: آخر تحديث
تضمن كتابات وشهادات عن مؤسس موسم أصيلة

صدور كتاب تكريمي لمحمد بن عيسى "رجل الدولة وأيقونة الثقافة"

3
2
3

إيلاف من أصيلة: حسنا فعلت "مؤسسة منتدى أصيلة" بجمعها ونشرها لشهادات المشاركين في ندوة "محمد بن عيسى.. رجل الدولة وأيقونة الثقافة"، ضمن تقليد دأبت عليه منذ إطلاق "خيمة الإبداع"، في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي السادس والأربعين.

قيد حياته، أقام محمد بن عيسى، الوزير المغربي السابق في الثقافة والخارجية، خيمات عدة لتكريم مبدعين ومفكرين، تقديرا لعطاءاتهم، وها هي "خيمة الإبداع" التي أسسها، واختار لها أن تكون من أيقونات موسم أصيلة، ترد للراحل - كما كتب عبد الإله التهاني، الكاتب والاعلامي، المدير السابق للاتصال والعلاقات العامة بوزارة الاتصال المغربية، والمشرف على هذا اللقاء التكريمي – "تحية الوفاء والبرور"، و"تحتفي بشخصيته الفذة في أبعادها الثقافية والديبلوماسية والإنسانية"، و"تستعيد بكل امتنان وعرفان، ما قدمه لمدينته من عطاء وفير، في ساحة العمل الاجتماعي والمدني والإحساني".

جاء كتاب "خيمة الإبداع" لهذه السنة، في طبعة أنيقة، من 399 صفحة، متضمنا 78 شهادة، تحت عنوان "محمد بن عيسى ... رجل الدولة وأيقونة الثقافة/ شهادات وذكريات".

مقدمة الكتاب

كتب التهاني، منسق "خيمة الإبداع" في مقدمة الكتاب: "قبل فاجعة وفاته التي أحزنت كل محبيه ومقدري أفضاله، كان الفقيد العزيز الأستاذ محمد بن عيسى رحمه الله، قد قرر سيرا على عادته الأليفة، في كل دورات موسم أصيلة الثقافي الدولي، تخصيص دورة 2025 من ندوة "خيمة الإبداع"، لتكريم إحدى الشخصيات الفكرية المغربية المميزة، وطلب موافاته بالاقتراحات المناسبة في هذا الشأن، وهو ما تم تجهيزه فعلا، وبقي له رحمه الله، أن يحسم ويختار الشخصية التي يرى أنها أولى بالتكريم، لينطلق مسلسل التحضيرات في الآجال المعتادة، تحت إشرافه وتتبعه الدقيق. لكن سيد الموسم، وخلافا لعاداته، سيؤجل الحسم في الترشيحات. لم نكن وقتها نعلم أن المرض اللعين، كان قد بدأ يضعف جسده، وإن لم يضعف أبدا من توقده ولمعانه الفكري.

وحين جمعنا ذات يوم، بحضور أمين سره الدائم الصديق حاتم البطيوي، عرض أمامنا تصوره لصيغة موسم أصيلة الثقافي للعام الجاري. بدا من الوهلة الأولى، أنها صيغة مرنة وخفيفة، كأنه شعر بشيء عميق يعتمل بداخله، وبأن نوعا من الوهن غير مسبوق، قد داهمه، فارتأى أن يضع خطاطة مرنة للدورة الخريفية من موسم أصيلة، مخفضا بذلك أعباء وثقل عمليات التحضير، ومتطلبات الإعداد والتنظيم، لكنه أبقى على ندوة "خيمة الإبداع"، بانتظار أن يختار الشخصية التي سيسعد بتكريمها. كنا نزوره في الأسابيع القليلة السابقة على وفاته رحمه الله، لنطمئن عليه، ونقبس من نوره الذي لم ينطفئ أبدا. لكننا لم نكن نتوقع أنه بعد أسابيع قليلة، سيرسم القدر القاسي مسارا آخر للأحداث. فقد بات الوضع الصحي للأستاذ محمد بن عيسى في تراجع، لكنه بقي شهما ثابتا، تغشاه سكينة المؤمنين، الذين يذهبون إلى مصيرهم، بيقين وشجاعة، وبإيمان عميق.

توقف نشاط سيد الموسم وفارسه، بسبب مضاعفات المرض، ولم يبق متسع من العمر إلا للوصايا الأخيرة بشأن مستقبل منتدى أصيلة، وموسمه السنوي، الذي كان لصيقًا بروح الفقيد وكيانه، حتى جعل منه، أحد أكبر المؤسسات الثقافية في عالم اليوم.

وفجأة، حل المصاب الجلل، ومعه جبال من الحزن العميق تجثم على القلوب. مات فارس أصيلة، وتهاوى البنيان الشامخ فيها. مات الكبير الذي كانت تسعد به مجالس الشرق والغرب، في زمننا هذا. مات محمد بن عيسى، الذي كان يضفي على المنتديات، أكاليل من حكمته وفصاحته، ومن ألقه وأناقته وذوقه، ولمعانه الفكري.

وجاء الخلف من أقرب المقربين إليه. صعد أمين سره حاتم البطيوي إلى مركز الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ليخلف واحدا من أعظم رجال هذا العصر، ويا له من شرف ورفعة، ويا لها من مسؤولية وأمانة.

لم ينتظر الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة، وقتا طويلا، كي يجعل من "خيمة الإبداع" لهذا العام، مناسبة لتكريم روح وسيرة صانع الإشعاع الثقافي لأصيلة في العالم.

وانطلقنا في ترتيبات الندوة التكريمية، والإعداد للكتاب الخاص بها. كان صعبا في الظروف الانتقالية، دعوة كل الذين عرفوا المرحوم، وتقاسموا معه مسيرته الحافلة أو جزءا منها، للمشاركة في الندوة وفي الكتاب التكريمي. وبالمقابل، تم الاكتفاء بتمثيلية رمزية، لفئات واسعة من أصدقائه وزملائه ورفاق مسيرته، تناوبوا على إضاءة مشاهد من سيرته، المليئة بالعديد من فصول البذل والعطاء، ومن مظاهر الصبر والثبات على فعل الخير، وإشاعة قيم المعرفة والجمال والإبداع.

هذا الكتاب الذي استغرق منا (الصديق حاتم البطيوي وأنا) أربعة شهور من العمل اليومي المتواصل، يضم شهادات وانطباعات وتأملات وسرديات شيقة، عن حياة وأعمال الوزير المقتدر، والسفير الخبير، والمثقف الألمعي الأستاذ محمد بن عيسى رحمه الله.

تطلبت منا وفرة المساهمات التي وصلتنا، كثيرا من الجهد لتنسيق مواد الكتاب، ومراجعتها وضبطها وتبويبها.

في هذا الكتاب، نلتقي بشهادات لشخصيات رفيعة، من عالم الثقافة والسياسة والإعلام والديبلوماسية، ومن الحقل الأكاديمي، اجتمع فيها الصدق والوفاء، والدقة والتلقائية.

وإنه لمن دواعي اعتزازنا أن نفتتح هذا الكتاب، برسالة التي التعزية المؤثرة، التي بعث بها جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، إلى أسرة الفقيد الكبير محمد بن عيسى، معزيا ومواسيا، ومشيدا بوطنيته وإسهاماته الثقافية، وبإخلاصه وكفاءته العالية، في الاضطلاع بكل المهام الحكومية التي أسندت إليه.

وختاما، لابد من توجيه تحية شكر وتقدير وعرفان، لكل الشخصيات التي لبت دعوة الأستاذ حاتم البطيوي، الأمين العام الجديد لمؤسسة منتدى أصيلة، وشاركت حضوريا في ندوة "خيمة الإبداع" التكريمية، أو ساهمت بشهادة قيمة في هذا الكتاب، الذي سيبقى علامة من علامات الوفاء والمحبة، لفقيد المغرب والعروبة والإنسانية، محمد بن عيسى، رجل الدولة وأيقونة الثقافة".

مساهمات

أخذت المساهمات عناوين على علاقة بمفاهيم الصداقة والتقدير والوفاء والاحترام التي جمعت أصحابها بالراحل، معددةإسهاماته ومواقفه وما يميز شخصيته وسيرته.

من بين المشاركين في الكتاب وزراء وسفراء سابقون وحاليون، إعلاميون وكتاب وفاعلون في مجالات على علاقة بالاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام. وجاء بعض عناوين المساهمات مع أصحابها، كما يلي: "محمد بن عيسى خادم الثقافة بلا كلل" للرئيس السنغالي السابق ماكي صال، و"محمد بن عيسى.. خير العضيد ونعم الرفيق في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية" للأمير بندر بن سلطان، السفير السابق للمملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة، والأمين العام السابق لمجلس الأمن الوطني السعودي، و"العقل المتفتح والذهن الوقاد ... واللسان اللبق" لوزير خارجية مصر السابق والأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، و"الرائد والرؤيوي" لأندريه ازولاي، مستشار الملك محمد السادس، و"محمد بن عيسى.. البصمة التي لا تُمحى في عالم الثقافة العربية" لنبيل يعقوب الحمر، مستشار ملك مملكة البحرين لشؤون الإعلام، و"محمد بن عيسى.. الدبلوماسية والجماليات" لآنا بالاثيو، وزيرة الشؤون الخارجية الإسبانية سابقا، و"برزخ الزمان الطويل" لعبد الرحمن شلقم، وزير خارجية ليبيا السابق، و"قامةٌ وطنية بإشعاع عالمي وجذور محلية" لمحمد نبيل بنعبد الله، الوزير والسفير السابق وأمين عام حزب التقدم والاشتراكية المغربي، و"روح الكبار تأبى الغياب" لوزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي، و"المدينة المشروع" للوزير المغربي السابق والكاتب محمد الأشعري، و"وداعًا صديقي"، لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة والممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات ووزير خارجية إسبانيا سابقا ميغيل أنخيل موراتينوس، و"الحاجة إلى محمد بن عيسى اليوم أكثر من الأمس" للشيخ تيجان غاديو، رئيس المعهد الإفريقي للإستراتيجيات (السلام – الأمن – الحوكمة) ووزير الشؤون الخارجية في السنغال سابقا، و"محمد بن عيسى… اسمً وفعلً ومجموعة أشخاص في شخص واحد" لعثمان العمير، ناشر موقع "إيلاف" اللندني / رئيس تحرير جريدة "الشرق الأوسط" سابقًا، و"تحية إلى محمد بن عيسى.. الدبلوماسي، الزميل والصديق" لحسن أبو أيوب، الوزير السابق وسفير المملكة المغربية لدى رومانيا، و"المعلم الملهم محمد بن عيسى لا نتذكرك لأننا لا ننساك" لجمال فخرو، النائب الأول لرئيس مجلس الشورى في مملكة البحرين، و"تحية إلى محمد بن عيسى رجل دولة وثقافة"، لفيكتور بورجيس، وزير خارجية الرأس الأخضر سابقا، و"في حضرة الدبلوماسية والثقافة والأناقة" لمحمد الحسن ولد لبات، الأستاذ الجامعي، ووزير خارجية موريتانيا سابقاً، و"رجل الدولة ونصير الثقافة" لمحمد الهادي الدايري، وزير خارجية ليبيا سابقا، و"محمد بن عيسى والوصية الأخيرة" لمحمد أيت وعلي، سفير المغرب في القاهرة، و"زُبدةٌ الخِصال في سيرةِ سيّدِ الرّجال" للكاتب والروائي المغربي أحمد المديني، و" السهل الممتنع" للكاتب الصحافي اللبناني خير الله خير الله، و"الرؤية والإصرار: محمد بن عيسى نموذجا" للكاتب والروائي والجامعي سعيد بنسعيد العلوي، و"محمد بن عيسى.. والارتقاء إلى مصاف الخالدين" للكاتب الصحافي اللبناني عبد الوهاب بدرخان، و"محمد بن عيسى جسر بين الضفاف" للكاتب والصحافي الموريتاني عبد الله ولد محمدي.

في حضرة الغياب

مما جاء في مساهمة حاتم البطيوي، تحت عنوان "في حضرة الغياب.. والفكرة التي لا تموت: "رافقتُ الراحل بن عيسى من بُعد، كأحد أطفال أصيلة الذين كبروا في كنف موسمها الثقافي، ووجدوا ضالتهم في مرسم الأطفال بقصر الثقافة، كما رافقته من قُرب، مع توالي الأيام والسنين.

ظلّ "السي بن عيسى"، بالنسبة لي ولزملائي وأصدقائي في جمعية المحيط، التي أصبحت لاحقاً مؤسّسة منتدى أصيلة، شخصيّة متعدّدة الأبعاد والمزايا. فهو المثقف، والسياسي، والديبلوماسي، والفنان، والمرشد، والمعلم، والمربي، والملهم… وقبل كلّ شيء، الإنسان الذي تُدرك منذ اللحظة الأولى، نفحته الإنسانية الفذّة.

درس بن عيسى

قبل أكثر من أربعة عقود، أذكر وأنا طفل، كيف وقفتُ بجانبه أمام جدارية فنية، يُنجزها أحد الفنانين. رميتُ ورقة على الأرض، فلاحظ ذلك، ثم انحنى والتقطها، ووضعها في أقرب سلّة للمهملات.

لم ينبس "السي بن عيسى" آنذاك ببنت شفة. لكنني استوعبت الدرس. ومنذ ذلك الحين، صرت حسّاساً جداً، تجاه رمي أيّ شيء في الشارع، بل لا أحتمل رؤية أحدٍ يفعل ذلك.

خدمة الإنسان

أضاف البطيوي: "إن ما حققه السي بن عيسى في "أصيلة"، على امتداد أكثر من أربعة عقود، هو في نهاية المطاف، إنجاز في خدمة الإنسان. لذا، ظلّ البعد الإنساني، إلى جانب البعدين الثقافي والسياسي–الديبلوماسي، محوراً أساسياً في مسيرته المتميزة".

منذ انطلاقة مشروعه الثقافي والتنموي في "أصيلة"، راهن بن عيسى على الطفل باعتباره عماد المستقبل، وحرص على أن ينشأ هذا الطفل، في بيئة نظيفة تُلهمه الإبداع، وتمكّنه من النظر إلى العالم بروح إيجابية، مفعمة بالجمال والفن. ومن هنا، جاءت فكرة إنجاز الجداريات الفنية، في أزقة المدينة العتيقة".

الأمل

أضاف البطيوي، في آخر مساهمة: "إن الحديث عن محمد بن عيسى لا يُختزل في كلمات، ولا يُوفى في سطور. لقد خدم مدينته بإخلاص، وحمل في عقله وقلبه، أفكاراً وأحلاماً كثيرة، أراد أن يُحققها، لكن القدر المحتوم باغته.

ظل الراحل حتى آخر لحظاته، يلهج باسم محبوبته "أصيلة"، تاركاً وصايا كثيرة بشأنها، حرصاً منه على روح المدينة ورسالتها، وأيضاً إشعاعها الممتد إلى مختلف الآفاق، وصورتها المشرقة عن المغرب، المتعدد والمتسامح والمنفتح، والواعد أيضاً.

أذكر أنه في غمرة أحزان تشييع فقيدنا الغالي إلى مثواه الأخير، أدليتُ بتصريحٍ صحافي، مفاده أن بن عيسى هو فكرة، والفكرة لا تموت، وأن غيابه الجسدي لا يعني غياب أفكاره ورؤاه، التي ستظل حاضرة بقوة، وملهمة للأجيال القادمة في "أصيلة" وغيرها.

لقد حمى السي بن عيسى "أصيلة"، على امتداد عقود طويلة، بدعم ملكي موصول. وكانت لديه أفكار وأحلام أخرى كثيرة، أراد إنجازها، لكن الأجل حال دون تحقيقها.

يبقى الأمل وطيدًا في تحقيق تلك الأحلام، فما دامت هناك حياة، هناك أيضًا فسحة أمل، وكثير من الطاقة الإيجابية".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات