سهام القحطاني
في الفلسفة الزمان ليس مجرد «توقيت» إنه إشكالية معقدة في ذاته.
و لذلك ظل من الإشكاليات الفلسفية منذ أرسطو إلى ستيفن هوكينج.
وأول تلك الإشكالية ارتباطه»بالحركة ثم المسافة ثم الضوء».
فالرواقيون ذهبوا إلى أن الزمان مفرغ من الحركة فهو يسير في امتداد خطيّ ثابت.
أما أفلاطون فيرى أن الزمان هو «الصورة المتحركة للأبدية»، وبذلك يربط أفلاطون الزمان بالوجود لكونه ممثلا للحركة، فلا وجود بلا زمان.
ويقسم الزمان إلى «زمان مطلق» ثابت غير خاضع للتغير تنتفي فيه الصفة نشأ مع «الهيولي الأول» أصل المادة،والزمان الطبيعي المتغير والخاضع لتدرجات الصفة «الماضي والحاضر والمستقبل «،وبذلك فإنه يطبق نظرية «المثل» على الزمان بأن كل موجود له أصل مادة ثابت لا يُفنى.
أما أرسطو فقد ربط الزمان بأصل الوجود، وهو بذلك يعتبره صفة عارضة للأصل»الجوهر» وليس جوهرا في ذاته، فهو تمثيل للمحسوسات أصل الجوهر، ولكن وفق هذه الرؤية واجهت أرسطو إشكالية تكمن في هل غياب ماهومحسوس ينفي وجود الزمان؟ ثم توصل إلى أن كل خلاء ليس فراغا ينتفي معه الزمان بل هو ممثل لمحتوى من خلال الهواء والأثير، وهو ما يثبت قوله تعالى»وما من شيء إلا يسبح بحمده»-الإسراء44-.
ويعدّ أرسطو من أشهر الفلاسفة الذين ربطوا بين «حركة الزمان والعدد» وبذلك جعل الحركة مسطرة قياس للزمان.
أما ابن سيناء فيرى لا حركة بدون مادة وبالتالي لا زمان خارج إطار الحركة، لكنه يضيف بأن الحركة لها ذات مستقلة عن الزمان، وهذا الرأي نجده عند ابن تيمية، ولكيلهما دلالة «الكم و المقدار»،فإذا كان أرسطو ربط الزمان كحركات بالعدد ما بين المتقدم والمتأخر، فابن سيناء ربط الزمان بالحركات التي تعني المسافة لا العدد.
أما أبو حامد الغزالي فأنكر قول القلاسفة بأزليّة الزمان؛ الوجود ماقبل المادة،كما أنكر استقلالية الزمان عن المكان في الماهية والحركة.
وإسحاق نيوتن قسم الزمان إلى قسمين «مطلق ونسبي» و يصف الزمن المطلق بأنه جوهري رياضي مستقل عن حركة الأجسام «المدة» ثابت في كل الكون لا يتأثر بجاذبية أو مسافات أو فراغات،وهذا ما ذهب إليه أفلاطون، وأنكره فيما بعد أينشتاين ،أما الزمن النسبيّ هو مقياس الحركة «الأيام «،وهذا يعيدنا إلى مذهب أرسطو.
وصمم العالم جيمس جينز رباعية توصيفية متلازمة للمكان والزمان، الزمان التصوري،و الزمان الإدراكي و الحسي،و الزمان الفيزيائي و الزمان المطلق»و بذلك فالزمان يتحرك وفق بعد مكاني يتعلق بصفته.
ويرى العالم تسلا أن الإنسان يملك القدرة على السفر عبر الزمان من خلال التجربة الكهرومغناطيسية.
في حين أن أينشتاين ينفي فكرة الزمان المطلق وعلاقته بالحركة و فصله عن المكان، وهو ما ذهب إليه الغزالي باستحالة فصل الزمان عن المكان. ووفق مبدأي النسبيّة و الجاذبية ،وهما من أوجدا فكرة «الزمكان».
وتؤيد نظريته الزمان النسبي فهو يرتبط بحركة المكان التي هي بدورها نسبية.
فقياس المسافة يتأثر بزمن الراصد وسرعة حركته،و يضع مقياسا مطلقا لهذه العملية وهو مقياس «سرعة الضوء» لكونه المصدر الثابت ومقياس النسبية لكل شيء موجود،وبذلك يستبدل «الحركة» التي أسسها الفلاسفة لقياس الزمن بالضوء.
والحركة عنده هي دليل على التزامن بين المكان و الزمان وليست قياسا لذلك التزامن، فنحن نبحث عن الزمان من خلال المكان.
وبذلك فإن لكل زمان تاريخه المكاني والعكس صحيح، وهو ما يعيدنا إلى رباعيّة العالم «جيمس جينز» أوما يُسمى «بالفضاء المينكوفسكي» الذي يقوم على رباعية «الطول والعرض والارتفاع»و»الزمن» كبعد رابع.
و درجة ارتباط الزمن بسرعة الضوء هي التي تتحكم في «المدة»؛ فكلما اقتربنا من سرعة الضوء بطئ الزمن، وكلما ابتعدنا عنه أسرع الزمن فكل أربع سنوات تقابل سنة خارج كوكب الأرض، ولعل هذا تفسير لقوله تعالي» وإن يوما عند ربك كألف سنة ممن تعدون» -الحج 47-
إن السفر عبر الزمن هو أمر يتشارك فيه كل من أينشتاين و تسلا، وإن اختلفت وسيلة ذلك السفر ما بين سرعة الضوء و التجارب الكهرومغناطيسية.
أما ستيفن هوكينغ فالزمن عنده يتكون من ثلاثة محاور هي:
أنه يمثل بعدا رابعا و هو يتفق مع النظرية النسبية ،وأن الزمان يسير إلى الأمام لارتباطه بالأحداث المتغيرة و تمدد الكون، و»الزمان الخيالي «والذي يعتمد على أن الكون بلا حدود».
ورغم عمق الفلسفة وتطور العلم مايزال الزمان إشكالية وجودية في ذاته وخصائصه؛ لارتباطه بطموحات العلم و التقنية وخيال العلماء.

