: آخر تحديث
من وَحي السوشيل ميديا (2)

«ريان»

54
54
52

وقع ريّان في البئر، فكان أنْ عصفَتِ الإنسانية في ما استوحِشَ في البشر، وَصلَتْهم بإنسانيتِهم، ذكَّرَتهم بأنَّ للحياةِ قيمة، بأنَّ الحياةَ عزيزة، وَأنَّ العملَ لا يُثمر إلاَّ بتضامن الجماعة.
 

الجزء الأول من السلسلة من وَحي «السوشيل ميديا»


لمْ يُحبسْ ريان في البئر وَحيدًا، فروح كلِّ مَنْ عرف بقصته حُبست معه، في ظلام هذه البئر وَوحشتها، وَكانَ كلّما ضاق عليه النفس تنقَبضُ الأنفاسُ وَكأنَّها تَسْتكين هاجرةً كلَّ زفيرٍ وَشهيقٍ حتى يُقال: لا يزال حيًا يتنفّس!
ريّان، هذا الغصنُ الغضُّ الطريّ لغةً، خُطَّ على شهادة ميلاد هذا الصغير المغربي ليَسطُر قصّةَ بطولةٍ تُحاكي صَبْر الأنبياء... بل وَتزيد...
خمس سنوات لوّنّ فيها ريّان على وَرقٍ أحلامًا لمستقبلٍ يَنشده، أو أملاً يَرقبُه، تنقَّل سعيدًا في أحضان قريته يَلعبُ حتى يتعب، يبتسمُ للحياة مُقبلاً عليها بفرحٍ بريءٍ، يساعدُ وَالده ربّما في السقي وَالزرع وَالرعي، وَيُتعبُ أمَّه بدلالِه وَحنانِه وَباقاتِ الوردِ مِن الحقل القريب... يُجادِلها ربّما حول عددِ ملاعق السكر في كوب شاي أو كوب حليب، حول درسٍ لا يُريد أنْ يحفظَه، حول ساعةِ المبيت... لعلَّه عاد كثيرًا قبيلَ المغيب وَقَدْ عفَّر ثيابَه بِالركض وَاللعب ليُسكِتَ غضبَ أمِّه بِابتسامةٍ وَغمرةٍ وَقبلات... لعلَّه أرادَ طائرة ًمِنْ وَرق، جناحَيْن ِلِيطير... لعلَّه اشتاقَ النجومَ وَلذلك رَحَل...
خمسُ سنواتٍ عاشَها لا يعلَمُ العالمُ بِوجودِه، وَخمسةُ أيامٍ عاناها أدخلَتْه بيوتَ الملايينِ بَلْ قلوبهَم وَذاكرتهَم، تلهَجُ بِمعاناتِه ألسنتُهم، وَتخشعُ بِالصلاةِ أفئدتُهم! وَحينَ فقدوه وَثَكلُوه، وَحَّدَ دمعتَهم، ماهَ بألمه فيهم الآلامَ، أخجلَ فيهم المعاناةَ وَحيدًا محشورًا في مكانٍ ضيِّقٍ، بعيدًا عَنْ دفءِ حُضنِ الأمِّ وَهُوَ يَسمعُ صوتَها، مُشتاقًا إلى رشفةِ ماءٍ مِن يدِها وَلقمةِ خبزٍ وَلَو كانت فُتاتًا!
لعلَّه ناجى أمَّه وَربَّه، لعلَّه خافَ الظلامَ وَالجوعَ وَالوحدةَ، لكنَّه في هذه البئرِ أضحى المناضلَ الصغيرَ الذي قدَّم نفْسَه قربانَ فداءٍ على مذبَحِ الإنسانيةِ حيثُ وَحدةُ الإنسانِ تَنتظرُ الوعيَ الجديدَ!
ريّانُ لَمْ يكنْ مجرَّدَ قصَّةٍ نَقلتْها الشاشاتُ وَمواقعُ الإعلامِ وَالتطبيقاتُ، ريّانُ درسٌ في قيمةِ الإنسانِ، وَقيمةِ الحياةِ، وَالصلابةِ، وَالشجاعةِ، وَالنضالِ!
ريّانُ ضميرُ الإنسانيةِ الذي استفاقَ بَعْدَ طولِ رَقادٍ، وَالتكاتفُ الذي أقْصَى الأنانيةَ، وَالبذلُ الذي أزاحَ التقْتيرَ، وَالجهادُ الذي سَطَرَ أجلَّ الملاحِمِ في عَظمةِ الأبطالِ الذين تماهوا تماهيَ ألوانِ الطَّيفِ في شُعاعِ الشمسِ، مِنْ دونِ تمييزٍ وَلا تفريقٍ وَلا إقصاءٍ وَلا ترهيبٍ وَلا تجريحٍ...
ريّانُ رسالةُ عهدٍ جديدٍ، تُعيدُ للآدميةِ فِحواها بِعْدَ أنْ أْصبحَتْ مبنًى بِلا معنى، تُعلنُ أنَّ العملَ إنمَّا يكونُ لأَجْلِ الحياةِ حتى الرَّمقِ الأخيرِ، لأَجْلِ الخير، لأَجْلِ لَمِّ الشَّملِ، لأَجْلِ نُصْرةِ الإنسانِ حتى يَفْنَى الظُلمُ، لأَجْلِ أنْ تسودَ المحبةُ!
ريّانُ هذا الغصنُ الغضُّ الطريُّ لُغةً، سارَ درْبَ جُلجُلتِهِ وَصبَر، وَعندما حَان الرحيلُ بِصمتٍ رَحَل...
ريّانُ لَمْ يقعْ في هذه البئرِ وَحيدًا، فَكَمْ مِنَّا في مِثلِ هذه البئرِ ننظُر الخلاصَ... وَعلينا أنْ نصبُر صبْرَهُ مِنْ أَجْلِ الحياةِ حتى الرَّمَقِ الأخيرِ!
ريّانُ قدَّمَ رسالَتَهُ إلى العالَمِ ساعدَتْهُ في ذلك مواقعُ «السوشيل ميديا» وَلَوْ كَان بِالصُّدْفَةِ الأليمةِ...
ريّانُ أصبحَ مؤثّرًا في الآنِ وَفي كلِّ يومٍ آت...


 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي