: آخر تحديث

هذه الزيارة.. هذا الحفل، كيف مرّ الوقت سريعا؟

89
89
81
مواضيع ذات صلة

يا سلام! كانت تلك متعة كبيرة. وكانت أيضا أشبه بغشاوة البصر. أقرب المقاربات التي راودتني لمقارنتها بها هي حفل زفاف – حيث تقضي ردَحاً من الزمن في التخطيط لكل صغيرة وكبيرة، من الموسيقى والأزهار، مرورا بقائمة المدعوّين وترتيب الطاولات ومقر الحفل، وحتى قائمة الطعام والمواصلات. يستقر الرأي على اختيار فنادق محلية ومكاتب تأجير سيارات. وتختار الكنيسة لعقد القران، ومكان حفل الاستقبال، وزينة الموائد. وتدعو لأجل أن يكون الطقس جميلاً. وألا يتسبب أصدقاؤك في إحراجك (كثيرا) أمام الجميع.

عندئذ تبدأ الحفلة. وسرعان ما ينتصف الليل، ويبدأ المدعوون بالمغادرة. يمضي الوقت سريعاً جداً كلمح البصر.

هكذا كان الحال مع زيارة الأمير هاري وعقيلته ميغان. خلّفت في نفوسنا بعض الشعور بالفراغ – ما الذي فعلناه قبل أن يبدأ هذا كلّه؟ ولكن أيضا تغير كل شيء نوعا ما. كل شيء أصبح أفضل.

شعرت بالفخر بكل واحد من فريق العمل في سفارتي وفي المجلس الثقافي البريطاني. لم يكن لدينا الكثير من الوقت للتحضير لكل شيء. وقد واصلت فرق العمل جهودها دون توقف، ليل نهار وخلال عطل نهاية الأسبوع. وتوجّه الزملاء إلى مدينة أسني حيث أمضوا هناك أسبوعا من الزمن تقريباً لتجهيز كل الأمور. يا له من جهد رائع في تشكيل فرق العمل!

غير أن الجهود التي بُذلت لم تنحصر في موظفي السفارة والزملاء في المجلس الثقافي البريطاني. فهناك الشيف موحا ألغى إجازته ليأتي ويتولّى الطهي. وفنسنت باديولو عجّل في أعمال تجديد فندق قصبة تامادو ليكون جاهزاً للصحفيين في الوقت المحدد. وأنجز د. قطبي المهدي معجزات حتى يعيد فتح المتحف الوطني للحلي. وأعارنا الجيشُ المغربي طائرة نقل من نوع هركيوليز لنقل أكثر من 50 صحفياً. وعلاوة على كل ذلك، غمرنا صاحب الجلالة الملك المفدّى بعظيم لطفه وكرمه حين وضع طائرة الهيلوكوبتر الملكية تحت تصرف دوق ودوقة ساسكس للسفر إلى أسني ذهاباً وإياباً. كما أنه استضاف الدوق والدوقة في قصره الملكي في الرباط، حيث خصّص لهما جناح ضيافة رائع ليقيما فيه. ما كان لجلالة الملك أن يقدم أكثر مما فعل ليشعر صاحبا السمو بحسن الضيافة والترحيب بهما. وإنني شديد الامتنان لهذا الكرم.

السؤال الآن هو: ما الذي حصل على أرض الواقع؟

كان علينا التوفيق بين ثلاث مجموعات من الأهداف - أهداف هاري وميغان، والحكومة المغربية، والسفارة. وكان من الممكن لهذه المجموعات من الأهداف الثلاثة أن تتضارب مع بعضها. بيْد أن الحظ كان حليفنا. فعندما حددنا في السفارة مجموعة الأهداف التي أردنا إبرازها من خلال الزيارة، وقارنّاها بأهداف الحكومة المغربية، وجدنا أن كلتا المجموعتين من الأهداف كانتا متطابقتين تقريبا. وعندما اقترحنا تلك الأهداف على القصر الملكي في المملكة المتحدة، وجدنا "أبراجنا" بموازاة بعضها البعض.

أردت استعراض ما يزخر به المغرب من جمال طبيعي، ومدن تاريخية، وفنون وحرف باهرة. وسعيت إلى أن أظهر مدى ما يتمتع به المغرب من استقرار، وما لديه من قوانين جيدة لحقوق الإنسان، وبأنه يحاول جاهدا ليكون بلدا تقدميّا. وقد وفّر لنا كل ذلك الأجواء المثالية لاستغلال هذه الزيارة للتركيز على قضايا حقيقية ومهمة.

أردنا أن نبيِّن كيف أن المغرب يواكب الحداثة دون المساس بتراثه التليد وتقاليده. وسعينا إلى تسليط الضوء على نقل المعرفة ما بين الأجيال. ورغبنا في تبيان كيف أن المغرب يشجع الشمولية الاجتماعية (وبصورة خاصة، ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية، والشرائح الأشد حرماناً في المجتمع). وأحببنا التركيز على الدور الحيوي الذي تقوم به النساء في المجتمع، وعلى ما يترتب على ذلك من أهمية ضمان فرص الفتيات للحصول على التعليم الثانوي.

ومن هنا، ذهبنا لزيارة مشروع "التعليم للجميع" في جبال الأطلس - وهي مدرسة لتعليم الفتيات من القرى النائية، وتوفر لهن السكن الداخلي - والتقينا مايك ماكهيوغو الذي كان فندق السياحة المستدامة الذي يملكه هو مصدره الأول لتمويل هذا المشروع. كان بوسعنا على أي حال الذهاب لزيارة مشروع التعليم للجميع نظراً لأنه مشروع متميز، إلا أن موقع بلدة أسني أتاح لنا فرصة أخرى للتعبير عن تضامن المملكة المتحدة مع المغرب على إثر الحادث المروّع الذي شهدته بلدة إمليل (الواقعة على بُعد 20 كيلومتراً) قبل عيد الميلاد المجيد.

وعودة إلى الرباط، توجّه صاحبا السمو للاطلاع على كيفية الاستعانة بالخيول لعلاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بدنيا وعقليا، والتقيا بواحدة من الجمعيات الخيرية الناشئة العاملة في مجال الصحة العقلية في المغرب. كما شاركا في جلسة طهي لمساعدة أطفال من خلفيات أقل حظاً في الحياة في تعلم مهارات حياتية مفيدة. والتقيا ببعض الطهاة الذين يعملون في مطعم "هدف" الذي تم تأسيسه في الرباط

مؤخرا لذوي الاحتياجات الخاصة. وقد التقى صاحبا السمو الملكي أيضا بعدد من أفراد الجيل الجديد من رواد الأعمال الاجتماعيين الذين يشجعهم المغرب سعيا لتنويع اقتصاده.

وأقمنا حفل استقبال ليطلع صاحبا السمو الملكي على مسيرة مشروع المغرب الرائع لتوليد الطاقة الكهربائية المستدامة (كم تمنينا لو كان لدينا المزيد من الوقت لزيارة محطة نور لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية المركّزة بالقرب من مدينة ورزازات). والتقى سموهما بسيدات متنفذات من كل أطياف المجتمع المغربي: التجاري والسياسي والرياضي والاجتماعي والثقافي؛ وبطلاب استفادوا من برنامج تشيفننغ للبعثات الدراسية؛ ورياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين شاركوا في دورة لندن 2012 للألعاب الأولمبية والبارالمبية.

 

أما اهتمام وسائل الإعلام فكان شديدا للغاية، لكن سرعان ما أدرك الصحفيون أن زيارة صاحبيّ السمو الملكي إلى هنا هي زيارة عمل، لا للترفيه. وكان أفضل وصف جسّد هذه الزيارة هو "زيارة بسيطة المراسم، لكنها كبيرة المضمون"، وهو ما كنا نرمي إليه فعلا.

والآن وقد انتهى كل شيء، فإننا نشعر بالتعب، ولكن البهجة تغمرنا. كانت للزيارة أهمية كبيرة بالنسبة للعلاقات البريطانية-المغربية. وكانت لها أهمية أيضا في إبراز صورة وسمعة المغرب. كما أنها برهنت على أن العائلة الملكية البريطانية مستمرة في دورها كقوة من أجل الخير، تسلّط الضوء على المسائل الصعبة وتعمل على معالجتها، وتلفت الأنظار إلى التقدم، وتشجع الناس على الإيمان بقدرتهم على تحقيق أحلامهم.

إنه لشرف لي فعلاً أن كان لي دور في هذه الزيارة. وأسعدني جدا لقاء صاحبي السمو الملكي. وكانت تغريدتي بعد أول لقاء معهما هي: "إنهما اثنان من أظرف من قابلت من الناس في حياتي، وأكثرهم جاذبية. إنهما أكثر سفراء المملكة المتحدة لطفاً تتمنى أن يكونوا ممثلين لبلادك في الخارج." وتأكّدت قناعتي برأيي هذا بعد أن قضيت عطلة نهاية الأسبوع معهما هنا. كلّي أمل أن يعودا في زيارة أخرى قريباً.

* توماس رايلي، السفير البريطاني في المغرب


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في