: آخر تحديث
اعترافاً بمسارها الفكري وقيمة إسهاماتها الشعرية وعمق أبعادها الإنسانية

"منتدى أصيلة" يسلم الإيفوارية تانيلا بوني جائزة "تشيكايا اوتامسي" للشعر الإفريقي

2
2
2

إيلاف من أصيلة: شهدت فعاليات الدورة الخريفية من موسم أصيلة الثقافي الدولي السادس والأربعين، مساء الخميس تتويج الشاعرة الإيفوارية تانيلا بوني بجائزة "تشيكايا أوتوماسي للشعر الإفريقي"، في دورتها الثالثة عشرة، وذلك اعترافًا بمسارها الأدبي والفكري، وتقديرًا لقيمة إسهاماتها الشعرية وعمق أبعادها الإنسانية.

وتميز الحفل بحضور جمهور عريض من المثقفين والأكاديميين المغاربة والأجانب، حرص خلاله المتدخلون على التعبير عن مشاعر التقدير والوفاء للراحل بن عيسى، وترحيبهم بالدور الذي يلعبه موسم أصيلة والقيمة التي ترسخت للمنتدى، وما يمثله على المستوى الإنساني والثقافي بالنسبة للمدينة والمغرب وإفريقيا، بشكل عام. 

حاتم البطيوي يسلم درع جائزة تشيكايا اوتامسي للشاعرة الايفوارية تانيلا بوني 

حس شعري متميز

ذكر حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، أن تتويج تانيلا بوني جاء بمثابة "اعتراف بما تمثّله كتاباتها من تجربة فنية فريدة، وحسٍّ شعري متميّز في فضاء الشعر الإفريقي الفرنكفوني، فضلًا عن ما تنطوي عليه أعمالها من سمات جمالية جذابة تميّز مجموعاتها الشعرية الغزيرة".

واستعرض البطيوي تاريخ هذه الجائزة، مشيرًا إلى أن موسم أصيلة عرف، منذ تأسيس الجائزة عام 1989، "لحظاتٍ قوية احتفى خلالها بأسماء كبار الشعراء الأفارقة الذين حظيت أعمالهم بهذا التكريم الأدبي المرموق، الذي يحمل اسم رمزٍ شعريٍّ استثنائيٍّ أدّى دورًا بارزًا في الثقافة الإفريقية، وساهم في ترسيخ جماليات الخطاب الشعري المنبثق من روح الجنوب، المُعبِّر عن قيمه وأحلامه وقضاياه، مُحقّقًا بذلك منجزًا أدبيًا أصبح اليوم من أبرز إسهامات الثقافة الإفريقية، بل وأحد أكثر الإنتاجات الشعرية ترجمةً وانتشارًا في الثقافات العالمية".

وأضاف البطيوي أن الجائزة منحت، عبر دوراتها المتعاقبة، لكوكبة من الشعراء الأفارقة البارزين، من بينهم، إدوار مونيك، ورينيه ديبيستر، ومازيزي كونيني، وأحمد عبد المعطي حجازي، وجان باتيست لوتار، وفيرا دوارتي، وعبد الكريم الطبال، ونيي أوسونداري، وفاما دياني سيني، والمَهدي أخريف، وجوزي غيبو، وأمادو لامين صال. وهي أسماء تنتمي إلى أجيال وتجارب شعرية متنوّعة، قادمة من بلدان إفريقية تمتد من المغرب إلى جنوب إفريقيا، مرورًا بـ مصر، وموريشيوس، ونيجيريا، وهايتي، والكونغو، والسنغال، والكونغو برازافيل، وكوت ديفوار والرأس الأخضر.

ومن هذا المنطلق، أكد البطيوي أن اختيار تانيلا بوني نابع من كونها "تُعدّ شخصية بارزة في الأدب الإفريقي المعاصر وصوتًا نسائيًا مميزًا، إذ تستكشف في أعمالها الشعرية موضوعات مثل الهوية، ووضع المرأة، والتحوّلات التي تشهدها المجتمعات الإفريقية. هذا إلى جانب أن أسلوبها الكتابي يتّسم بالبساطة والكثافة، جامعًا بين العمق الجمالي والانخراط الاجتماعي، ليمنح صوتًا لمن يُظلمون بالصمت غالبًا".

كما عبّر البطيوي عن اعتزازه الشخصي بفوز بوني قائلًا: "لا يسعني هنا إلا أن أعبّر عن عميق اعتزازي بفوز شاعرة ايفوارية من طينة تانيلا بوني بجائزة فيليكس تشيكايا أو تامسي، الذي كان بحق أحد الرموز البارزة لموسم أصيلة الثقافي، ومن أكثر الشخصيات إخلاصًا للرسالة التي تجسدها مثل هذه اللقاءات. ومثل كثيرين ممن شهدوا دورات الثمانينيات، لا يمكنني أن أنسى حضوره الدائم، ومساهماته الفاعلة، والعاطفة التي كان يُكنّها لهذا الفضاء الذي أودع فيه جزءًا من حلمه الإفريقي".

وختم البطيوي كلمته بالتأكيد على أن الاحتفاء بتانيلا بوني هو أيضًا "تكريم لذاكرة تشيكايا أوتامسي، وشغفه الإبداعي، وشخصيته المميزة".

عطاء سخي

ألقت غزلان دروس، مديرة الكتاب والخزانات والمحفوظات في وزارة الثقافة ، التي مثلت محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، في كلمة أكدت فيها أن الجائزة تمثل "احتفاء بالتميز الشعري والالتزام الإنساني، عبر تسليم جائزة تحمل اسم شاعر إفريقي كبير".

وأشارت دروس إلى أن تتويج هذا العام "منح لصوت متميز، على مستوى الشعر الإفريقي المعاصر"، معتبرة أن "الفائزة ليست مجرد شاعرة فقط، بل هي أيضا ضمير يقظ، حاملة للذاكرة، مهندسة للكلمات، تعبر عن صوت نساء إفريقيا، من دون أن تخنق المشاعر، بل تنحتها لتعطيها رونقا".

كما نوهت إلى أن "تانيلا بوني تذكرنا بأن الشعر ليس ترفا، بل ضرورة حيوية، وفضاء للحرية، تصقل فيه الكرامة الإنسانية"، مشددة على أن "التزام الشاعرة الإيفوارية بقضايا المرأة في إفريقيا ليس إضافة بسيطة لأثرها الأدبي، بل قلبه النابض".

وأضافت: "في زمن توضع فيه القيم الإنسانية على المحك، تأتي شجاعة تانيلا بوني لتذكرنا بأن الشعر يبقى من الأشكال القوية للمقاومة السلمية"؛ قبل أن تؤكد على أن الجائزة تمثل "تحية لعطائها السخي والتزامها في خدمة العدالة والحرية، واعترافا بمنجزها الكبير وتشجيعا لها على مواصلة المسار المتوهج على مستوى الشعر الإفريقي"، الذي وصفته بـ "صوت حاضر، حي وضروري في حفلة أصوات العالم".

قضايا الإنسان

تحدث الشاعر السنغالي أمادو لامين صال، رئيس لجنة تحكيم الجائزة، عن موسم أصيلة والراحل محمد بن عيسى، قائلًا: "سنفتقده كثيرا". كما عبّر عن حبه واحترامه للمغرب وقيادته، وأضاف: "من الصعب ألا تحب المغرب". وعن الشاعر الذي تحمل الجائزة اسمه، قال لامين صال: "كان شاعرا يحب الحقيقة، ويقول الحقيقة".

أما عن الفائزة، فوصفها بأنها "امرأة استثنائية، ووجه لامع في المشهد الشعري الإفريقي، ارتبط اسمها بالتميز والعمل الجاد"، مشيرًا إلى أن "الجائزة تأتي تتويجا لمسيرتها وتجربتها الشعرية".

في السياق ذاته، أثنى باقي أعضاء لجنة التحكيم على الشاعرة، وخصّ نبيل منصر بالإشادة "قدرتها البارعة والصادقة على الالتزام بقضايا الإنسان دون تفريط في الجمال الفني الذي يجعل الشعر ضربا من السحر والفتنة، ومن المعجزة اللغوية التي تغوي وتبعث على التأمل والتفكير في نوع من المزاوجة السعيدة بين الشعر والفكر".

الشاعرة تتحدث

عبّرت تانيلا بوني عن اعتزازها بالجائزة وباللحظة التي تعيشها، مؤكدة أن "الشعر لم يغادرها يوما"، وأن "البعد الإنساني ظل رفيقا لخطواتها، منذ بداياتها".

واستحضرت مدينة أصيلة بكلمات مؤثرة، واصفة إياها بـ "مدينة النور والسلام والأخوة"، كما تحدثت عن إفريقيا بوصفها "أرض التشارك والتقاسم والتبادل والجمال والتضامن والكرامة". وأشادت بالعلاقة التي تربطها بالمغرب وبمنتدى أصيلة قائلة: "منتدى أصيلة يفعل خيرا كثيرا للإنسانية".

في حديقة أوتامسي

اختتم الحفل بزيارة جماعية للحديقة الصغيرة المجاورة لسور المدينة، قرب بوابتها، والتي تحمل اسم تشيكايا أوتامسي، حيث شُيّد نصب حجري يحمل إحدى قصائد الشاعر الراحل، في المكان الذي كان يفضّل الجلوس فيه لمتابعة غروب الشمس.

وخلال هذه اللحظة التكريمية، ألقيت كلمات في استحضار منجز الشاعر وسيرته، وقرأت الشاعرة تانيلا بوني مقاطع من شعرها، في مشهد امتزج فيه الشعر بالذاكرة، والاعتراف بالتاريخ.

سيرة تانيلا

ولدت تانيلا بوني في أبيدجان عام 1954، وتُعد من أبرز رموز الحركة النسوية في إفريقيا، وأحد أهم الأصوات الشعرية النسائية المعاصرة في القارة.

وتميزت كتاباتها بدمج الالتزام الاجتماعي والثقافي مع الجمالية الشعرية، حيث سلطت الضوء على قضايا الهوية والمرأة والمجتمع الإفريقي.

بَرزت موهبة تانيلا بوني الشعرية منذ مرحلة دراستها الإعدادية، وواصلت تطويرها رغم توجهها نحو مجالات الفلسفة والرواية والمقالة الأدبية. وتمكنت من ترسيخ مكانتها في المشهد الشعري الإفريقي من خلال إنتاج غني وذي عمق فكري، يتسم بأسلوب رصين يعكس قضايا الهوية والصراع بشكل موجز ورفيع، بعيدا عن المبالغة. هذا الأسلوب أكسبها احتراماً وشهرة واسعة في الأوساط الثقافية الفرنكوفونية والإفريقية. وقد حصلت على عدة جوائز أدبية مرموقة من بينها جائزة أحمدو كوروما (2005)، وجائزة أنطونيو فيكارو (2009)، وجائزة التميز في الآداب من رئاسة كوت ديفوار (2017)، وجائزة تيوفيل غوتييه من الأكاديمية الفرنسية (2018) وجائزة المهرجان الدولي للشعر الفرنكوفوني(2023).

ونشرت بوني عدداً كبيراً من المقالات في مجلات أدبية وأكاديمية مرموقة، وأطلقت منذ عام 2002 مبادرات متعددة لتشجيع الشعر في كوت ديفوار. كما شغلت منصب رئيسة اتحاد كتاب كوت ديفوار (1991-1997)، وكانت من المنظمين الأساسيين للمهرجان الدولي للشعر في أبيدجان. إلى جانب ذلك، تؤدي بوني دوراً فعالاً وقيادياً في عدد من المنظمات الثقافية والفكرية، وهي كذلك عضوة مشاركة بأكاديمية المملكة المغربية.

وتتناول كتابات تانيلا بوني ومجموعاتها الشعرية موضوعات متعددة تشكل فضاءً للتأمل والتعبير والتنديد والمقاومة، حيث يمنح شعرها صوتاً لمن لا صوت لهم.

أوتامسي وأصيلة

تجدر الإشارة إلى أنه في صيف عام 1988، أعلن الراحل محمد بن عيسى، الأمين العام السابق لمؤسسة منتدى أصيلة، عن إحداث جائزة تعنى بالشعر الإفريقي، تمنح كل ثلاث سنوات لأحد الشعراء الأفارقة المرموقين؛ أطلق عليها اسم "جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الإفريقي"، تكريماً لذكرى هذا الشاعر الكونغولي، الذي واظب على حضور مواسم أصيلة منذ عام 1981.

وعرف أوتامسي بحبه لأصيلة وتقديره لأهلها؛ وسبق له أن كتب عنها: "هي مدينة. الفن سيد مصيرها، وسيد شارعها. تولّد رغبة عارمة في أن تتحول الحياة إلى عيد يُحتفى به في كل وقت. ولجميع الأسباب. أصيلة أحبها حباً هو الهيام. أصيلة، لا أتوقف عن الرجوع إليها واستعادة مذاق السكينة والصبر. بلدة سرعان ما تعرف خفاياها مثل قلب تحبه، مع ذلك لا تتوقف عن التماس الدليل على أنك ما زلت محبوباً. والبرهان في ضوء جدرانها الكلسية البيضاء. الشمس تعطيها مذاق الحلوى. هنا تحس شهوة عارمة للحياة، تشتهي أن تكون قطة تطلب لطف الملامسة. جدران أصيلة نشيد هامس للأيدي التي شكلتها".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات