بَعْدَ طُولِ انْتِظَارٍ وَتَرَقُّبٍ وِلَهْفَةٍ، صَدَرَتْ قَبْلَ عَامٍ تَقْرِيباً، مُذَكِرَاتُ الشَّيْخِ جميلِ الحجيلان: «مَسِيرَةٌ فِي عَهدِ سبعةِ مُلُوك»، فِي جُزْءَيْنِ كَبِيرَيْنِ، وَأكْثَر مِنْ 1450صَفْحَةً. وَالحَقِيقَةُ أنَّ تَلَقُّفَ مُذَكّرَاتِ أَوَّلِ وَزِيرِ إعْلَامٍ سَعُودِيّ، وَالاسْتِمْتَاعَ بِقِرَاءَتِهَا، بَعْدَ الانْتِظَارِ الطَّوِيلِ، يَصْدُقُ فِيهِ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ المُتَنَبّي:
وَمَا زِلْتُ حَتَّى قَادَنِي الشَّوقُ نَحْوَهُ يُسَايِرُنِي فِي كُلِّ رَكْبٍ لَهُ ذِكْرُ
وأَسْتَكْبِرُ الأَخْبَارَ قبلَ لِـقَائِهِ فَلَمَّا التَقَينَا صَغَّـرَ الخَبَرَ الخُبْرُ
لَقَدِ امْتَدَّ الحَدِيثُ عَنِ المُذَكّرَاتِ، لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سَنَوَاتٍ سَبَقَتْ صُدُورَهَا، فَقَدْ كَتَبَ الدُّكْتُورُ عبدُ الرَّحْمَن الشّبِيلي، رَحِمَهُ اللهُ، فِي 9 نُوفَمْبر(تَشرِينَ الثَّانِي) 2013، مَقَالًا عَنِ الحجيلَان، قَالَ فِيهِ: «لمْ يُكَرِّر عَلَيَّ أبُو عِمَادٍ قَولًا عَبْرَ السَّنَوَاتِ القَلِيلَةِ الفَائِتَةِ، مِثْلَ التَّوْصِيَةِ عَلَى مَخْطُوطِ ذِكْرَيَاتِهِ، الّذِي شَارَفَ عَلَى الانْتِهَاءِ، يَسْتَأمِنُنِي فِيهَا عَلَى أَعَزّ مَا يَمْلِكُ».
بَدَأَ شَيْخُنَا الجَمِيلُ، اسْماً، وَرَسْماً، وَحَرْفاً، كِتَابَهُ بِلَوَاعِجِ شَكْوَى بَثَّهَا، أَطَالَ اللهُ عُمْرَهُ، بَعْدَ مُرُورِ قَرْنٍ عَلَى وِلَادَتِهِ، مُتَمَنِّياً لَوْ جَاءَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِاليَومِ الّذِي وُلِدَ فِيهِ، فَالمَعْلُومَةُ الّتِي تَتَوَفَّرُ لَدَيْهِ عَنْ يَوْمِ وِلَادَتِهِ، تَتَمَثَّلُ فِي إِجَابَةِ وَالِدَتِهِ، عَنْ سُؤَالِهِ حَوْلَ يَوْمِ مَوْلِدِهِ، بِقَوْلِهَا: «ولدتَ يومَ الثَّلجة الكَبيرة!». وبيَّنَ الأهَمِيَّةَ الكُبْرَى الّتِي يُولِيهَا العَالَمُ الغَرْبِيّ لِتَارِيخِ المِيلَادِ، فَسُؤالُهُمْ عَنْهُ قَبْلَ الأَسْئِلَةِ كُلِّهَا، وَهُوَ مِنْ أَوْلَوِيَّاتِ التَّعْرِيفِ القَانُونِيّ وَالاجْتِمَاعِيّ لِلْإِنْسَان.
أَمَامَ اعْتِبَارِ المُؤَسَسَاتِ الحُكُومِيَّةِ وَالخَاصَّةِ، فِي أُورُوبَا وَأَمِيرْكَا، تَارِيخَ المِيلَادِ مَطْلَباً يَسْتَحِيلُ تَجَاوُزُهُ، كَانَ لَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ وَسِيلَةٍ يُحَدِّدُ بِهَا تَارِيخَ وِلَادَتِهِ، وَلَوْ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ. وَلِأَنَّ يَوْمَ الثَّلْجَة الكَبِيرَة، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إلَّا شِتَاءً، وَفِي أَشَدِّ أَيَامِهِ بَرْداً، افْتَرَضَ المُؤَلِّفُ أَنَّهُ مِنْ مَوَالِيدِ شَهْرِ يَنَايِر (كَانُون الثَّانِي)، أَبْرَدِ شُهُورِ الشِّتَاءِ، وَلِتَحْدِيدِ اليَومِ، سَارَ جَمِيل الحجيلَان عَلَى مَا عَهِدَهُ النَّاسُ فِيهِ مِنَ العَدْلِ، فَحَدَّدَ اليَوْمَ بِالقُرْعَةِ، حَتَّى لَا يَنْحَازَ لِيَوْمٍ عَلَى يَوْمٍ، وَأَصَابَتِ القُرْعَةُ يَوْمَ 11، فَأَصْبَحَ تَارِيخُ مِيلَادِ جَمِيلٍ 11 يَنَايِر 1927، المُوَافِق لـ7 رَجَب 1345هـ، فَأَمْضَى هَذَا التَّارِيخ فِي وَثَائِقِهِ الرَّسْمِيَّة وَالشَّخْصِيَّةِ.
وَلَكِنْ، كَيْفَ اسْتَدَلَّ عَلَى العَامِ؟
يُجِيبُ: تَأْسِيساً عَلَى حِسَابِ الأَعْوَامِ الّتِي قَضَاهَا فِي الدّرَاسَةِ، نُزُولاً، كَانَ التَّوَصُّلُ إلَى عَامِ 1927م!
كُلُّ أَبْنَاءِ الأَرْضِ، يَحْسِبُونَ أَعْمَارَهُمْ تَصَاعُدِيّاً، مُنْذُ سَنَةِ المِيلَادِ، إلَّا الجَمِيل الحجيلَان، فَيَحْسِبُ عُمْرَهُ تَنَازُلِيّاً، مِنْ سَنَوَاتِ دِرَاسَتِهِ نُزُولًا حَتَّى يَصِلَ إلَى سَنَةٍ يَغْلُبُ عَلَى ظَنّهِ أَنَّهُ وُلِدَ فِيهَا!
حَتَّى عِنْدَ اخْتِيَارِ تَارِيخِ مِيلَادٍ افْتِرَاضِيٍّ يَأبَى جَمِيلُ الحجيلَان أَنْ يَسْتَسْلِمَ لِعَقْلِيَّةِ الاسْتِسْهَالِ، فَيَبْذُلُ مِنَ الجَهْدِ، مَا يَجْعَلُهُ يَتَرَاوَحُ بَيْنَ الأَجْرِ الوَاحِدِ، وَهُوَ أَجْرُ الاجْتِهَادِ، وَبَيْنَ الأَجْرَيْنِ الاثْنَيْنِ، أَجْرِ الاجْتِهَادِ وَأَجْرِ الصَّوَابِ.
وَذَكَرَ جَمِيلُ أَنَّ وَالِدَهُ، كَانَ قَدِ اسْتَخْرَجَ لَهُ مِنَ القُنْصُلِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ فِي دِمَشْقَ، وَهُوَ فِي العَاشِرَةِ مِنَ العُمْرِ، شَهَادَةَ مِيلَادٍ، تُثْبِتُ أَنَّهُ مِنْ مَوَالِيدِ بَرِيدة السَّعُودِيَّةِ، لِرَبْطِهِ وَطَنِيّاً بِبَلَدِهِ الّتِي يَنْتَمِي إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَوِلَادَتُهُ بِدِيرِ الزُّور السُّورِيَّةِ، الّتِي كَانَ وَالِدُهُ اسْتَقَرَّ بِهَا مَعَ أُسْرَتِهِ، لِيَنْطَلِقَ مِنْهَا وَإِلَيْهَا فِي تِجَارَتِهِ بِالْخَيْلِ وَالْإِبِل، ضِمْنَ جُمُوعِ العِقيلَاتِ الّذِينَ خَرَجَ جُلُّهُمْ مِنَ القَصِيمِ، إِلَى العِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ لِلتّجَارَة.
وَكَأَنِّي بِجَمِيلٍ يُعَلّقُ عَلَى اخْتِيَارِ مَكَانِ مَوْلِدِهِ فِي شَهَادَةِ مِيلَادِهِ، قَائِلاً:
«لَيْتَكَ يَا أَبَتِ جَزَمْتَ بِتَحْدِيدِ مَعْلُومَةٍ لَا نَعْرِفُ صَوَابَهَا، عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَكَ الوَطَنَ مَوْلِداً صَوَابٌ، وَلَوْ وُلِدْتُ فِي غَيْرِهِ»!

