: آخر تحديث
انتقد فيه أشكال التخريب في القصة .. وأخطاء ترتفع إلى مستوى الخطايا

"النظر إلى بحيرة القلب" كتاب جديد للمغربي احمد بوزفور

153
146
107

الرباط: في كتابه الجديد الصادر حديثا، بعنوان" النظر إلى بحيرة القلب"، يعود الكاتب المغربي أحمد بوزفور، الذي يعتبر أحد رواد القصة القصيرة في بلاده ، إلى تأملاته وقراءاته وحواراته، ليختار منها ما يراه باعثا بالنسبة للقارىء على "بعض الفائدة أو بعض المتعة"، أو إغرائه على الأقل "بأن ينظر في بحيرة قلبه، ويتأمل ما يبدو له فيها".

وفي كلمته التقديمية المختصرة جدا، أوضح طبيعة مضامين إصداره الأدبي، مشيرا إلى أنه يرتكز على ثلاثة محاور:

ــ المحور الأول خصص للتأملات، ووضع فيه أفكار وخواطر عن القصة، كان قد  طرحها للمناقشة  مع زملائه الكتاب في عدد من اللقاءات.

ــ المحور الثاني خصص للقراءات، ورتب فيه قراءاته لمجموعات قصصية مغربية من أجيال مختلفة ولقصص عالمية.

ــ المحور الثالث خصص للحوارات، ووضع فيه عينات من الأحاديث التي جمعته بصحافيين ومؤلفين أصدقاء حول موضوعات ثقافية وأدبية، في مقدمتها موضوع القصة وهمومها.

الحكايات القديمة والقصص الحديثة

وعلى امتداد 180 صفحة من الحجم المتوسط، يثير "شيخ  القصة القصيرة بالمغرب"، كما يسميه النقاد، تنويها بدوره في إثراء هذا الجنس الأدبي، الكثير من الأفكار القابلة للنقاش.

في محور التأملات، يتحدث بوزفور عن العديد من المواضيع ضمنها الفرق في الكتابة القصصية بين الأمس واليوم، ليخلص إلى القول إنه في الحكايات القديمة، "هناك حكايات تحكي: أحداث تقع، وأشخاص يتحركون، وتحولات تحدث، ومصائر وأقدار ومفاجآت تشد الأنفاس، وتثير التعاطف، وتغري بالتقمص".

أما في القصص الحديثة، يضيف بوزفور" فلا توجد إلا الكتابة: لعب جميل وجمالي بالكلمات، وهو فوق ذلك لعب حر لا قواعد له ولا نماذج ولا أساتذة، ويتشكل لدى كل كاتب وفي كل نص بشكل مختلف".

وفي جوابه عن سؤال"ما معنى أن تكون قاصا اليوم؟" يؤكد أنه يتعين على القاص أن يكون مقتنعا بأهمية القصة وضرورتها، وكيفيتها، وهو بالأساس أن يختلف وينتقد ويشك، وأن لا يحاول بالقصة كتابة الفكر أو الايديولوجيا، بل كتابة القصة فقط..

التخريب بدل التجريب..وأخطاء وخطايا

وحين يتطرق إلى أشكال التجريب في القصة المغربية، فإنه ينتقد بقسوة، ما يمارس عليها من التخريب، " والتخريب الذاتي أساسا"، وهو الأمر الذي يقوم به بعض كتابها.

وللتأكيد على صواب نظريته ، استعان في شهادته ببعض الظواهر، ومنها الاهتمام في لقاءات القصة ومهرجاناتها بالكاتب، عوض مؤلفاته، والعناية بالشفوي بدل المكتوب، داعيا إلى التركيز على طرق التوزيع والتحفيز بدل الهدايا والابتسامات والمجاملات والصور التي تؤخذ مع القاص.

في خضم انتقاده لواقع كتابة القصة في المغرب،يلاحظ المؤلف أن هناك" أخطاء في اللغة ترتفع إلى مستوى الخطايا لأنها تدل على نقص في فهم قواعد اللغة، بقدر ما تدل على روح شفوية".

في هذا السياق ، يذهب بوزفور إلى حد اعتبار القصص في المغرب، بأنها "أصبحت سهلة وسريعة وخفيفة ومسطحة"، ولا سبيل في نظره لمعالجة هذه "الأنيميا الفكرية"،كما وصفها، إلا بقراءة الكلاسيكيات: كلاسيكيات الأدب العالمي طبعا، وكلاسيكيات الفكر الإنساني، وكذا بقراءة النصوص الكلاسيكية العربية المكتوبة والارتباط العاطفي بها.  

وتبعا لكلامه، فهو يحلم بلقاءات قصصية يتحلق فيها الجميع "حول الجاحظ، أو ابي حيان أو جبران..ليس لكي نغطيهم بالمناهج والنظريات..بل فقط لنقرأ نصوصهم ونتذوق جمالها ونذوقها لبعضنا".

لكنه في مكان آخر، يؤكد انطلاقا من رؤيته الشخصية، أن هناك كتابة قصصية جديدة في المغرب، ملمحا إلى العدد الكبير من الأسماء والمجموعات القصصية والنصوص،التي ظهرت في السنوات الأخيرة، والمهرجانات واللقاءات التي تعقد حولها.  

القصة هي مرتع أحلامه

وفي المحور الثاني المخصص للقراءات ، يتوقف بوزفور عند  بعض التجارب الإبداعية لعدد من الكتاب والمؤلفين، وضمنهم الكاتب الراحل محمد زفزاف، الذي يبدو أنه يكن له تقديرا خاصا، ويعتبر قصصه "أجمل وأحكم وأعمق بكثير من رواياته، وهو بحق رائدنا وأستاذنا".

واستحضر في هذا المحور  أيضا أقلاما وأصواتا قصصية مغربية وعالمية، مثل عبد الرحيم مودن، وخورخي بورخيص، وفرانز كافكا، ولويجي بيرانديللو، ومصطفى جباري، وعبد الوهاب سمكان، والراحلة مليكة مستظرف.

وإذا  كان بوزفور قد صال وجال في عالم القصة القصيرة، باعتباره واحدا من رموزها الكبار، فإنه ظل بمنأى عن خوض مغامرة الكتابة الروائية، وحين سئل عن السبب في ذلك، ضمن محور " الحوارات"، انبرى يقول إنه يحب القصة ويجد فيها متسعا لأحلامه، معبرا عن استغرابه في نفس الوقت من تضايق بعض الناس من بقائه في هذا الجنس الأدبي الذي لا يبغي عنه بديلا.

ورغم أن هناك أصواتا كثيرة ترتفع بين الحين والآخر، لتندد بغياب المثقف المغربي وتواريه عن أداء دوره الطليعي في خضم الحراك والانتفاضات العربية، فإن صاحب مجموعة " النظر في الوجه العزيز" يرى أن المثقف الطليعي الشريف، لم يتوار أبدا، " وهو موجود دائما في مجتمعنا، لكن المثقفين الانتهازيين والباحثين عن مرق السلطة يصخبون في الإعلام كثيرا، ويثيرون على السطح الكثير من الغبار، فيغطوا به مواقف الشرفاء"، على حد تعبيره.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات