: آخر تحديث

من يتحكّم بطالبان؟

54
53
51
مواضيع ذات صلة

نرى بأن بعض الجهات الأجنبية والداخلية في أفغانستان يحاولون ربط حركة طالبان بقطر وإيران والادعاء بأن طالبان أصبحت لعبة بأيدي حكومتي قطر وإيران وأن مسؤولي الحركة يستلمون مبالغ عالية من قطر كرواتب شهرية ويسكنون في فلل وقصور فخمة، ولكن من يتابع القضية الأفغانية يعرف جيداً بأن أغلبية قادة طالبان يعيشون في قطر حسب اتفاق أميركي قطري وذلك للبدء في عملية المصالحة الأفغانية والمفاوضات حولها، وبناء عليه فإن الدولة المستضيفة تؤمن المساكن وميزانية المصاريف لقادة الحركة الذين أحضروا إلى قطر.

كما نعلم بأن العديد من زعماء طالبان المفرَج عنهم من سجن جوانتانامو أُرسِلوا إلى قطر، حيث تمكنت طالبان من الإفراج عن العديد من زعمائهم بسبب الحنكة السياسية واتصالاتهم المباشرة مع كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي وتمكّنوا من خلق إجماع دولي وإقليمي على عملية المصالحة الأفغانية ورفع أسماء زعمائهم من قائمة الإرهاب الدولية وكذلك الموافقة المبدئية على رفع اسم الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية عند البدء في عملية التفاوض، وهذا بحد ذاته يعتبر نجاح كبير جداً للحركة.
أما ما يتعلق بحصول قادة طالبان المقيمين في قطر على رواتب شهرية ومقرات سكن لهم فهذا شيء عادي جداً وهو جزء من الاتفاق على مشروع المصالحة والصفقة التي تم الاتفاق عليها منذ عدة سنوات مع قطر، أما بخصوص الراتب المعيشي ومستوى السكن قد يعتمد على مكانة الشخص نفسه، وفي المقابل هناك زعماء سابقين في حركة طالبان تركوا الحرب ويعيشون في العاصمة الأفغانية كابل ويستلمون رواتب شهرية من الحكومة الأفغانية ويحضرون المناسبات الحكومية وذلك نظير تركهم للحرب مثلما حدث مع بعض الأحزاب السياسية الأفغانية بتقديم بعض الامتيازات لهم مقابل تخليهم عن السلاح.

كما أن الأميركيين والأوروبيين يعلمون بأنه هناك اتصالات بين بعض قادة طالبان مع إيران منذ زمن ولكن مرونة الأسلوب الإداري للحركة يعطي لقادتها حرية التحرك حسب معطيات الساحة وضرورتها، ولكن هذا لا يعني أبداً بأن حركة طالبان يتحكم بها إيران أو قطر على الرغم من جهود الدولتين بأن ترى بعض الدول طالبان بهذا الفكر وهو أنهما متحكمتين بالحركة وهذا غير صحيح، فبالرغم من وجود مكتب سياسي للحركة في الدوحة إلا أن الحكومة القطرية لم تستطع إقناع طالبان بأية تنازلات في مفاوضاتها مع أميركا بل أن التنازلات كانت من قِبَل قطر نفسها.

وبالنظر لطالبان فهي تتفاوض مع قوة عظمى فلماذا عليهم تقديم أي تنازل لقطر وإيران؟ بل يمكن القول بأن قطر وغيرها هم من يقدّمون تنازلات للحركة مقابل أن يتم إعطاؤهم دور أكبر في مفاوضات السلام بين الحكومة الأميركية وطالبان.

إن استقلالية أخذ القرار من قِبَل الحركة يعتمد على عدة أمور، ففي المقام الأول قدرتهم العسكرية على الأرض وأنهم ينظرون إلى أميركا بأنها ندّ لهم، حيث استطاعت الحركة بإجبار أميركا على الدخول في المفاوضات والتوقيع معها بشكل مباشر دون وجود للحكومة الأفغانية على الدغم من امتناع أميركا لأكثر من عشر سنوات لهذا الأمر، كما أن طالبان لا ترى الحكومة الأفغانية ندّاً لها ولا تعترف بها ولا تطلق عليها سوى "إدارة كابل"، وثانياً أن أغلب اللجان داخل الحركة عسكرية لا سياسية وهي خارج قطر، ويقع المكتب السياسي فقط في الدوحة ولكن غالبية أعضاء مجلس الشورى التابع للحركة يقيمون في أفغانستان أو باكستان وليس للحكومتين القطرية أو الإيرانية أية قدرة للسيطرة عليهم، لأن اتخاذ القرارات في الحركة لا يتم إلا بالتشاور مع قادتها واستلام الأوامر والقرارات النهائية من مجلس الشورى.

إن الهدف من محاولات ربط حركة طالبان بإيران وقطر هو أن تفقد الحركة أي مكانة قد تحصل عليها مستقبلاً مع الدول الأخرى مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك رغبة في احتكار عملية المصالحة بيد بعض الدول في توقيع اتفاقية عملية السلام وليكون لهم دور مستقبلي قوي في القرارات السياسية في أفغانستان، حيث لا ننسى بأن اتفاقية طالبان وأميركا تنص على محاربة تنظيم داعش وعدم السماح لأية منظمات إرهابية باستخدام الأراضي الأفغانية مقراً لها، وهذه كانت إحدى شروط الدول مثل السعودية والإمارات للموافقة على المشاركة في عملية المصالحة بين الحكومة الأفغانية وطالبان وذلك نظراً للثقل الكبير الذي تمثّله هذه الدول في المنطقة والعالم، ويجب عدم ترك الساحة الأفغانية وجعلها حكراً على أي جهة معينة.

إن قطر وإيران لن تستطيعا التحكم بقرارات حركة طالبان، كما تقوما بذلك مع بعض الحركات الأخرى الموجودة في المنطقة؛ لأن هناك خلاف جذري في تفكير الإسلام السياسي لحركة طالبان، فهي ليست حركة إخوانية وليس لها مرجع ديني خارج أفغانستان وأن مرونة علاقات الحركة مع أميركا بشكل مباشر والصين وروسيا واتصالاتهم المباشرة مع العديد من الدول الأوروبية والإسلامية تعطيهم القوة بألّا يكون هناك نفوذ وتدخل خارجي في قرارات الحركة.

كما أن العلاقات الأميركية الباكستانية تحسّنت بعد موافقة باكستان على دعم الجهود الأميركية في التفاوض مع الحركة وعملية المصالحة والإفراج عن بعض قادة الحركة الذين كانوا معتقلين في باكستان والسماح لهم بالسفر والاشتراك في العملية السياسية والمصالحة، وهذا يعتبر دعم قوي لموقف الحركة حيث لم تعد هناك ضغوط أميركية على باكستان، والملفت للنظر كذلك جهود المبعوث الأميركي زلمي خليلزاد في فتح قنوات اتصال بين حركة طالبان والهند، وترحيب الحركة بالدعم الهندي لأفغانستان بالمواد الغذائية وعدم ممانعة الحركة فتح قنوات اتصال مباشرة مع الهند، وهذه الخطوة تحتاج إلى وقت أكثر لكي تتضح فيها الصورة.

ونرى بأن عملية المصالحة سوف يشارك فيها العديد من الدول التي لها ثقلها السياسي والاقتصادي في المنطقة والعالم وأن قطر لن تكون هي الدولة التي تتفرد بعملية المصالحة الأفغانية ولن تكون حكراً عليها، فهناك دول كبرى مثل الصين وروسيا وألمانيا والنرويج وأوزبكستان وإندونيسيا والذين من الممكن أن يلعبوا دوراً كبيرً في أية عملية مصالحة مستقبلاً بين الحكومة والحركة.

وحان الوقت للمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والدول الإسلامية الأخرى لعب دور رئيسي في عملية المصالحة الأفغانية وعدم ترك العملية بأن يتم اختطافها، خصوصاً وأن للسعودية مكانة خاصة لدى كافة أطياف الشعب الأفغاني ولها ثقلها السياسي في المنطقة والعالم.

*سفير أفغانستان سابقاً لدى الرياض


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.