لا تصنع الدول العظمى مواقفها بالصوت المرتفع، بل بالحضور الذي يغير المعادلات ومن بين ركام العواصم المرهقة بالوساطات والبيانات، تخرج الرياض بهدوء استراتيجي لتعيد تعريف السلام لا كمشروع تفاوضي، بل كقيمة أخلاقية ومركز ثقل في النظام الدولي الجديد.
إنها لحظة لا تتعلق فقط بقطاع غزة، بل بإعادة رسم مفهوم العدالة في الشرق الأوسط، حيث تسخّر المملكة قدرتها على موازنة المبادئ والمصالح، وتحويل الرؤية إلى سياسة قابلة للحياة.
في بيان لوزارة الخارجية، أكدت المملكة معادلتها الثابتة: لا أمن دون عدالة، ولا سلام دون دولة فلسطينية. ومن باريس، حيث يشارك الأمير فيصل بن فرحان في الاجتماع الوزاري حول الخطة الأمريكية لغزة، تحضر المملكة لا لتصفق لمبادرة آنية، بل لتؤكد فلسفتها في إدارة الأزمات؛ سلام يقوم على الإنصاف لا على الصفقات، وعلى الشرعية لا على التنازلات.
لقد أدركت المملكة أن السلام ليس خيارًا ترفيًّا ولا مخرجًا مؤقتًا من الأزمات، بل الحل الحقيقي لصراعات المنطقة، والممر الإجباري نحو مستقبلٍ مستقر تتوازن فيه المصالح وتصان فيه الكرامة فالقوة وحدها لا تبني الدول، وما تصنعه الحروب في سنوات لا تمحوه إلا اتفاقات عادلة تعيد الثقة بين الشعوب ومن هنا، تمضي المملكة في مشروعها السياسي بروحٍ مسؤولة، تفضل الحوار على الفرض، وتختار العقل على الانفعال، لتؤكد أن الأمن لا يتحقق بالسيطرة، بل بالسلام القائم على العدالة والاحترام المتبادل.
منذ أكثر من عقدين، تحمل المملكة مشروع السلام الذي ينطلق من موقع الريادة، فقد أرست مبادرة السلام العربية عام 2002 باعتبارها رؤية استراتيجية جعلت من حل الدولتين الإطار الوحيد لسلامٍ عادلٍ ودائمٍ، ومن قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية حقًا تاريخيًا لا يسقط بالتقادم تلك المبادرة لم تكن ورقة تفاوض، بل خريطة طريق عربية للعالم، ما زالت صالحة لكل زمن يسعى إلى سلام يحفظ الكرامة قبل المصالح.
المملكة ترى أن السلام الحقيقي ومستقبل الشرق الأوسط لن يرسم بالنار بل بالعقل والضمير ومن هنا تمضي بثقة نحو شرق يعاد فيه الاعتبار للإنسان قبل الخرائط، وللحق قبل الصفقات، وللعدالة قبل الوعود المؤجلة.