجهة استثمارية "مجدية" بعدما صاغ ميثاقاً للاستثمار يتضمن تحفيزات للمستثمرين المحليين والأجانب، مستهدفاً جذب استثمارات تقدر بنحو 55 مليار دولار، تساعد على توفير 550 ألف فرصة عمل بحلول عام 2026، بحسب وكالة أنباء المغرب. وفي أبريل الماضي، أعلن مكتب الصرف المغربي ارتفاع صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية إلى نحو 337 مليون دولار بنهاية فبراير 2023، مرتفعاً بنسبة 53,6 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من 2022، فيما ارتفعت عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 19,8 في المئة إلى 503 ملايين دولار، وانخفضت النفقات بنسبة 17,2 في المئة.
في عام 2022، تصدرت الولايات المتحدة لائحة المستثمرين في المغرب بمشاريع بلغت قيمتها الإجمالية 761 مليون دولار، مقابل 71 مليار دولار في عام 2021، وشكلت استثماراتها أكثر من 30 في المئة من عموم الاستثمارات الخارجية. وبحسب مكتب مراقبة التجارة الخارجية المغربي، تفوقت الولايات المتحدة في ذلك العام على فرنسا بصفتها المستثمر الأجنبي الرئيسي في المملكة، إذ بلغ حجم الاستثمارات الفرنسية حينها 339 مليون دولار، منخفضة من 761 مليون دولار في عام 2021.
منظر جوي للمرايا الشمسية في محطة نور 1 للطاقة الشمسية المركزة بوسط المغرب
خليجية وصينية
خليجياً، بلغت الاستثمارات السعودية في المغرب 6 مليارات دولار في عام 2022، والبحث جار لاستحداث صندوق مشترك لدعم الشركات المتوسطة والصغيرة للتصدير والاستثمار في البلدين، يشارك في تأسيسه القطاعان العام والخاص من البلدين، بما في ذلك البنوك المغربية كالتجاري وفا بنك والبنك الشعبي والقرض الفلاحي للمغرب وبنك أفريقيا) والبنوك والمؤسسات السعودية كالبنك السعودي للاستثمار والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية. ويقدر حجم الاستثمار الإماراتي بنحو 2.13 مليار دولار، وهو موجه نحو القطاعات الإنتاجية ومجالات الصناعة والخدمات والاقتصادين الأخضر والأزرق، إضافة إلى الابتكار بغرض الاستفادة من الإمكانات الكبيرة للعلاقات الثنائية بين البلدين، لتأمين الاحتياجات المحلية وتعزيز الصادرات إلى نطاق أكبر.
في سبتمبر الماضي، أعلنت شركة CNGR Advanced Material الصينية نيتها بناء مصنع لمواد "الكاثود" المستخدمة في إنتاج البطاريات بالمغرب، باستثمارات قيمتها ملياري دولار، لتزويد أسواق البطاريات الأميركية والأوروبية بمنتجات الشركة. ونسبت "فايننشال تايمز" إلى تورستن لارس، الرئيس التنفيذي للشركة في أوروبا، قوله: "المغرب نقطة انطلاق جيدة للمنتجين الصينيين الراغبين في خدمة أسواق الولايات المتحدة وأوروبا"، إذ سيستفيد من التوتر "الاقتصادي" بين واشنطن وبكين.
وبذلك، تكون هذه الشركة الصينية قد لحقت بنظيرتها LG Chemicals الكورية الجنوبية التي أعلنت بناء مصنع مشترك مع شركات صينية أخرى لمواد بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، مكن أجل تنويع استثماراتها.
استثمار أخضر
حدد المغرب جزءًا مهمًا من إنفاقه الاستثماري لتعزيز قطاعات مستقبلية، مخصصاً 12.3 مليار دولار لتطوير قطاعات مرتبطة بإنتاج وتطوير صناعات الفوسفات، ضمن البرنامج الاستثماري الأخضر الجديد للمجمع الشريف للفوسفاط التابع للدولة، للأعوام بين 2023 و2027.
يهدف هذا البرنامج الاستثماري الجديد لزيادة الإنتاج اعتمادًا على الطاقة الخضراء، وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2040، وتوفير 25 ألف فرصة عمل.
وتنص خطة الحكومة المغربية على إنتاج 3 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030، معتمدةً على إمكانات البلاد في مجال الطاقة المتجددة وتحلية مياه البحر، وعلى استثمارات أجنبية، وتحديداً خليجية، لتكون السعودية والمغرب من أرخص الدول في تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم في 2050 (يورو واحد لكل كيلوغرام)، بحسب PWC.
شركات أوروبية تصنع سياراتها في المغرب بسبب وجود بنية تحتية ملائمة
إسبانيا وأخواتها
ويراهن المغرب على جذب الاستثمارات الإسبانية، فإسبانيا كانت الشريك التجاري الأول للمغرب في الأعوام الأخيرة إذ تمثل 28.3 في المئة متقدمة على فرنسا (22.6 في المئة) وإيطاليا (7.5 في المئة) وتركيا (6.9 في المئة) وألمانيا (6 في المئة). وفي المغرب أكثر من 1000 شركة إسبانية تعمل في قطاعات مختلفة، فيما تملك 600 شركة إسبانية أسهماً في شركات مسجلة بالمغرب، ليصل حجم الاستثمار الإسباني في المغرب إلى 3.5 مليارات دولار فقط.
وفي مايو الماضي، أعلن أوليفييه فرانسوا، الرئيس التنفيذي لشركة "فيات" الإيطالية، عن اعتزامه تصنيع سيارة "توبولينو" الكهربائية في المغرب. ويضاف المُصنّع الإيطالي إلى لائحة طويلة من المصنّعين مثل أوبيل" و"رينو" و"بي إس أ"، الذين اختاروا المغرب لإنتاج سياراتهم النظيفة. وفي حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، ردّ المحلل الاقتصادي محمد جدري إقبال رؤوس أموال أجنبية على الوجهة المغربية في مجال صناعة السيارات الصديقة للبيئة إلى "تأهيل المغرب للبنيات التحتية، وتوفر رأس المال البشري، إضافة إلى توفر باقة من التسهيلات في الجانب اللوجستي".