عثمان بن حمد أباالخيل
الاستمرارية نهج مُحبب لدى جميع البشر، لكنه في بعض الأحيان يأخذ منحى غير محبب ومقلق وطريق مسدود حين يصاب الإنسان بالملل والإحباط. الاستمرارية نهج للناجحين الذين يروضون أنفسهم وإجبارها على الاستمرار دون ملل أو كلل، في النهاية، تعتبر الاستمرارية عنصرًا جوهريًا في نجاح الإنسان في تفاصيل الحياة كافة. في الواقع الاستمرارية هي القدرة على الاستمرار في تحقيق الأهداف والمثابرة على الرغم من التحديات والعقبات. توماس إديسون أجرى أكثر من عشرة آلاف تجربة قبل أن يخترع المصباح الكهربائي، وبفضل إصراره، تمكن من إنارة العالم الذي كان غارقاً في الظلام. أما ألكسندر غراهام بيل، مخترع الهاتف فقد قضى سنوات طويلة في محاولات لإثبات صحة نظريته في إمكانية انتقال الصوت عن بعد إلى جهاز آخر، ولم يتوقف حتى سمعه مساعده وهو يتكلم معه عبر جهاز الهاتف معلناً اكتشاف أحد أهم اختراعات القرن.
يا للأسف فشل الاستمرارية أصبح سمة البعض في عصرنا والسبب يعود في الدرجة الأولى إلى التركيز على النتائج التي يسعى إليها البعض دون التركيز على الخطوات العملية كي تتغلب على الصعوبات والعراقيل التي تواجهها.
في رأيي الشخصي العادات التي تقوم على الاستمرارية المطلقة مثل الاستيقاظ المبكر، القراءة اليومية، الممارسة الرياضة، هي التي تساهم في تكوين شخصية قوية قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق الإنجازات. الآن في وقتنا الحاضر أصبحت الاستمرارية في خبر كان وأصبحت سطحية وربما سرابيه انتهى زمن الصديق الحقيقي المخلص، وأصبحت العلاقات الزوجية تنتهي بالانفصال في أسرع وقت، والعلاقات الأسرية أصبحت ضعيفة وتبنى على المادية والمصالح الشخصية.
(نقطة الماء المستمرّة تحفر عمق الصخرة.) ابن حزم الأندلسي.
في عالم الماديات، وهذا لا ينطبق على جيل الزمن الجميل، هذا ينطبق على غالبية الموظفين في هذا الزمن التنقل بين المنظمات والبنوك والقطاع الخاص وراء الزيادة في الراتب وعدم السعي للاستمرارية التي في أغلب الأحيان تأخذه إلى وظائف قيادية. صحيح نحن في عصر السرعة لكن في بعض المجالات التي تتطلب ذلك، قناعتي الشخصية إذا أراد الموظف التنقل بين الوظائف أفقياً وعامودياً في نفس المنظمة حتماً خبرته ومهارته سوف تثلج صدره ويصل.
(قطرة الماء تثقب الحجر، لا بالعنف، ولكن بتواصل السقوط) ابن حزم الأندلسي.
ما يزعجني ويزعج البعض أن عدم الاستمرارية يضر الإنسان ويؤذيه، الإنسان الذي لا يستمر في تناول أدوية الأمراض المستعصية هي دعوة للآثار الجانبية، الإنسان الذي لا يستمر في كبح غضبه هي دعوة لحفر فجوة يصعب ردمها، الإنسان الذي لا يستمر في المحافظة على التقيد بأنظمة المرور هي دعوة للمخالفات التي قد تكلفه نفسه.
الحياة تبتسم للذين يتقنون أعمالهم والإتقان يحدث بالاستمرار، يروى عن النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
همسة
في أحيان كثيرة يفشل الإنسان بسبب عدم الاستمرارية.

