: آخر تحديث

تصريف مياه فوكوشيما: هل تهدّد اليابان المحيط الهادئ والجوار؟

73
68
73
مواضيع ذات صلة

ناشطة تحمل لافتة كتب عليها
Getty images
من الاحتجاجات في سول على تصريف مياه فوكوشيما

تبدأ اليابان الخميس عملية تصريف المياه المعالجة من محطة فوكوشيما للطاقة النووية، بعد 12 عاماً على واحدة من أسوأ الكوارث النووية في العالم.

 

وتقضي خطة اليابان بالتخلّص من حوالي 1.34 مليون طن من المياه الملوثة المخزنة في موقع المحطة (أي ما يكفي لملء 500 حوض سباحة أولمبي)، وذلك من خلال تصريفها في المحيط الهادئ، بعد معالجتها وتخفيف كثافتها.

 

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد صادقت في يوليو/ تموز الماضي على هذا المشروع الذي يثير الذعر داخل اليابان ولدى بعض الدول المجاورة لها، بسبب مخاوف من الإشعاعات، ومن تلوث المحيط.

 

لكن طوكيو تؤكد أن عملية تصريف المياه المعالجة في البحر ستستمر سنوات ولن تكون لها أي عواقب بيئية أو صحية.

ما هي خطة التصريف؟

قال رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا الثلاثاء إن السلطات "ستطلب من مشغّل المحطة الاستعداد على الفور لبدء التخلص من المياه في 24 أغسطس/ آب، إذا كانت الظروف الجوية والبحرية مناسبة".

وقالت الحكومة إن تصريف المياه خطوة ضرورية في العملية الطويلة والمكلفة لإيقاف تشغيل المحطة التي تقع على الساحل الشرقي للبلاد، على بعد حوالي 220 كيلومتراً شمال شرق العاصمة طوكيو.

وكانت اليابان قد جمعت وخزنت المياه الملوثة في خزانات لأكثر من عقد من الزمان، لكن المساحة بدأت تنفد.

وعملت شركة "تيبكو" المشغلة للمحطة على تصفية المياه لإزالة أكثر من 60 مادة مشعة، لكن مع ذلك، لن تكون المياه خالية تماماً من الإشعاع لأنها ستظل تحتوي على التريتيوم والكربون 14، وهما من النظائر المشعة للهيدروجين والكربون التي لا يمكن إزالتها بسهولة من الماء.

لكن خبراء يعتقدون أنها لا تمثل خطراً ما لم تُستهلك بكميات كبيرة، إذ تنبعث منها مستويات منخفضة جداً من الإشعاع.

وقالت طوكيو في وقت سابق إن المياه التي ستصرّف في المحيط الهادئ، والتي خلطت بمياه البحر، تحتوي على مستويات التريتيوم والكربون 14 التي تلبّي معايير السلامة.

ومنذ وقوع كارثة فوكوشيما عام 2011، جمعت شركة "تيبكو" 1.34 مليون طن من المياه المستخدمة لتبريد ما تبقى من المفاعلات التي لا تزال شديدة الإشعاع، والتي اختلطت بالمياه الجوفية والأمطار.

وتقول الشركة إنه المياه ستصفى قبل تصريفها، لإزالة كل المواد المشعة باستثناء التريتيوم، والتي تقل مستوياتها كثيراً عن المستويات الخطرة.

وستصرّف تلك المياه في المحيط قبالة الساحل الشمالي الشرقي لليابان بمعدل أقصى يبلغ 500 ألف لتر يومياً.

مخاوف في الداخل والخارج

أثارت خطة تصريف المياه من المحطة قلقاً في أنحاء آسيا والمحيط الهادئ منذ أن وافقت عليها الحكومة اليابانية قبل عامين.

ويخشى الكثير من الناس، بمن فيهم الصيادون في المنطقة، من أن يؤثر تصريف المياه المعالجة على سبل عيشهم.

كما نظم حشد من المحتجين في طوكيو الثلاثاء مسيرة خارج مقر الإقامة الرسمي لرئيس الوزراء، وحثوا الحكومة على وقف عملية التصريف.

وأثارت الخطة ضجة في الدول المجاورة، إذ كانت الصين أكبر معارض لها، واتهمت اليابان بمعاملة المحيط كأنه "مجارٍ خاصة".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وينبين إن "المحيط ملكٌ عام لجميع البشر وليس مكاناً لليابان كي تصرّف فيه بصورة تعسّفية مياهاً ملوثة نووياً"، مضيفاً أن بكين ستتّخذ "الإجراءات الضرورية لضمان البيئة البحرية وسلامة الغذاء والصحة العامة".

من جهتها، قالت هونغ كونغ إنها "ستفعّل على الفور" قيود الاستيراد على بعض المنتجات الغذائية اليابانية.

وقد حظرت كل من كوريا الجنوبية والصين بالفعل واردات الأسماك من محيط فوكوشيما.

لكن حكومة كوريا الجنوبية أيّدت الخطة اليابانية، واتهمت المحتجين بـ"إثارة الذعر".

أما منظمة غرينبيس فقد قالت الثلاثاء إن اليابان "اختارت حلاً خاطئاً، ويتمثّل بعقود من التلوث الإشعاعي المتعمّد للبيئة البحرية، في وقت تواجه فيه محيطات العالم بالفعل ضغوطاً هائلة".

معايير السلامة الدولية

الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت بياناً حول المسألة، أكدت فيه أن "النهج والأنشطة المتعلّقة بعملية التصريف تتسق مع معايير السلامة الدولية ذات الصلة وسيكون لها تأثير إشعاعي ضئيل على الناس والبيئة".

وقالت الوكالة التابعة للأمم المتحدة إن مديرها العام، رافائيل ماريانو غروسي، "التزم بمواصلة الوكالة مراجعتها المحايدة والمستقلة والموضوعية للسلامة خلال مرحلة التصريف".

وكانت الوكالة قد حافظت على وجودها في الموقع في فوكوشيما، إذ افتتحت مكتبها في المحطة النووية في يوليو/ تموز 2023.

ويعمل موظفو الوكالة هناك حتى يتمكنوا من مواصلة رصد وتقييم الأنشطة في الموقع لضمان استمرار اتساقها مع معايير السلامة، بما في ذلك يوم بدء التصريف وبعده، بحسب البيان.

بدوره أكد الخبير النووي من جامعة أديلايد توني هوكر، إن تصريف التريتيوم (بواسطة محطات الطاقة النووية) "جرى لعقود من دون أي آثار بيئية أو صحية ضارّة وذلك بالأدلة".

وأضاف في حديث إلى وكالة رويترز إن هناك عمليات تصريف للمياه المعالجة من منشآت نووية أخرى في أنحاء العالم تحتوي حالياً على مستويات أعلى من التريتيوم من تلك التي في فوكوشيما.

كما سلط هوكر الضوء على ضرورة الخطة للتخفيف من مخاطر تعريض المنطقة للخطر من الزلازل المحتملة التي تلحق الضرر بصهاريج تخزين المياه، مضيفاً أن هناك حاجة إلى مساحة لمواصلة إيقاف تشغيل المفاعلات الحالية للمحطة.

وبحسب موقع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تجدر معالجة النفايات النووية بهدف جعلها آمنة للتخلص منها، ويشمل ذلك جمعها وفرزها، إضافة إلى تقليل حجمها وتغيير تركيبها الكيميائي والفيزيائي، مثل تركيز النفايات السائلة، وأخيراً، تكييفها بحيث تجمّد وتخزّن قبل التخلص منها.

وبشكل عام، تميل عمليات المعالجة إلى تقليل حجم النفايات عن طريق فصل المكوّن المشع عن كومة النفايات، وغالباً ما يغيَّر تكوين النفايات في هذه العملية.

وهناك طريقتان شائعتان للمعالجة هما: حرق النفايات الصلبة وتبخر النفايات السائلة.

متظاهر ملثم يقف أمام الأعلام عند بوابات محطة هينكلي بوينت للطاقة النووية لإحياء الذكرى الأولى لكارثة فوكوشيما في اليابان في 10 مارس/ آب 2012 بالقرب من بريدجواتر، إنجلترا.

Getty images

ماذا حدث في فوكوشيما؟

في 11 مارس/ آذار عام 2011، غمر تسونامي ناجم عن زلزال بقوة 9 درجات في الساحل الشرقي لليابان، ثلاث مفاعلات في محطة فوكوشيما دايتشي للطاقة النووية.

وأودى تسونامي في حينه بحياة نحو 18 ألف شخص.

وشهدت محطة فوكوشيما عدداً من الانفجارات الكيميائية التي ألحقت أضراراً بالغة بالمباني.

وبدأت المواد المشعة تتسرب إلى الغلاف الجوي والمحيط الهادئ، مما دفع السلطات اليابانية إلى إقامة منطقة محظورة استمر توسيعها مع تسرب الإشعاع من المحطة، ما أجبر أكثر من 150 ألف شخص على إخلاء المنطقة.
واستخدمت المياه لتبريد قضبان الوقود في المحطة النووية.

ولكن في الأيام التي تلت، ارتفعت درجة حرارة الوقود النووي في ثلاثة من المفاعلات وأذابت النوى جزئياً - وهو ما يعرف باسم الانصهار النووي.

لم تكن هناك وفيات على الفور خلال الكارثة النووية، لكن أصيب ما لا يقل عن 16 عاملاً في الانفجارات، وتعرّض عشرات آخرون للإشعاع أثناء عملهم على تبريد المفاعلات وتحقيق الاستقرار في المحطة.

وتعد الآثار طويلة الأمد للإشعاع محل نقاش. وأصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً في عام 2013 قال إن الكارثة لن تسبب أي زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة.

كما يعتقد العلماء داخل وخارج اليابان أنه بصرف النظر عن المنطقة المحيطة بالمصنع مباشرة، فإن مخاطر الإشعاع لا تزال منخفضة نسبياً.

وفي مارس/ آذار 2021، قبيل الذكرى السنوية العاشرة للكارثة، أشارت الأمم المتحدة في تقرير أنه "لم تكن هناك آثار صحية ضارة" موثقة بين سكان فوكوشيما مرتبطة مباشرة بالإشعاع الناجم عن الكارثة. وأضافت أن أي آثار صحية مستقبلية مرتبطة بالإشعاع "من غير المرجح أن تكون ملحوظة".

 

لكن الكثيرين يعتقدون أن المخاطر أكبر بكثير، ولا يزال السكان حذرين. وعلى الرغم من أن المسؤولين رفعوا القيود في العديد من المناطق، إلا أن معظم الناس لم يعودوا إلى ديارهم. وفي عام 2018، أعلنت الحكومة اليابانية أن أحد العمال قد توفي بعد تعرضه للإشعاع ووافقت على تعويض عائلته.

 

ومع ذلك، تأكدت وفاة عدد من الأشخاص في عملية الإجلاء، بما في ذلك العشرات من مرضى المستشفى الذين اضطروا إلى نقلهم بسبب المخاوف من الإشعاع.

 

وصنفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية كارثة فوكوشيما على أنها حدث من المستوى السابع، وهو أعلى حدث من نوعه وثاني كارثة فقط توافق هذا التصنيف بعد كارثة تشيرنوبيل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد