: آخر تحديث

فن التكريم

95
100
79

بعض المؤسسات الثقافية تقوم بتكريم الشخصيات الاعتبارية في المجال الفكري والإبداعي، بشكل يقترب من تكريم مجموعة أسبوع الشجرة في نهاية الفصل المدرسي.
حيث يصطفون بمراسم مبعثرة وبرتوكولات مغيبة، ويتم تسليمهم دروع خط عليها بلغة رسمية ركيكة كلمات شكر مبتذلة رائجة، وسط تصفيق شاحب داخل قاعات شبه فارغة. مع تغييب مهين لماضيهم وفرادتهم الفكرية والإبداعية.
لذا قد لانستغرب عزوف عدد من المبدعين عن المشاركة في حفل التكريم الجماعي, فالطوابير والحشود تطمس تفرد المبدع وسط جماعته، وتعبث بالزهو النرجسي الذي يقبع داخل كل مبدع كلزمة نفسية غالبة عليه, وتدخلهم في طوابير خطوط الانتاج كنسخ متطابقة في مصنع.
عندما نذكر اسم السويد فأننا لانستحضر تلك المملكة الكريستالية النائية التي تحفها الثلوج، ويغيب عن أنظمتها الإدارية الفساد, بل نستحضر جائزة نوبل, ترفعها السويد للعالم كواجهتها الحضارية، و حالة عالمية شاهقة، ومجدا إنسانيا مشتركا تجمع عليه قارات العالم، لتصبح الأيام الأولى من شهر أكتوبر كل عام،أنفاسا محتبسة وأعينا مترقبة، لمن سترشق نوبل فوق لوحة الخلود البشري لذلك العام.
التكريم هو إزالة الرماد عن الذاكرة، ترميم عروق النوافير، مواربة الباب ليدخل الضوء فوق التراتيل التي التهمتها الظلال, لايخص المبدع فقط, ولكن يطال جميع الفضاءات حوله.
ومن يتصدى لإدارة المشهد الثقافي ومهمة التكريم، تتربص به عدد من التحديات، فجماهيره في غالبها تواقه ومتطلعة لأسقف عالية، تمتلك ذائقة حساسة ومرهفة، وسرعان ماستلفظ المكرور البائت السطحي الساذج,لذا إن نجت إدارة النشاط الثقافي من النقد المباشر، لن تنجو من عقاب العزوف عنها والإهمال لنشاطاتها... وهو أشد العقبات قسوة. 
وهي التحديات التي لم يستطع سرب المبدعين في بيت الشعر في جمعية ثقافة وفنون الدمام أن يتجاوزوها فقط، بل صنعوا منها غيمة أمطرت نرجسا ومفردات...
احتفالية سنوية من طراز نادر ينظمها بيت الشعر في الدمام، كانت هذا العام باسم الشاعرة الشاهقة (فوزية أبوخالد)، تضمنت معرضا تشكيليا لباقة نخبوية من مبدعي المنطقة الشرقية، عروضا مسرحية، سينما، حفل توقيع كتب المكرمة، أمسيات شعرية لشعراء من جميع أنحاء العالم العربي, قصائد المكرمة مغناة....ماذا بعد ؟ الكثير مما تعجزمساحة المقال عن تقصي هذا الطوفان الجمالي, الذي انسكب على شطآن الخليج...فأعشب اللؤلؤ؟
التكريم...هو فن...هو استنطاق للدهر...هو تأثيث الوقت بمواقيت الجمال.

كاتبة سعودية


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي