: آخر تحديث

ماذا لو فشلت إسرائيل؟

33
26
31
مواضيع ذات صلة

في ضوء اقتراب الإنتخابات العامة في إسرائيل، يتمحور الصراع السياسي الدائر هناك حول قضايا عدة، في مقدمتها أمن إسرائيل، وهو الملف الذي يضع إيران وأذرعها الميليشياوية في قلب هذا المعترك الإنتخابي الداخلي.

وقد انعكس ذلك بوضوح في كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك مؤخراً، حيث استحوذ الملف الإيراني على أجزاء مهمة من الكلمة.
ويبرز من بين هذه الأجزاء قول لابيد "هذه هي ديكتاتورية قاتلة تبذل كل جهد ممكن للحصول على سلاح نووي، وإن إمتلكه النظام الإيراني فسيستخدمه".

وأضاف "السبيل الوحيد لمنع إيران من إمتلاك السلاح النووي هو وضع تهديد عسكري ذا مصداقية أمامها على الطاولة، وعندئذ – وفقط عندئذ – يمكن اجراء مفاوضات على إتفاقية أطول وأكثر صرامة معها".  

واستطرد لابيد "يجب التوضيح لإيران بأن لو عملت على دفع البرنامج النووي قدماً، العالم لن يرد بالكلمات بل بالقوة العسكرية، وفي كل مرة تم طرح هذا التهديد سابقاً، إيران توقفت وانسحبت".

هذه العبارات تعني بوضوح أمرين مهمين أولهما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان واضحاً في الإشارة إلى ضرورة الموائمة بين "العصا" "الجزرة" في أي إستراتيجية تفاوضية مع إيران، بمعنى أن يكون هناك تهديد عسكري ذا مصداقية يعزز فرص التفاوض الجاد حول الأنشطة النووية الإيرانية.

وهذه هي إحدى الثغرات التي تعانيها إستراتيجية التفاوض الأمريكية الحالية بالفعل. وثانيهما أن هناك قناعة لدى يائير لابيد بأن إيران لو امتلكت سلاحاً نووياً فستستخدمه، وهي قناعة ربما تنطوي على قدر من المبالغة المطلوبة في هذا الشأن من أجل تضخيم الضغوط على المجتمع الدولي، ونقل الشعور الإسرائيلي الحقيقي بعدم الأمن في ظل التهديد النووي الإيراني إلى الآخرين، لاسيما من يعتقدون بالقيود التي تلازم إمتلاك رادع نووي، ويرون أن لهذه المسألة حسابات دقيقة تحول دون مجرد التفكير في اللجوء إليه تحت أي ظرف عدا التهديد الوجودي للدول.

وهنا يريد لابيد لفت الإنتباه إلى إختلاف طبيعة النظام الإيراني الذي يفكر بطريقة غير معتادة ولا تنطبق عليه نظريات الردع النووي التقليدية.

لابيد لم يتوقف عند الحد السابق، بل تناول بشكل واضح إحتمالية اللجوء إلى ضربة إستباقية تجهض أي تهديد نووي إيراني، حيث قال "العالم يختار اليوم الخيار الأسهل، إنه يختار ألا يؤمن بالأسوأ، رغم كل الدلائل التي تقول العكس. إسرائيل لن تتمتع بهذا الإمتياز، الآن لا نقف بأياد فارغة أمام أولئك الذين يريدون تدميرنا. اليهود يملكون اليوم دولة، لدينا جيش ودول صديقة كبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، لدينا قدرات ولن نخشى إستخدامها، سنفعل كل ما يلزم كي إيران لن تمتلك سلاحا نووية، لن نقف أبداً مكتوفي الأيدي أمام من يحاولون قتلنا".

لا استطيع القطع بجدية التلويح "السياسي" بخيار الضربة الإستباقية، وإن كان بالإمكان ـ تحليلياً ـ تقييم القدرة العملياتية على التنفيذ، ولكنه في مجمل الأحوال، يبدو منطقياً كطرح دبلوماسي سواء للحفاظ على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية شعبها، أو لنقل الإحساس بخطورة الموقف للآخرين للتعامل مع الطرح الإسرائيلي بما يستحق من جدية، وفي ضوء هذا النقاش، يثور أحد الأسئلة المهمة ويتعلق بالتأثير المحتمل للتهديد الإسرائيلي بتوجيه ضربة إستباقية، وطبيعة وحدود هذا التأثير، بمعنى هل يدفع تكرار هذا التهديد باتجاه تسريع جهود إيران النووية، أم يسهم في خفض مستوى التشدد التفاوضي الإيراني سعياً للحصول على مظلة الإتفاق النووي ونزع أي شرعية محتملة (من وجهة نظر طهران) عن أي عمل عسكري إسرائيلي؟

الجواب ـ برأيي ـ هو أن التهديدات الإسرائيلية لم ولن تترك الأثر المطلوب المطلوب لدى مخططي السياسات الإيرانية ما لم تتواكب مع تهديد أمريكي مواز، أو حتى بروز مؤشرات على موافقة أو ضوء أخضر أمريكي ضمني على سيناريو الضربة الإستباقية الإسرائيلية المحتملة، وهذا الأمر لم يحدث حتى الآن، حيث يمكن الجزم بأن إدارة الرئيس بايدن لا يمكنها إطلاق يد إسرائيل في ضرب إيران لإعتبارات وعوامل عدة متداخلة، بعضها يتعلق بالخشية من إتساع دائرة الصراع الدولي إرتباطا بأزمة أوكرانيا، أو لأن البيت الأبيض لا يريد أن يجد نفسه متورطاً في حرب شرق اوسطية جديدة في حال قيام الأذرع والميليشيات الموالية لطهران بالرد على أي هجوم إسرائيلي ضد إيران.  

الموضوعية تقتضي القول أن دخول الولايات المتحدة في صراع عسكري من أي مستوى مع إيران في الوقت الراهن يمثل سيناريو كارثي بالنسبة لواشنطن، سواء من حيث التوقيت أو التأثيرات أو مآلات هذا الصراع، بل يمكن القول أنه هدية مجانية للخصوم الإستراتيجيين للولايات المتحدة وفرصة مثالية للرد على دعمها لأوكرانيا ضد روسيا.

إسرائيل من جانبها تدرك بالتأكيد هذه الحسابات جيداً، وكذلك إيران، وتبقى الإشكالية هنا في أن هذا الإدراك يجعل طهران تتلقى التهديدات الإسرائيلية بقدر هائل من البرود وربما السخرية، وهو ما يمكن لمسه في مواصلة إستفزاز إسرائيل، ما يضع إسرائيل بالتبعية في حلقة مفرغة من التهديدات المتصاعدة بما يجعلهم أقرب إلى فخ  فقدان المصداقية لدى الرأي العام الداخلي والخارجي على حد سواء.

ما العمل إذا؟ هذا هو السؤال البديهي في حالة كهذه، الواقع أن إسرائيل تجد نفسها في موقف إستراتيجي حرج للغاية، وليس لديها هامش مناورة كبير لإثبات صدقيتها ونقل رسالتها التهديدية للطرف الآخر (إيران)، وضمان أن يتلقاها بالشكل والجدية المطلوبة، ولكن البيئة الإقليمية والدولية الراهنة تملي عليها ضرورة التريث بانتظار إعلان رسمي حول مصير مفاوضات الإتفاق النووي، ولكن هذا الإنتظار يستلزم بالضرورة وجود الخطة "باء" سواء فيما يتعلق بمرحلة مابعد الفشل أو حتى تجميد المفاوضات، لأن إيران ستمضي حتماً في تعزيز قدراتها النووية تحسباً لأي رد فعل مضاد.

إعتقادي أن التهديدات الإسرائيلية بضرب إيران تؤخذ بالإعتبار لدى طهران رغم تأكيدي سالفا بأنها لا تحقق الأثر المطلوب أو المستهدف إسرائيلياً، ولكن تأثيرها على التخطيط الإستراتيجي الإيراني يتوقف غالباً على تحليل الموقف الأمريكي، ما يستوجب على إسرائيل التركيز على دراسة سيناريوهات مابعد الضربة المحتملة بدرجة تفوق بمراحل التركيز على حسابات الضربة ذاتها، لأن إيران ـ باعتقادي ـ تفكر فيما ستفعله في الضربة الثانية أكثر مما تفكر في تبعات وخسائر الضربة الأولى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في