: آخر تحديث

مثنى وثلاث ورباع بالحلال.. لكنه مستحيل!

55
61
60
مواضيع ذات صلة

نكأت الكاتبة الفاضلة نورة شنار، جرح قديم في الثقافة العربية، عبر مقالتها المعنونة بـ"التعدد حرام إلا بموافقة الزوجة الأولى". وأعادت الجدل مرة أخرى إلى تلك القضية التي لطالما شكلت أرضًا خصبة لبذر الكراهية بين الرجل والمرأة، جناحي المجتمع، بل إن تلك المسألة تحديدًا تشكل أحد أخطر القضايا التي يتصيدها الغربيون الكارهون للإسلام للنيل منه، والطعن فيه.
 
لكن الكاتبة جانبها الصواب عندما أكدت أن "التعدد حرام إلا بموافقة الزوجة الأولى"، والحق أنه لا توجد أدلة نقلية أو عقلية تؤكد ما انتهت إليه، من أن التعدد مشروط بموافقة الزوجة الأولى، إلا إذا نصت وثيقة الزواج عن منحها هذا الحق، حسبما ذهب بعض العلماء. النص القرآني صريح وواضح وضوح الشمس، في قوله تعالى بالآية الثالثة من سورة النساء: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا تعلوا". 
 
الله سبحانه وتعالي، خالق الرجل والمرأة، لم يشترط في التعدد موافقة الزوجة الأولى، بل وضع شرطًا آخر أعظم وأقدس، ألا وهو "العدل بين الزوجات". واستخدم لتحقيق هذا الشرط استخدم لفظ دقيق جدًا. وهو "فإن خفتم"، أي إذا ظن أو شك أو الرجل في أنه لن يستطيع أن يعدل بين زوجاته، فيجب عليه ألا يقدم على الزواج من الثانية، وليس الثالثة أو الرابعة. 
 
وبذلك يكون الاقتراب من التعدد محظور الاقتراب منه، تمامًا مثل تحذير المولى سبحانه وتعالي من الزنا بقوله "ولا تقربوا الزنا، إنه كان فاحشة وساء سبيًلا"، والاقتراب هو كل المقدمات أو السبل أو وسائل التواصل التي تؤدي إلى الزنا، مهما كان شكلها أو طبيعتها.
 
شرط المولي سبحانه وتعالي في أمر التعدد واضح وصريح، ألا وهو العدل: "فإن خفتم ألا تعدلوا، فواحدة"، والخوف هنا يحمل معنى الظن أو الشك أو الريبة، ويكتمل المعنى الذي قد يصل إلى حد حظر التعدد في المولى عز وجل في سورة النساء نفسها الآية 129: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كلَّ الميل، فتذروها كالمعلقة". 
 
هاتان الآيتان في سورة النساء وضعتا شروطًا حسب وجهة نظري الشخصية تجعل من التعدد أمر صعب، بل مستحيل على الغالبية العظمى من الرجال، ألا وهو العدل بين الزوجات، لاسيما أن الله خالق البشر، واضع "الكتالوج" الخاص بهم، عالم الغيب وما تخفي الأنفس، يقطع الشك باليقين والظن بالمؤكد في قوله "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم".
 
ولو تأمل كل رجل، هاتين الآيتين جيدًا وتدارسهما، لما فكر في التعدد، خوفًا من تعريض نفسه للظلم. ولو تأملت المرأة هاتين الآيتين أيضًا لعاشت هادئة البال مستريحة النفس، لأن زوجها لن يأتي لها بـ"مثنى وثلاث ورباع" من الضرائر، إلا بحق الله "العدل"، وبما أن الله سبحانه وتعالي قد قال "وتستطيعوا أن تعدلوا"، فإن الرجل يجب عليه أن يحترس عند التفكير في التعدد.
لكن السؤال الأهم: لماذا تكره النساء التعدد؟ أو بلفظ آخر: لما ترفض النساء التعدد، ويصل الأمر إلى عند غالبية النساء في مجتمعنا العربي، إلى القبول بـ"خليلة" أو "عشيقة" على أن تكون له زوجة أخرى؟
 
وللإجابة على السؤال شقان: الأول يتعلق بالثقافة الذكورية، التي تسود المجتمع، وتعلي من شأن الذكر على حساب الأنثى. تقدس حقه في التعدد وتحرم على المرأة الزواج أو التفكير فيه بعد الطلاق أو وفاة الزوج. تمنح الرجل الحق أحيانا في أن تكون له "عشيقة" أو "خليلة" يلتقي بها سرًا أو جهرًا. وتلقي باللوم على الزوجة، لأنها غير مهتمة بنفسها أو أنها ليست جميلة أو أنها مقصرة في حقوقه الشرعية أي "الممارسة الجنسية". ويتم تبرير خيانة الزوج، ولا يحاسب عليها اجتماعيًا أو قانونيًا.
 
وبالمقابل، لو سقطت الزوجة في الخيانة أو التقطتها الأعين وهي تتحدث مع جار أو زميل لها في العمل. تنهال عليها الألسنة بالقيل والقال. ويتم اتهمها بالفجور. وفي كثير من الأحيان تتعرض للقتل، بسبب تلك الشكوك. المرأة تدفع حياتها ثمنًا لخطيئة لم ترتكبها، والرجل قد يكافأ على جريمته.
 
ومع ارتفاع تكاليف المعيشة، لم يعد التعدد مطلوبًا في حد ذاته، لم يعد هناك رجل يقدر على الوفاء بمتطلبات منزل ثان أو ثالث أو رابع. فالغالبية الكاسحة من الرجال لا يقدرون على القيام بمتطلبات زوجة واحدة وبيت واحد. ولذلك انتشرت ظاهر الزواج العرفي، وهو زواج أقرب ما يكون إلى الزنا أو "المرافقة" أو "المساكنة".
 
هناك مثل مصري يقول "جوز الإتنين يا قادر يا فاجر"، أي أن المتزوج من امرأتين إما أنه قادر ماديًا وجسديًا أو أنه فاجر ولا يهمه الوفاء بالتزامات زوجتيه. والمؤكد أن الرجل هو سبب رئيسي في كراهية المرأة للتعدد، بسبب التجارب التي تؤكد أنه المتزوج بأكثر من زوجة، يظلم الأولى في الغالب هي وأبناءها. ويمارس بحقها كل ألوان التعذيب والتجريح، من أجل أن يطلقها ويسلبها حقوقها.
 
أما الشق الآخر يتعلق بالمرأة نفسها: مع تغير ظروف الحياة تطورها، ارتفعت نبرات النساء قائلات: "أنا زي الفيرك محبش شريك". ووصل الأمر بغالبية النساء أنها قد تقبل بـ"عشيقة" لزوجها في الحرام، على أن يكون لها "ضرة" في الحلال. وحجتها في ذلك أن "العشيقة" ستكون نزوة ولن تدوم، ولن يكون لها حقوق، ولن تتقاسم زوجها أو بيتها، بل إن بعض النساء تعلم أن زوجها يخونها مع امرأة أخرى، وتقبل ذلك ولا تظهر له، حتى لا يتحول الحرام إلى حلال، وتصبح العشيقة زوجة و"ضرة".
 
للأسف الشديد، القادرون على التعدد في العصر الحالي، ومن يقومون به هم بعض المحسوبين على "علماء الإسلام". خلال الأيام الماضية، تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، يكشف فيه صديق للداعية السلفي الشهير محمد حسين يعقوب، أنه تزوج 22 مرة خلال سبع سنوات، وأنه متزوج من أربعة نساء، ويثبت ثلاثة ويستبدل الرابعة كل ستة أشهر، ويشترط أن تكون فتاة بكرًا.
 
أيها النساء.. انظرن إلى إحصائيات العنوسة في المجتمعات العربية، واحمدن الله واشكرهن فضله. ففي مصر نسبة العنوسة 17% في الإناث فوق سن 35 عامًا. وفي السعودية، تبلغ النسبة حوالي 10.07% بين اللاتي بلغن 32 سنة وأكثر. وفي لبنان تصل النسبة لدى اللواتي تجاوزنا سن الـ 40 ولم يتزوجن، حوالي 32%.
 
وختامًا.. فلتنم المرأة قريرة العين. لن يتزوج الرجل بأخرى أو أخريات. فالعوز وارتفاع تكاليف المعيشة ومصروفات المدارس، يقصمون ظهره، ويجعلونه يقبل يديه "وش وضهر"، ويحمد ربه على أنه "أكمل نص دين" وتزوج بواحدة.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في