: آخر تحديث
نسج لنفسه مسارًا فنيًا متفرّدًا يجمع بين النحت والصباغة والحفر

أصيلة تكرم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني.. ناحتُ الملهاة

3
3
3

إيلاف من أصيلة: نجحت شهادات المشاركين في ندوة تكريم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي ال46، في دورته الخريفية، في إبراز جوانب من عناصر التميز التي جعلت من المحتفى به فنانا تشكيليا مكرسا، له حضوره وتفرده داخل المشهد الفني المغربي المعاصر. فنان صادق، آمن بجذرية التحول في بناء ملامح تكويناته البصرية، طليعي لا تخلو أعماله من خرق لأفق التوقُّع، ومن ارتياد آفاق "ما بعد" الكتلة والموضوع والمساحة والشكل، وهو معطى يبرهن عليه رسوخ اختياره مع مرور السنوات والعقود.

ناحت الملهاة

انطلق شرف الدين ماجدولين من عنوان الندوة، ليشير إلى أن توصيف "ناحت الملهاة"، جاءت لأن الملهاة لها عمق مأساوي وجدي. وقال إن الوزاني يصنع التوازن في كائنات عبر مختلف المواقع بمدن مغربية وأجنبية، كما يضع أقدار الكائنات على محك التوازنات، كأنه سيرك ممتد لهذا البعد الجدي.

وأضاف ماجدولين أن الأمر يتعلق بشخص يقول المفاهيم المركبة والعميقة بلغة دارجية بسيطة، لا تخلو من فرح ومن نزعة الملهاة. طليعي بتركيباته، وبشخصه ومزاجه ولغته.

بين التشخيص والتجريد

قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، إن الوزاني يعد "واحدًا من أبرز الأسماء في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر"، إذ "استطاع أن ينسج لنفسه مسارًا فنيًا متفرّدًا يجمع بين النحت والصباغة والحفر، وبين الحسّ الجمالي العميق والبحث الدائم في تجلّيات الطبيعة والكائنات".

حاتم البطيوي امين عام مؤسسة منتدى أصيلة يسلم الوزاني شهادة تقديرية 

واستعاد البطيوي، جانب من سيرة المحتفى به، مشيرا إلى أنه "ينتمي إلى مدرسة تطوان التشكيلية في جيلها الثاني، تلك المدينة التي شكّلت عبر تاريخها فضاءً خصبًا للفنون التشكيلية. نهل منها الفنان مبادئه الأولى، وتشرّب ألوانها وضوءها المتوسطي، قبل أن يُصقِل موهبته بالدراسة الأكاديمية خارج المغرب، واحتكاكه بتجارب فنية عالمية"، كما "شارك في العديد من المعارض الوطنية والدولية، ونالت أعماله تقدير النقاد والجمهور على السواء. كما ساهم، من خلال تجربته التربوية والتعليمية، في تكوين أجيال جديدة من الفنانين، مؤكدًا أن الفن ليس مجرد تعبيرٍ فردي، بل هو رسالة ثقافية وحضارية".

وأضاف البطيوي أن "تجربة الوزاني تتميّز بارتكازها على الحوار بين التشخيص والتجريد؛ إذ يتعرّف المتلقي في أعماله على ملامح وجودٍ لذواتٍ تقلّصت إلى بنيات أولى، وكأنّ الأمر يتعلق باختبارٍ للمواد والخامات، قبل أن تتحوّل تلك الكائنات إلى كتلٍ ذات عمق فكري، يُدمجها الفنان ضمن قاعدة تشكيلية معاصرة تعتمد على التقطيع واللعب بالفضاءات والألوان".

بصمة خاصة

رأى البطيوي أن الوزاني "لا ينقل الظاهر كما هو، بل يُعيد صياغته بأشكال بصرية جديدة تمنحه حياةً أخرى، مما يجعل لوحاته ومنحوتاته جسورًا بين الظاهر والمحتمل، وبين المحلي والكوني".

يقدم لامين عام مؤسسة منتدى اصيلة شروحات لاعماله الفنية 

وأضاف أن هذا الفنان "يُعرف باشتغاله المتواصل على البنية اللونية، حيث تتناغم في أعماله البياضات المضيئة والألوان المتعددة في توازنٍ دقيق يعكس حسّه الجمالي وقدرته على خلق الانسجام البصري"، فيما "تبرز لوحاته، رغم طابعها التجريدي أحيانًا، بعدًا روحيًا وتأمليًا يجعل المتلقي في حالة انغماسٍ بصري وشعوري في آنٍ واحد".

وخلص البطيوي إلى أن تجربة الوزاني تمثل "نموذجًا للفنان المغربي الذي ينفتح على الحداثة دون أن يفقد جذوره، ويؤكد أن الفن المغربي قادرٌ على أن يكون صوتًا عالميًا يحمل بصمته الخاصة ويُعبّر عن هوية منفتحة ومتجددة".

ميثاق افتتان

وجه محمد الأشعري، الشاعر والروائي وعضو أكاديمية المملكة المغربية ووزير الثقافة السابق ، تحية صداقة إنسانية وفنية للوزاني، ثم أضاف: "يتهيأ لي أن الوزاني يفكر باستمرار في الأثر الذي سيحدثه عمله على المشاهد من أول نظرة. يتعلق الأمر، هنا، بميثاق قديم سعى الفنان إلى تدقيقه في كل التجربة. إنه يؤلف عناصر عمله الفني من مرميات الخارج التي تتشكل من أشياء وكائنات وأشكال مستقرة في المألوف والمتكرر، ومن مرئيات الداخل التي تتكون من رؤى وأحلام واستيهامات ومشاعر، ويركب من العالمين عالما ثالثا مرئيا وغير مرئي، واقعيا ومتخيلا".


محمد الأشعري يتحدث في الندوة 

وقال الأشعري إن الوزاني "يعقد مع مشاهد عمله ميثاق افتتان"، مشيرا إلى أن "الأمر، هنا، لا يتعلق بعلاقة انبهار ودهشة مما يحدثه الأثر الفوري للألوان والتراكيب واللعب والسخرية واللا متوقع، بل بالتفاعل المتأني الذي يتيح افتتانا حرا، مشتبكا بالعمل الفني ومستقلا عنه في آن".

ورأى الأشعري أن "الوزاني يراهن دائما على الحصول لعمله الفني على حياة أخرى، ليس فقط عن طريق الافتتان، بل أيضا عن طريق حرية التأويل".

واقعية السمكة

استحضر الأشعري كتابات نقدية، قالت إن "الوزاني يشتغل كشاعر"، مشيرا إلى أن "هناك أكثر من مدخل للتأكد من هذا الأمر: منهجية التركيب أولا، ورؤية العالم ثانيا، ثم اللغة أخيرا، من خلال نحت لغة خاصة، تتجلي في أبجدية حركاته وبلاغة جملته التشكيلية". 

وأضاف أنه "في قلب هذه المقاربة الشعرية، تتحدد علاقة الوزاني بالشكل"؛ الوزاني الذي "يقوم، على مدى تجربته الطويلة، بإعادة إنتاج مستمرة لمرئياته الخاصة، لتقف كيفما اتفق. مرئيات تتسم بواقعية لا ريب فيها". 

وأضاف موضحا: "نحن لا نشكك في واقعية السمكة التي يقترحها الوزاني، ولكننا بمقتضى ميثاق الافتتان الذي أبرمناه معه نحب أن تكون السمكة، كما في اللوحة أو المنحوتة، داخل كأس نبيذ أو فوق دراجة. لا نرى في ذلك أي اختراق للواقعية، ولو أن النقد يمكن أن يقول لنا إن الوزاني قد ابتكر نوعا من الواقعية السحرية".

وأشار الأشعري إلى أن "الوزاني، يقول إنه ليس نحاتا. هذا اعتقاده. إنه رسام. حتى منحوتاته يقول إنه يرسمها، وربما ينحت لوحاته، أيضا. هذا صحيح من دون شك، وهناك بالتأكيد إقامة حتى في الما بين بالنسبة له، تسمح له بإعطاء الأسبقية لنوع من الرياضة الروحية، عوض البقاء سجين المادة والشكل واللون".وأضاف أن "الوزاني لا يكف من التشويش على جدية الآخرين وعلى استكانة محيطه لنوع من اللا حدث ومن الرتابة المزمنة"، بينما "تتعمد أعماله أن تنفلت من الأزمنة على غرار ما تفعله عقارب الساعة في بعض لوحاته ومنحوتاته، عندما يخرج أحد العقارب من سلطة الدائرة أو المربع الذي يربط الوقت أو عندما يرسم ساعة بدون أرقام، أو عندما يذهب أبعد من ذلك، فيجعل الساعة رأسا لشخص بدون وقت".

صبر الفنان وصخب الزمن

تحدث الأكاديمي والناقد الفني المغربي محمد المطالسي عن شخصية الوزاني وطبيعة العلاقة التي جمعته به، مشيرا إلى أنه "وجه أساسي ومركزي في المشهد التشكيلي المغربي المعاصر خلال العقود الأخيرة"، "استطاع أن يرسم مساره الشخصي،مؤكدا صوته الخاص بعيدا عن الموضة، أعماله عميقة، متمهلة، متطلبة وصبورة، تقاوم صخب الزمن الذي يلهث مسرعا".

وأضاف المطالسي أن "أعمال الوزاني تحتفظ بلغة واحدة، بينما عمله شكل من أشكال الحضور، وذلك على النقيض من فن الفرجة الذي يعمل على إثارة الانتباه في حينه، بينما يتطلب عمل الوزاني وقفة، مهلة من الوقت لإقامة حوار".

ورأى المطالسي أن الأمر يتعلق، هنا، ببورتريه لرجل "ينحت أعماله بانتباه، تماما كما نفعل حين نصلي، نفكر أو نحب"، ليخلص إلى أنه يتعين علينا، لمقاربة عمل الوزاني، أن "ننطلق من ثلاثة عناصر، تشمل مسار الرجل، والأثر من خلال موضوعاته ولغته، وكيف يقول هذا الأثر زمننا".

اللعب والمخاطرة

تحت عنوان "في قلب اللعب"، قال عزيز الداكي، مدير مؤسسة عروض فنية بالدار البيضاء، إن "اللعب مكون أساسي في الفعل الفني لأعمال الوزاني". وأضاف أننا "حين نقول إن الفن لعب لا يعني أننا بصدد نشاط مجاني، بلا مخاطر. لعِب الوزاني ليس بلا مخاطر. المخاطرة حاضرة في أعماله، وخصوصا ما تعلق بخطر السقوط في السهولة".

وأوضح الداكي أننا "حين نغرق في السهولة لا نكون بصدد الابتكار. فحين يكون الأمر سهلا، ذلك يعني أنه ليس هناك مخاطرة بالنسبة للفنان".


جانب من الجمهور الحاضر 

نبض الذات

بدوره، قال أحمد مجيدو، الأكاديمي والباحث المغربي في الفنون البصرية، إن الوزاني "تميز كفنان، تمكن من إيجاد وسيلة لتكون المادة الأولية للمنحوتة والرسم تعبر عن النبض العابر لذات الفرد". 

ورأى مجيدو أن الوزاني "حامل أمل، في تجربته، تميز بأصالة أسلوبه الفني، وتمركزه ما بين ما بعد الحداثة الغربية ومتطلبات الهوية، في محاولة منه لفرض سلطة القلب". 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات