إيلاف من بغداد: هل تساءلت يوماً كيف يفكر كبار مخرجي السينما في العالم؟ كيف تولد الأفكار وتتحول إلى أفلام تترك أثراً لا يُمحى؟ الآن، يمكنك الدخول إلى عقولهم واستكشاف أسرار مهنتهم من خلال كتاب "أسئلة السينما الأبدية ـ محاورات الفكرة والمعنى"، الذي صدر حديثاً عن دار نشر "كوديا" في بغداد، بترجمة وتقديم السينمائي العراقي علي كامل.
الكتاب، الذي يقع في 416 صفحة من القطع المتوسط، ليس مجرد مجموعة مقابلات عادية، بل هو رحلة شيقة داخل العملية الإبداعية لعشرين مخرجاً عالمياً ينتمون لأجيال وتيارات فنية مختلفة. أجرى هذه الحوارات الناقد والمخرج الفرنسي لوران تيرار، الذي نجح في استخلاص رؤى وأفكار وأساليب بعض أهم صناع الأفلام في عصرنا.
رحلة في كواليس الإبداع
تكمن ميزة الكتاب في كونه يقدم إطلالة فريدة من داخل مجرى العملية الإبداعية التي يتمخض عنها ولادة الفيلم السينمائي. إنه بمثابة كشف مدهش لأسرار ورؤى وأفكار وأساليب مخرجي هذه المهنة العذبة والملغزة، موجهٌ خطابه للقارئ المختصّ بمثل ما هو موجّه إلى القارئ العادي. يؤكد المؤلف لوران تيرار في مقدمته على هذه النقطة قائلاً: "لقد استمتع قُرّاء مجلة (ستوديو) كثيراً بتلك المقابلات وكتبوا لي رسائل بذلك. وخلافاً لمخاوفي الأولية من كونها متخصصة جداً، فقد ظهر أنها كانت تخاطب جماهير سينما عاديين يتوقون إلى المزيد من المعلومات حول كيفية صنع الأفلام التي يشاهدونها. ليس هذا فحسب، إنما كانوا يقدّرون أيضاً بلاغة وإيجاز بنية وحجم تلك المقابلات".
ولم يقتصر الاستمتاع على القراء، بل امتد إلى المخرجين أنفسهم الذين خاضوا هذه الحوارات العميقة. يضيف تيرار في مكان آخر: "لقد استمتع المخرجون الذين تضمنهم الكتاب أيضاً، فقد أسعدهم [الابتعاد عن] مهامهم الترويجية لأفلامهم وتزجية بعض الوقت معي لمناقشة جوهر مهنتهم. فالبعض منهم علّق مازحاً أنني سرقت منهم كل أسرارهم الصغيرة، إلا إنَّ الجميع كانوا متناغمين ومنسجمين جداً مع مجريات الحديث، وكان لديهم فضول كبير في الاطلاع على تلك اللقاءات وهي منشورة".
ثمانية أسئلة أبدية تكشف جوهر الإخراج
يتوزع الكتاب على خمسة أقسام رئيسية، بالإضافة إلى مقدمتي المترجم والمؤلف، وخاتمة خاصة تحت عنوان "الحداثة والابتكار" مكرسة للمخرج الفرنسي جان لوك غودار. وتدور المحاورات التي تشكل قلب الكتاب حول أسئلة جوهرية تمثل "أسئلة السينما الأبدية"، منظمة في مجموعات لاستكشاف شامل للمهنة:
- أساسيات الحرفة ولغتها: يناقش الكتاب السؤال الأزلي حول ما إذا كان الإخراج حرفة قابلة للتعليم أم موهبة فطرية، ويغوص في مفهوم ونظرية الإخراج لدى كل فنان، كما يستكشف طبيعة اللغة السينمائية وقواعدها – وهل الإبداع يكمن في اتباعها أم كسرها.
- المخرج كمؤلف وعلاقته بالفريق: يتناول الكتاب علاقة المخرج بالسيناريو ومفهوم "المخرج-المؤلف"، ثم ينتقل إلى الجوانب العملية في كيفية العمل مع الممثلين وتوجيههم، وطبيعة العلاقة التكافلية الحاسمة مع مدير التصوير والمصور لخلق الصورة النهائية للفيلم.
- التواصل مع الجمهور والمستقبل: يستكشف الكتاب علاقة المخرج بالمتفرج والرسالة التي يسعى لإيصالها، ويختتم بتقديم خلاصة ثمينة من النصائح والإرشادات التي يوجهها هؤلاء المخرجون المخضرمون إلى صناع الأفلام الشباب.
المترجم والناشر: شغف يتجاوز الأكاديمية
ويُبرز غلاف الكتاب رؤية الناشر والمترجم علي كامل، الذي يعتبر السينما شغفاً يتجاوز الأطر الأكاديمية، و"انجذاباً إلى سر الأشياء الكامن في مجهولها اللامرئي". ويشيد الناشر بقدرة كامل، خريج معهد موسكو المرموق، على تقديم جوهر الفن السابع كـ"روحانية وجود وإنسان".


