: آخر تحديث

حواريّة حال الشعر العربي

34
30
41
مواضيع ذات صلة

قلت للقلم هل بقي لديك شيء تقوله للشعراء في مهرجانهم في الشارقة؟ قال تخامرني أفكار، كأنها أنهار، تصبّ في بحار، فإن رمت الاختصار، فقطرة تغنيك عن أمطار. قلت: «قيل للشاعر: لا تتحدث عن المطر، أمطِر». هاتِ ما عندك. قال: عليهم أن يكتبوا الشعر، أن يسطروا شعراً، لا أن يبحثوا عن استصدار بطاقة انتماء إلى المدرسة الشعرية الفلانية أو تلك الأخرى، أن يعودوا إلى معنى الشعر عند اليونانيين القدامى: الإبداع.


قلت أتدري ماذا يعني هذا؟ سيسلقونك بألسنةِ أقلامٍ حِداد، ويغرقونك في سبعة أبحر مداد. قال: المسائل بسيطة فلماذا نعقّدها؟

على الشعراء العرب أن يعيدوا العربة إلى الجادة الواضحة. أعرني قاعة عقلك ومهجتك لحظات لتصدح فيها بضع أفكار جليّة شفافة. ما هي مشكلات الشعر العربي اليوم؟ تأمل الفيزياء الفلكية، ماذا يحدث عندما تفقد المنظومة شمسها؟ لا تعود لها قوة مركزية جاذبة. حين تطبّق هذا على الشعر أو الثقافة عموماً، تنكشف لك مهزلة التناقض. أنت تنطلق في تفكيرك من لغة واحدة وأدب واحد وثقافة واحدة، لكن العالم العربي ليس كذلك في الواقع، فالواقع واقع من حالق. هل يحتاج العاقل إلى دليل على غياب «الزعامات» الثقافية الرائدة؟ الثقافة تلزمها محركات محورية جاذبة وطاقة دافعة وبوصلة موجهة نحو شمال الطموح العام، مع إيمان بلغة واحدة وأدب واحد وثقافة واحدة.

قلت: أوَ تحسب هذه العظائم سهلة العلاج؟ ها أنت تربط الشعر بحلم نهضة عربية شاملة. قال: أحيلك ثانية على الفيزياء الفلكية، كيف تتكون الشموس؟ في غيوم الغبار الكوني ينبثق فجأة محور جذب مركزي، تتكثّف المادة، يشتد الضغط فترتفع الحرارة تصاعدياً إلى حد الانفجار بالانصهار، فيشعّ نجم جديد وتتشكل كواكب منظومته.

ثقافياً، الشعر هو إحدى القوى التي تنشأ منها الجاذبية المركزية الثقافية. هذا الطرح لا يعني الدعوة إلى الالتزام الأيديولوجي على الطريقة الستالينية. في الموسيقى، شوبان أسهم في تحرير بولندا من الهيمنة البروسية بمارشاته العسكرية خاصة، لكن باخ وموتزارت وبيتهوفن يشكلون قوة ناعمة موسيقية ألمانية نمساوية، لا نظير لها في تاريخ الموسيقى. دانتي يرجع إليه الفضل في نمو شجرة اللغة الإيطالية الحاليّة من بذرة اللهجة التوسكانية. نحن لدينا أكثر من 15 قرناً من الأدب الذي يحتاج إلى غربال حديث شفّاف، لأننا نحتاج إلى براهين صلبة لنثبت أن الأدب اليوم نموّ طبيعي لما سبقه.

لزوم ما يلزم: النتيجة الأسفيّة: كأنّ النقاد المقتدرين ابتلعتهم أرض الثقافة العربية: «خلَتِ الرقاعُ من الرخاخ ففُرزنت فيها البيادقْ».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.